تأمّلات غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو في آحاد البشارة – سوبارا
الأحد الثاني: البشارة الى مريم، المرأة، (لوقا1/ 26-38)
تجدون في التالي تأمّلات لغبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم، والرئيس الفخري لمجلس كنائس الشرق الأوسط، في آحاد البشارة – سوبارا، الأحد الثاني: البشارة الى مريم، المرأة، (لوقا1/ 26-38).
مريم آمنت بكلام الله، هل نحن نؤمن به مثلها؟
مريم مرتبطة برجل من آل داود، بينما زكريا وزوجته ينحدران من نسل هارون الكاهن. في البشارة الى زكريا لا يُذكَر المسيح، لكن يَعرف المؤمن ان ولادة يوحنا مرتبطة ضمنيّاً بولادته.
1. البشارة
البشارة الى مريم لا تحدث في الهيكل كما لزكريا، بل في قرية صغيرة غير مشهورة في منطقة الجليل. وهنا الاُم المستقبلية هي من تُبشَّر، وليس قرينَها يوسف، عكس البشارة بولادة يوحنا التي وجِّهت الى زكريا (الزوج).
يكشف لوقا سرَّ المسيح من خلال شرح الملاك الخبر لمريم، التي آمنت بكلامه واجابت: “ها أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ” (لوقا 1/ 38). جوابها الإيماني يتعارض مع ريبة زكريا!
يُحدِّدُ الملاك هوية يسوع. انه من نسلِ داود وابنٌ للعليّ (لوقا 1/ 32-35). ويركّّز على الدور الذي يُعطيه الله: “يملكُ على بيتِ يعقوب وعلى عرش داود”، لكن المتلقي لا يُدرك كيف سيتحقق ذلك. والجملة الأخيرة تُعَقّد المشهد: “ولن يكونَ لمُلكِه انتهاء“. هذه الجملة لا علاقة لها بمستقبل بيت يعقوب القبلي والسياسي، بل المعنى أبعد من ذلك!
“السلامُ عليكِ” تعني ايضاً “الممتلئة نعمة”. هذه التحية تؤكد على الفرح الذي يجلبه المسيح بمجيئِه للبشرية جمعاء.
البشارة الى مريم تعطيها الحق في تسمية ابنها في حين المألوف هو أن الاب يسمي أولاده: “فستحبَلين وتلدينَ ابناً تسمّينه يسوع” (لوقا 1/ 31). مريم تنذهل أكثر من زكريا الذي كان متزوجاً بامرأة عاقر، لكن يُظهر لوقا انفتاحها على الكشف إلالهي. طفلها هو ابن العلي، وان الروح القدس هو الذي يحقق هذا الحمل من دون علاقة زوجية، لذلك هو قدوسٌ وقويّ. ابنها ينتمي الى الله منذ الحَبَل به، بينما نجد ان يوحنا يمتليء من الروح القدس فقط عندما بدأ كرازته. وهذا اختلاف جوهري.
لوقا يهدف الى تعزيز إيمان ثاوفيلس، وإيماننا بعبارة: “ليس عند الله امر عسير” (1/ 37).
يبرز الحدث ان الطاعة مرتبطة بالثقة. وعلى ضوئها جاء جواب مريم: “ليكن لي كقولِك” أي انها تضع نفسها في خدمة المشروع الالهي. هذا ما ينبغي ان نفعله نحن أيضاً.
2. الزيارة لإليصابات ونشيد مريم “نفسي تُعظِّم الله الربّ”
يربط لوقا بين طفولة يوحنا المعمدان وطفولة يسوع. لقد لمَّح الملاك لمريم ان اليصابات نسيبتها حامل بشهرها السادس. في هذه الزيارة لا يذكر زكريا، انما يذكر اليصابات التي تستقبل مريم الممتلئة نعمة: “من اين لي هذا الفرح ان تاتي امُّ ربّي الي. فلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَامتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس” (لوقا 1/ 40-41).
نشيد مريم يأتي في اطار حضور الله الخلاصي. فرحها يقوم باختيار الله لها. انها تنشد لان الله سُرَّ بها. نحن أيضاً اختارنا الله لحمل الرجاء والفرح للناس: “اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ” (يوحنا 15/ 16).
النشيد الذي يضعه لوقا على شفاه مريم يُضئ للقاريء حقيقة مخطط الله الخلاصي. وقد انشدته الجماعة المسيحية الأولى في ليتورجيتها!
تعُظِّم نفسي الربّ، نشيدُ امراةٍ بسيطة وفقيرة، لكنها مؤمنة جداّ. نشيدها يكشف ان الله: “يخزيء الأغنياء والأقوياء والمتكبرين”. هذه العبارة تتماشى تماما مع التطويبات للمساكين، والمتواضعين والودعاء (متى 5/ 1-9).
هذا النشيد دعوة للمسيحيين الى أن يمجدوا الربّ بابتهاج، لأن ما حدث لمريم يحدث لهم أيضاً. أما يستقبلون المسيح في القربان المقدس ليحل فيهم؟ وهكذا في الاسرار الاخرى؟
صلاة: “يا مريم، عذراء الإصغاء والصمت، الذي فيها جاء الكلمة وعاش بيننا، أُسلّم إليك ذاتي كلها، وعقلي وقلبي، وجسدي وحواسي، حتى أتعلم في مدرستك الصمت والإصغاء، اليوم وفي كل الأيام (برونو فورتي، نور وجهك ص 35).
هذه التأمّلات نُشر على موقع البطريركيّة الكلدانيّة في بغداد.