عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في قدّاس وجود الربّ في الهيكل في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان

تجدون مجموعة صور في آخر النصّ.

تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في قدّاس وجود الربّ في الهيكل، يوم 31 كانون الأوّل/ ديسمبر 2023، في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.

"بعد ثلاثة أيّام وجداه في الهيكل" (لو 2: 46)

1. في هذا الأحد الذي يلي عيد الميلاد، تحتفل الكنيسة بعيد العائلة المقدّسة: يوسف ومريم ويسوع. وفيها إعتلان لبنوّة يسوع الإلهيّة، ولدخول العائلة المسيحيّة في تصميم اللّه الخلاصيّ، ولرسالتها الخاصّة كمدرسة طبيعيّة لنموّ أولادها الجسديّ والثقافيّ والروحيّ، ولإدراجهم في حياة الكنيسة هيكلًا وجماعة مؤمنة. هذا ما أوحاه وجود يسوع إبن الإثنتي عشرة سنة في الهيكل، وبقاؤه ثلاثة أيّام بين العلماء (راجع لو 2: 46).

2. نلتقي معًا للإحتفال بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، ونحن في اليوم الأخير من سنة 2023. فنشكر اللّه عليها بحلوها ومرّها، ونشكره على كلّ النعم والبركات والخيرات الّتي أغدقها علينا، وعلى أنّه حفظنا في نعمة الوجود على الرغم ممّا سادها من قتل وعنف وحرب ونزاعات وميتات في غير مكانها. فإذ أرحّب بكم جميعًا، أدعوكم لرفع صلاة الشكر هذه، سائلين اللّه أن يبارك العام الجديد 2024 ويجعله سنة خير وسلام.

وإذ أرحبّ بكم جميعًا، أودّ الترحيب بسيادة أخوينا المطران أنطوان شربل طربيه، راعي أبرشيّة أوستراليا ونيوزيلندا وأوقيانيا المارونيّة، والمطران سيمون فضّول راعي أبرشيّة أفريقيا الغربيّة والوسطى، والزائر الرسوليّ على موارنة أفريقيا الجنوبيّة، وبالوفد المرافق. وأوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة نسيبنا بالمصاهرة المرحوم نقولا الياس أبو مراد، الذي ودّعناه منذ ثلاثة أسابيع مع زوجته وابنه وبناته وسائر أنسبائه. كما نوجّه تحيّةً لعائلة المرحوم جوزف الشرتوني ، الشاعر والأديب والصحافيّ. وقد ودّعناه مع أشقّائه وشقيقتيه وأنسبائه وأهالي شرتون العزيزة. إنّنا نذكره مع المرحوم نقولا في هذه الذبيحة الإلهيّة راجين لهما الراحة في الملكوت السماويّ ولأسرتيهما العزاء.

3. إنّ ذكرى وجود الصبيّ يسوع في هيكل أورشليم وما أحاط بهذا الحدث يكشفان ميزات العائلة المسيحيّة الأربع:

الأولى: إنّها كنيسة بيتيّة مصغّرة تعيش الأحداث الليترجيّة المرسومة، لا بحسب أمور الشريعة فقط، بل بداعي مقتضيات الإيمان وإنعاشه وتغذيته. هكذا "كانت عائلة الناصرة تذهب في كلّ سنة في عيد الفصح إلى أورشليم" (لو 2: 41). هذه الزيارة كانت متعبة لأنّها تستدعي مسيرة ثلاثة أيّام.

الثانية: إنّها كنيسة بيتيّة تندرج في تصميم الله الخلاصيّ، كما يظهر من جواب يسوع لأبيه وأمّه: "أما تعلمان أنّه ينبغي لي أن أكون في ما هو لأبي؟" (لو 2: 49). بهذا الجواب نشهد ظهورًا إلهيًّا، إذ أعلن إبن الإثني عشرة سنة أنّه "إبن الله"، محدّدًا الفرق بين "أبيه بالطبيعة الإلهيّة" و"أبيه بالشريعة" الذي هو يوسف، وتقول مريم عنه "أبوك". وأعلن أيضًا رسالته الإلهيّة وهي طاعته للآب وتدبيره، وهي فوق كلّ سلطة بشريّة أخرى.

الثالثة: أنّها كنيسة تتألّم من أجل المسيح فتكتسب آلامها قيمة فداء. عندما أضاع يسوع أبواه ثلاثة أيّام تألّما ألـمًا شديدًا، وهما يبحثان عنه، وتعذّبهما الأفكار السلبيّة بشأنه: هل خطفه أحد وقتله؟ هل افترسه وحش؟ وسواها من الأفكار المؤلمة. ولـمّا وجداه في هيكل أورشليم بين العلماء فرحا فرحًا عظيمًا وارتياحًا، ولا سيما عندما سمعا باندهاش كلام الحكمة والعلم الصادر عنه.

الرابعة: إنّها كنيسة تمتلئ من الحكمة الإلهيّة وتربّي عليها. فمشاركة العائلة المسيحيّة في الليترجيا الإلهيّة أيّام الآحاد والأعياد، تتيح لها أن تسمع كلام الحكمة الإلهيّة وتغتذي منها وتنمّي إيمانها. فالمكان الذي منه يُقرأ كلام الله (نصّ من العهد القديم، رسالة من العهد الجديد، والإنجيل) يُسمّى بالسريانيّة "بيما" أي المكان الذي تُعلن منه كلمات الحكمة الإلهيّة.

4. على هذا الأساس، عاد يسوع مع أبويه إلى الناصرة، "وكان خاضعًا لهما، وينمو في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو 2: 52). أمضى ثلاثين سنة في الحياة العائليّة عاملًا بيديه في حقل النجارة مع أبيه، خاضعًا هكذا لشريعة العمل، وكاسبًا خبزه بعرق الجبين. فقدّس العمل بالقيم الروحيّة والأخلاقيّة التي أتمّه بها، وتقدّس بهذا العمل. وبهذا دعا الجميع إلى التحلّي بالخلقيّة والشفافيّة والتجرّد وطيب السخاء في العطاء، وإلى التحرّر من الفساد والسرقة والإغتناء غير المشروع. وبعد أن امتلأ يسوع روحانيّة وإنسانيّة ومحبّة وحنانًا ورحمة، إنطلق إلى رسالته الخلاصيّة.

5. أنشأ الله العائلة من زواج رجل وامرأة منذ بداية الخلق والتاريخ البشريّ. فكانت العائلة أوّل مجتمع منظّم بشرائع ورسوم منها الموحاة كتابةً، ومنها المكتوبة في صميم الطبيعة البشريّة. وأرادها الخالق مدرسةً طبيعيّةً أولى تربّي على الحبّ النقيّ والعاطفة والإنسانيّة والصدق في قول الحقيقة واحترام الآخر المختلف والإنفتاح على الغير والتربية على البنوّة لله وللأخوّة الإنسانيّة الشاملة، وروح التضامن والتكامل. وتربّي خاصّةً على محبّة الوطن والتفاني في سبيله. هذه العائلة هي في عهدة الكنيسة والدولة والمجتمع، محليًّا وعالميًّا...

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

قداسة البابا فرنسيس: لننظر إلى مريم لكي نتعلم ذلك الحب الذي ينمو في الصمت

Next
Next

غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا يحتفل بعيد العائلة المقدسة في كنيسة سيدة فاطمة - بيت ساحور