عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في الأحد الثاني بعد الدنح

تجدون في التّالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في الأحد الثاني بعد الدنح، 14 كانون الثاني/ يناير 2024، في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.

"تعاليا وانظرا" (يو1: 39)

1. عندما رأى يوحنّا المعمدان يسوع مارًّا، إكتشف فيه "حمل اللّه الّذي يحمل خطيئة العالم"(يو1: 29) .ولـمّا تبع يسوع إندراوس وتلميذٌ آخر، يُرجّح أنّه يوحنّا الحبيب، إكتشفا في شخص يسوع "ماشيحا أي المسيح المنتظر"(يو1: 40). أمّا لـمّا رأى يسوعُ سمعان آتيًا إليه، بشهادة أندراوس، فحوّله إلى صخرة الإيمان أي "كيفا" بالآراميّة وPetros باليونانيّة وPetrus باللّاتينيّة، الّتي يبني عليها كنيسته.

اللّقاء الشخصيّ بيسوع ينطوي دائمًا على بعدين: الأوّل، معرفة يسوع على حقيقته؛ والثاني، الدعوة الخاصّة بكلّ مؤمن ومؤمنة في حياة الكنيسة والعائلة والمجتمع. هذا يعني أنّنا في شخص يسوع نجد ذواتنا، ومعنى وجودنا في مسيرة ملكوت اللّه عبر التاريخ البشريّ.

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وأن أنقل إليكم الخبر المفرح وهو رفع موزاييك القدّيس شربل شفيع لبنان في بازيليك القدّيس بطرس بروما صباح يوم الجمعة المقبل 19 كانون الثاني الساعة 10،30 بتوقيت لبنان. فإنّا ندعوكم لوقفة صلاة وشكر وابتهال إلى الله لكي بشفاعة القدّيس شربل يمنح لبنان الإستقرار والسلام في الجنوب وفي غزّة، ويُلهم المجلس النيابي بانتخاب رئيس للجمهوريّة، ويحقّق أمنيات قداسة البابا فرنسيس الذي سمح بهذه المبادرة وشجّعها. ونطلب من إخواننا السادة المطارنة الأجلّاء تكليف كهنة الرعايا ولجان الأوقاف بقرع الأجراس في جميع الكنائس بالتزامن مع رفع موزاييك القدّيس شربل، ولمدّة خمس دقائق.

ويطيب لي أن أرحّب بكم جميعًا مع تحيّة خاصّة لسيادة اخينا المطران غريغوري منصور راعي ابرشية بروكلين – نيويورك، الولايات المتحدة الاميركية. كما احيي عائلة قلب يسوع التي تنشر عبادة قلبه الأقدس الموحاة للقديسة مارغريت ماري الاكوك. تأسست هذه العائلة في لبنان سنة ١٩٨٥، وتنتشر حاليًّا في حوالي ٧٥ رعية يلتزم أعضاؤها بتلاوة تساعية قلب يسوع، واحياء ساعات سجود في كلّ أوّل جمعة من الشهر، والقيام بخدمة المحبّة في مركز اجتماعي لعدد كبير من المعوزين.

3.في إطار شركة القدّيسين والصلاة لراحة نفوس موتانا، نذكر في قّداسنا المرحوم ريّان وهبة وأموات العائلة، ونذكر المرحوم إيلي جرجس عيد الذي ترك أثرًا كبيرًا في أبرشيّتنا المارونيّة في قبرص، وكذلك في وادي قنّوبين من خلال بناء بيت للأنشطة الروحيّة والثقافيّة. كما نذكر المرحوم مطر يوسف مطر، والد عزيزنا الخوري بول مطر، أمين سرّ البطريركيّة السابق، وقد ودّعناه هذا الأسبوع مع أفراد عائلته العزيزة. إنّنا نقدّم الذبيحة المقدّسة لراحة نفوسهم وعزاء عائلاتهم.

4. إكتشف يوحنّا المعمدان بوحي من الروح القدس أنّ يسوع هو "حمل الله الذي يحمل (يفتدي) خطايا العالم" (يو1: 29). فأودعه نفوس البشر، المتمثّلين بالتلميذين اللذين سمعاه فتبعا يسوع. وبعد أن اقتبلهما يسوع، عاهدهما يوحنّا بألّا يعودا إليه، هو الذي قال: "ينبغي له أن ينمو، ولي أن أنقص، لأنّ الذي أتى من فوق هو فوق الكلّ" (يو 3: 30-31). ما أجملها أمثولة لكلّ إنسان في التواضع والتجرّد ومعرفة الذات على حقيقتها، وبخاصّة لكلّ حامل مسؤوليّة لئلّا يستكبر على الله ويخالف من دون ندامة رسومه ووصاياه، ولئّلا يتعالى على الناس. صحيح القول: إنّ كلّ إنسان يحمل في ذاته ثلاث شخصيّات: الأولى، ما هو في نظر نفسه؛ الثانية، ما هو في نظر الناس؛ الثالثة، ما هو في الحقيقة. هذه الشخصيّة الأخيرة هي المطلوبة من كلّ إنسان أن يعرفها، والتي دعا إليها فلاسفة اليونان بكلمتين: "إعرف نفسك!"

5. إكتشف التلميذان اللذين تبعا يسوع أنّه "المسيح المنتظر"،كما شهد إندراوس لأخيه سمعان-بطرس. نجد بعده فيليبّس يشهد لنتنائيل "أنّ الذي كتب عنه موسى والأنبياء، قد وجدناه، وهو يسوع إبن يوسف من الناصرة" (يو 1: 45). ونتنائيل، بعد أن رأى يسوع وسمعه شهد: "أنّه إبن الله، وأنّه الملك الجديد" (يو 1: 49).

أمّا يسوع فقرأ في قلوب هؤلاء إيمانًا وحبًّا مميّزين، فدعاهم ليكونوا رسل العهد الجديد. فكانوا الخمسة الأول من بين الإثني عشر وهم: سمعان بطرس الذّي جعله هامتهم، وإندراوس أخوه، ويوحنّا، وفيلبّس، ونتنائيل.

وهكذا واصل الربّ يسوع، ويواصل إلى نهاية العالم، دعوة الذين يتميّزون بالإيمان والحبّ ليسيروا على خطاه في حياتهم المسيحيّة، وفي الدعوة الكهنوتيّة المقدّسة، وفي الحياة المكرّسة بنذور أو وعود.

6. إنّنا نجد نموذج الإيمان والحبّ كأساس لدعوة كلّ إنسان في شخصّية سمعان-بطرس. فإيمانه المميّز ظهر في قيصريّة فيلبّس عندما أجاب على سؤال يسوع: وأنتم من تقولون أنّي هو؟ وكان جوابه: "أنت هو المسيح إبن الله الحيّ!" فامتدح يسوع إيمانه لكونه عطيّة من الله قبلها في قلبه وعاشها في حياته، قولًا وفعلًا. على هذا الإيمان جعله صخرة يبني عليها كنيسته (راجع متى 16: 13-19).

وحبّه المميّز ظهر على شاطئ بحيرة طبريّا، عندما سأله ثلاثًا: "أتحبّني أكثر من هؤلاء؟ وكان جوابه الصاقي: "يا ربّ، أنت تعلم كلّ شيء، وأنت تعلم أنّي أحبّك!" فسلّمه يسوع رعاية النفوس التي افتداها بموته على الصليب. ما يعني أنّه دعاه ليحمل حبّه لكلّ إنسان (راجع يو 21: 15-19)…

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

دعوة عامّة لكلّ الكنائس المارونيّة في لبنان والعالم من غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي للمشاركة بقرع الأجراس والصلاة

Next
Next

غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يزور غبطة أخيه البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للتهنئة بعيد الميلاد ورأس السنة