عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في أحد الورديّة
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في قدّاس أحد الورديّة، يوم الأحد ٦ تشرين الأوّل/ أكتوبر ٢٠٢٤، في المقرّ الصيفي للبطريركيّة المارونيّة في الديمان، لبنان.
"من تراه الخادم الأمين الحكيم" (متى 24: 45) .
1.كلام المسيح الربّ يدور حول النهايات: نهاية الأزمنة، ونهاية حياة كلّ إنسان بموته. وفي كلا النهايتين الدينونة والخلاص الأبديّ أو الهلاك. فينبغي أن يكون كلّ شخص أمينًا وحكيمًا في القيام بواجبه كمسؤول في الحياة أو العائلة أو الكنيسة، أو المجتمع أو الدولة. فالمسؤوليّة لدي جميع الناس، لكنّها تتفاوت بين شخص وآخر. فإمّا ينكبّ على مسؤوليّته بأمانة وحكمة فينال الخلاص، وإمّا يهملها بحياة الطيش فيكون مصيره الهلاك الأبديّ.
2. تحتفل الكنيسة اليوم بأحد الورديّة المقدّسة. فيقوم المؤمنون بتلاوتها في الرعايا، وفي كلّ مساء في العائلة جماعيًّا أو إفراديًّا. فالمسبحة صلاة محبّبة على قلب العذراء مريم، وقد أوصت بتلاوتها في العديد من المناسبات والظهورات "من أجل نهاية الحروب وإحلال السلام" و"من أجل إرتداد الخطأة إلى التوبة والحياة الجديدة". وكثيرون صلّوا الورديّة من أجل نوايا خاصّة، وقد نالوها، ومن بين هؤلاء القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني الذي أضاف على أسرارها أسرار النور التي تكمّلها، فقال: "كلّ سرّ حياتي هو في تلاوة مسبحة الورديّة يوميًّا". فلنقبل على صلاتها. وها المؤمنون يضعون المسبحة بين أنامل موتاهم، لإعتبار المسبحة جواز سفرهم إلى الحياة الخالدة.
3. يسعدني أن أرحبّ بكم واليوم هو الأحد الذي نختتم به أشهر الصيف في كرسيّنا بالديمان لنعود إلى كرسيّنا في بكركي. فنشكر الله على أشهر الصيف الثلاثة التي قضيناها معكم، وعلى نعمه وبركاته. وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة كاملة مقبل بلعيس زوجة المرحوم نعيم أنطونيوس جبرايل التي ودّعناها يوم الإثنين الماضي مع أبنائها الأربعة وابنتها الوحيدة، ومع أهالي كفرزينا. نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسها وعزاء أسرتها وأنسبائها. وننوّه بابنها المحامي ميلاد الذي نتعاون معه في الكرسيّ البطريركيّ بالديمان.
4. يتكلّم الربّ يسوع في إنجيل اليوم عن كلّ إنسان يحمل مسؤوليّة ما في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. وهي مسؤوليّة تأمين الخير العام الذي منه خير الأفراد وخير الجميع. فينبغي أن يتحلّى المسؤول بالأمانة والحكمة، لكي يستمرّ وفيًّا لموكّله وللأشخاص الموكّل عليهم ولواجبه. ويذكّره بأنّه سيؤدّي حسابًا لله الديّان. فيكون خلاصه أو هلاكه الأبديّ مرتبطًا بأمانته أو بخيانته. فإن كان أمينًا وحكيمًا "أقامه سيّده على كلّ ممتلكاته" (آية 47). وإذا كان غير أمين وحكيم "فصله وجعل نصيبه مع الكافرين"(آية 51).
5. الأمانة تفترض المحبّة في قلب المسؤول. فلا يستطيع أن يكون ملتزمًا بواجب مسؤوليّته، إذا لم يكن في قلبه حبّ لموكّله ولواجبه وللأشخاص الموكّل عليهم. وليتذكّر المسؤول أنّه بفعل حبّ وثقة أسندت إليه المسؤوليّة. الأمانة تقتضي المبادلة بالحبّ والبقاء على مستوى الثقة.
أمّا الحكمة، وهي من مواهب الروح القدس السبع، فتبلغ ذروتها في مخافة الله. ذلك أنّها ممارسة المسؤوليّة تحت نظر الله، والانتباه الدائم إلى مرضاته في كلّ عمل وتدبير. ولذلك، يستلهم المسؤول أنوار الله وكلامه ورسومه، فينتصر على المصاعب، وعلى الإغراءات والتجارب.
6. في كتاب رؤيا القدّيس يوحنّا، أمر الربّ يوحنّا أن يكتب إلى ملاك إزمير: "كن أمينًا حتى الموت، وأنا أعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 2: 10)، "الإكليل" هو رمز سلطة الحكم في هذا العالم، التي تأتي من الله، وإليه ينبغي أن تعود. لكنّ "أركون هذا العالم" أي الشيطان يسلب هذه السلطة، ويضع الناس في صراع ونزاع فيما بينهم. وهكذا تبدأ خيانة الأمانة لله والناس الذين منحوا المسؤول ثقتهم ومحبّتهم. فيصبح الصراع بين الساعين إلى السلطة أو بين حامليها، والكلّ على حساب الشعب والأشخاص الموكلين عليهم. هذا هو واقع الأولاد عند خلاف الوالدين؛ وهذه حال المواطنين عندما يلهى أهل السلطة المدنيّة بمصالحهم أو بنزاعاتهم…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.