عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في قدّاس أحد البيان ليوسف
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في قدّاس أحد البيان ليوسف، يوم الأحد 15 كانون الأول/ ديسمبر 2024، في الصرح البطريركي في بكركي - لبنان.
بكركي – 15 كانون الأوّل/ ديسمبر 2024
"يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك"(متى 1: 20).
1. لما رجعت مريم إلى الناصرة من بيت زكريا في عين كارم، بعد ثلاثة أشهر في خدمة نسيبتها أليصابات، حتى مولد يوحنّا، رآها يوسف وحبلها بادٍ عليها. فاحتار وملأه القلق لسببين: الأوّل، لكونه رجلًا بارًّا لم يشأ قبول أي شكّ بشخص مريم، أو التشهير بها. الثاني، اعتقد يوسف أن لا مكان له في تصميم الله على مريم. لهذين السببين فكّر بتخليتها سرًّا، من دون اللجوء إلى المحكمة. في تلك الليلة، قبل اتخاذ القرار، ظهر له ملاك الربّ في الحلم وقال له: "يا يوسف بن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، فالمولود فيها هو من الروح القدس"(متى 1: 20-21). "فلمّا قام يوسف من النوم صنع كما أمره ملاك الربّ" (متى 1: 24).
2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا للإحتفال بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وأن أوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة إميلي بولس لطيف، زوجة سايد نعمة ووالدة المرنّمة السيّدة زينة زوجة المرنّم مرسيل بدوي. وقد ودّعناها مؤخّرًا مع عائلتها وأنسبائها. نصلّي في هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسها وعزاء أسرتها.
كما احيي رئيس مكتب التواصل مع المرجعيات الروحية في حزب القوات اللبنانية مع رئيس مصلحة الطلاب في الحزب على رأس الوفد المرافق من الطلاب.
3. "يا يوسف، لا تخف" أمام سرّ حبل مريم، وأمام التدخّل الإلهيّ، وأمام واقعك الجديد! "لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك". أكّد له الملاك أنّ مريم هي دائمًا زوجته، بحكم الخطبة الرسميّة، حسب الشريعة القديمة. الخطبة عند اليهود كانت زواجًا قانونيًّا، ويبقى انتقال الخطيبة إلى بيت عريسها. ولذلك طلب منه الملاك الاحتفاظ بها في بيته، كوديعة من الله ليوسف وزوجة شرعيّة له، وأب شرعيّ ليسوع. وهكذا جعله حارسًا للكنزين: مريم العذراء وطفلها الإلهيّ يسوع.
4. وقال الملاك ليوسف: "تدعو اسمه يسوع". إعطاء الاسم من يوسف أبيه يعني أنّه ابنه الشرعيّ إنّما بالتبنيّ المعطى من الله. وهكذا عُرف يسوع في المجتمع أنّه ابن يوسف النجّار الذي من الناصرة وأمّه مريم (راجع لو 3: 23؛ 4: 22؛ متى 13: 55). هكذا انكشف موقع يوسف في تصميم الله الخلاصيّ هذا. أمّا اسم عمّانوئيل-الله معنا" فهو الاسم الذي سيدعوه به الشعب، حسب نبوءة أشعيا (7: 14)، لأنّهم سيرون الله بين البشر بشخص يسوع وآياته.
كلّ هذا يعلّمنا كم أنّ الله قريب منّا، من كلّ واحد وواحدة، وكم يجب علينا أن ندخل في شركة معه، عبر الصلاة وسماع كلامه في الإنجيل والكتب المقدّسة، وعبر التأمّل في السرّ الإلهيّ، والعيش في انتظار تجلّيات الله، ساعة يشاء وكيفما وأينما يشاء.
5. "لـمّا قام يوسف من النوم، عمل بما أمره ملاك الربّ". أخذ مريم إلى بيته وكرّس ذاته لها ولابنها الإلهيّ ببتوليّة مثل بتوليّة مريم، فتقدّسا بالإله المتجسّد الذي أصبح ابنًا لهما: لمريم بالجسد، وليوسف بالشريعة. فأضحيا مثال المكرّسين والمكرّسات في البتوليّة من أجل الأبوّة والأمومة والأخوّة الروحيّة تجاه جميع الناس، على وجه الأرض.
علّم القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني، في إرشاده الرسوليّ "حارس الفادي" (15 آب/ أغسطس 1989) أنّ القدّيس يوسف، كما تعهّد بعناية ودودة مريم وابنها، وانقطع بفرح لتربية يسوع المسيح، كذلك هو أيضًا حارس وحامي جسده السرّي أي الكنيسة التي العذراء صورتها ومثالها. وقد أعلنه الطوباويّ البابا بيّوس التاسع "شفيع الكنيسة".
إنّنا نجد في مريم ويوسف ثلاثة نماذج: النموذج في موقف الإصغاء الخاشع إلى كلمة الله، أي الاستعداد المطلق لأن نخدم بأمانة إرادة الله الخلاصيّة المتجليّة في يسوع المسيح؛ ونموذج الطاعة في تنفيذ إرادة الله، ووصاياه ورسومه، تنفيذًا أمينًا؛ ونموذج الإلتزام في خدمة تدبير الله الخلاصيّ، وخدمة رسالة المسيح لخلاص العالم (حارس الفادي، 29 و32).
6. السبت والأحد الماضيين، لبيّت دعوة الرئيس الفرنسيّ السيّد Emmanuel Macron للمشاركة في إعادة فتح كاتدرائيّة Notre Dame de Paris، بعد ترميمها من الحريق. فشاركت نهار السبت في الإحتفال وصلاة المساء، واستمعنا فيه إلى كلمة الرئيس، وإلى الرسالة التي وجّهها قداسة البابا فرنسيس التي تلاها سيادة السفير البابويّ في فرنسا، أثناء صلاة المساء.
وصباح الأحد الثامن من كانون الأوّل شاركت بدعوة من رئيس أساقفة باريس المطران Laurent Ultrich، مع عدد من الأساقفة والكهنة في تكريس مذبح الكاتدرائيّة، دائمًا بحضور الرئيس الفرنسيّ والسيّدة الفرنسيّة الأولى، والرئيس الأميركيّ المنتخب السيّد Trump ورؤساء الدول وملوك ورؤساء وزراء وسواهم من الشخصيّات العالميّة.
أودّ في هذه المناسبة توجيه عاطفة الشكر للرئيس الفرنسيّ الذي خصّني بهذه الدعوة وبمواكبة درّاجتي بوليس طيلة اليومين، وبالدعوة إلى العشاء في قصر ال Élisée، وتخصيصي بمكان مميّز بوجهه والرئيس Trump…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.