عظة غبطة البطريرك يوسف العبسي في الأحد السابع عشر بعد العنصرة - والأول بعد الصليب، وتذكار القديسة تقلا أولى الشهيدات والمعادلة الرسل
ترأّس غبطة البطريرك يوسف العبسي الكلي الطوبى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك، اللّيترجيا الإلهيّة المقدّسة، يوم الأحد 24 أيلول/ سبتمبر 2023، "الأحد السابع عشر بعد العنصرة - والأوّل بعد الصليب، وتذكار القدّيسة تقلا أولى الشهيدات والمعادلة الرسل"، وذلك في كاتدرائيّة سيّدة النياح حارة الزيتون.
وجاء في عظة غبطة البطريرك يوسف العبسي
لوحة الصيد العجيب
لوقا ٥: ١-١٠
في لقائنا الإفخارستي هذا أودّ أن أتوقّف قليلًا على الحادثة الإنجيليّة الّتي سمعناها لنرى كيف نستطيع أن نستفيد منها لحياتنا.
١ - تقدّم نحو العرض
"تقدّم إلى العرض" كما في كلّ مرّة نرى يسوع يبادر إلى ملاقاة الناس، إلى ملاقاتنا نحن، يأتي بنفسه إلى الرسل ويطلب منهم أن يرافقهم إلى الصيد، إلى بحر الحياة ومعتركها. وقبل أن يطلب من رسله كان يسوع كما يقول الإنجيل، يعلّم، ومن ثمّ نزل إلى البحر. لقد علّم يسوع بلا، ريب، وعلم كثيرًا، في خلال حياته على الأرض، وكان متفوّقاً في تعليمه، لكنّه عرف أيضًا أن يشارك الناس حياتهم اليومية، وعرف أن يخالطهم ويتردّد بينهم. وها هو ينزل إلى بحر الحياة، ينزل إلى شقاء الناس، يشاطرهم عملهم، يقاسي آلامهم ويحتمل الموت.
نحن كذلك إنما يطلب منا يسوع أن نرى الناس كيف يعيشون وما هم في حاجة إليه وما هي همومهم ومشاغلهم وظروف حياتهم. إنّ الناس في وقت من الأوقات في حاجة إلى من يشعر معهم ويعمل معهم: إني أتحنّن على هذا الشعب من المزعج والمنفّر أن نظهر نحن مكتفين متكبّرين لا مبالين بالغير ولا سيما الذين هم أدنى منا.
٢ - تعبنا الليل كله... ولم نصب شيئًا
"تعبنا الليل كله ولم نصب شيئًا" . وكأنّ بطرس يقول للسيد المسيح: "شو بدك بها الشغلة... ما راح يطلع شي ... ما اصطدنا شيئًا في الليل، فكيف في النهار؟"
في الحياة قد تنتاينا الصعوبات فنضع العراقيل أمام بلوغ هدفنا أو مقصدنا. لكن الطريق مع يسوع لا تتضح إلا شيئًا فشيئًا، لا تنبسط وتنفرج إلا ونحن سائرون. مشكلة الحياة المسيحية، إن صح هذا التعبير، أنّنا نتعامل لا مع كتاب أو شريعة جامدين ومعروفين، أعني مع روحانية تتميم الواجب، بل مع شخص حي متحرك ليس من حدود ولا من قواعد نهائية للتعامل معه.
قد نصبح في بعض الأحيان وفي قلبنا يأس وقنوط، فنردّد ما قاله بطرس ليسوع: "لن يتغيّر شيء... هدول هنّي". وقد نكون صادقين في ما نقول، فغالبًا ما تبلغ بنا الحياة حدّ اليأس من كثرة ما فيها من متاعب وهموم ومشاكل من جميع الأشكال. وغالبًا ما نرى في ذواتنا من الضعف ما يقعدنا عن الرغبة أو القدرة على متابعة السير والعمل. وإذا بيسوع يتحدانا ويقول لنا تقدّموا وإلى أين؟ إلى العرض، إلى الخطر، إلى المخاطرة من دون تدرّج ولا تدرّب. يطلب منا يسوع أن نغامر ولا يأخذ برأينا بل يأمرنا. فهل نتردّد أو نحجم؟ كلاً! بل يجب أن نثق بالسيد: "بأمرك ألقي الشباك". 3- باسمك (بكلمتك) ألقي الشباك
أجل، "باسمك ألقي الشباك". فإن كنا نيأس من أنفسنا، لا يحق لنا أن نيأس من الله. وحدنا، قد ننجح أو نفشل. إلا أننا مع الله لا نفشل بل ننجح دوما، إذ كيف الذي يهتم بالعصافير والزهور لا يهتم بنا؟ إن الله فاعل وناجح على الدوام، لا يرسب في الامتحان. إنّه المتفوّق الأكبر، فلنتعلم منه. بل إن الله يثق بنا أكثر مما نحن نثق بأنفسنا وأكثر مما نثق نحن به. لذلك غالبًا ما نرسب في الامتحان معه بل نغرق كما غرق بطرس منه. في البحر.
ثم إننا في مسيرتنا مع يسوع، مهما كانت المغامرة كبيرة، فإن لنا في من سبقونا أساسًا ودعامة نستطيع الاتكال عليهما. نحن لا ننطلق من الصفر في الحياة مع يسوع بل من تاريخ حافل بالشهود، أولئك الذين ذكرهم الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين (الفصل ۱۱) مردفًا بقوله: "إذ يحدق بنا مثل هذا السحاب الكثير الكثيف من الشهود فلنطرح عنّا كل ثقل الخطيئة التي تكتنفنا، ولنسع بثبات إلى الميدان المفتوح أمامنا، شاخصين بأبصارنا إلى مبدىء الإيمان ومكمّله، إلى يسوع..." عبرا 12: 1-2)…
هذه العظة نُشرت على صفحة بطريركيّة الرّوم الملكيّين الكاثوليك على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.