غبطة البطريرك يوسف العبسي يترأّس اللّيترجيا الإلهيّة المقدّسة للأحد السابع بعد العنصرة في كاتدرائيّة سيّدة النياح في حارة الزيتون، دمشق
ترأّس غبطة البطريرك يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك صباح اليوم الأحد 16 تمّوز/ يوليو 2023، اللّيترجيا الإلهيّة المقدّسة للأحد السابع بعد العنصرة "أحد القدّيسين آباء المجامع المسكونيّة الستة الأولى" وذلك في كاتدرائيّة سيّدة النياح حارة الزيتون، دمشق.
ووجّه غبطة البطريرك يوسف العبسي عظة تجدون نصّها في التالي:
أنتم نور العالم
متّى5: 14-19
في الأحد الواقع بعد الثاني عشر من شهر تمّوز/ يوليو تقيم الكنيسة تذكارًا للآباء القديسين الذين اشتركوا في المجامع المسكونية الستة الأولى، من المجمع الأوّل، مجمع نيقيا، سنة ٣٢٥، إلى المجمع السادس، مجمع القسطنطينيّة الثالث سنة ٥٥٣. في هذه المجامع الستّة حدّدت الكنيسة عقائدها الإيمانيّة الجوهريّة من مثل مساواة الإبن للآب في الجوهر وأنّ يسوع المسيح هو إله كامل وإنسان كامل، ومن مثل مساواة الروح القدس للآب والإبن في الجوهر، هذه العقائد الّتي نعلنها في قانون الإيمان. وإذ تقيم الكنيسة هذا التذكار فلأنّها تعتبر أنّ هؤلاء الآباء قد أضاءوا العالم بتعاليمهم المستقيمة من ناحية، ولكي تجعلنا نقتدي بهم في حياتنا ونكون بدورنا شاهدين على إيماننا بالربّ يسوع من ناحية أخرى. من أجل ذلك تتلو على مسامعنا الإنجيل الّذي يتكلّم فيه الربّ يسوع عن النور ويطلب منّا أن نكون نورًا للعالم النور الّذي يوضع على المسرجة وفي المشكاة، أي في مكان ظاهر: "أنتم نور العالم... والسراج إذا أوقد فليس ليوضع تحت المكيال بل على المسرجة فيضيء لجميع الذين في البيت. "هكذا فليضيء نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (متّى ٥: ١٣-١٦).
يدعونا السيّد المسيح نحن المسيحيّين إلى أن نكون نور العالم لأنّ العالم في ظلمة ويحتاج إلى نور. لو لم يكن العالم في ظلمة لما احتاج إلى النور. العالم في حاجة إلى النور لكي يرى ويحيا، لكي يرى ولا يتعثّر، لكي يرى ويتمتّع بالجمال، لكي يبقى على قيد الحياة لأنّ الحياة والظلمة أمران متناقضان متنافيان والملاحظ أنّ السيّد المسيح، في وصفه لنا بأننا نورُ العالم قد سوانا بنفسه إذ قال "أنا نور العالم من تبعني لا يمشي في الظلام بل يحصل على الحياة الأبديّة". السيّد المسيح هو نور العالم، ونحن أيضًا نور العالم. ورسالتنا بالتالي أن نتابع ونتمّم رسالته بأن نضيء للعالم الدرب إلى الآب والروح كما فعل يسوع كيف يكون ذلك؟ كيف نكون نورا؟
نكون نورًا بأن نكون أوّلاً صادقين صريحين مستقيمين شفّافين، إذ "ليس خفي إلا سيظهر ولا مكتوم إلا سيعلم ويُعلَن". إنّ المسيح قد عنّف أكثر ما عنّف الفريسيين على مراءاتهم وكذبهم وكان يُكثر من نعته إياهم بالمرائين. وقد قال لنا "ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا وما زاد على ذلك هو من الشرير"، وقد نعت الشيطان بالكذاب وأبي الكذب كم من أشخاص وحياة تدمر بالمراءاة والكذب وانعدام الشفافية.
يكون المرء أيضا نورًا حين يعمل الأعمال الصالحة، حين يكون إنسانا صالحًا، بأخلاقه، وسلوكه. إن القديس بولس يتكلم في رسائله عن أعمال الظلمة وهي الأعمال السيئة وعن أعمال النور وهي الأعمال الصالحة. هناك أعمال تقود إلى الظلمة تجعل العالم والناس مظلمين، وهناك أعمال تقود إلى النور وتجعل العالم والناس منيرين. والقديس بولس يعدّد أعمال الظلمة، وهي البغض والحسد والسكر والخلاعة... كما أنه يعدّد الأعمال الصالحة أعمال النور، وهي اللطف والصبر والوداعة، طالبًا منا أن ننتقل من الظلمة إلى النور: "لقد كنتم من قبل ظلمة، أما الآن فأنتم نور في الرب، فاسلكوا كأبناء النور" (أف ٥: ۸). إنّ الإنسان، في نظر الكنيسة، عندما يكون بعيدا عن الله تعالى، أو خارجًا عن الله تعالى في عالم غير عالم الله تعالى يعيش في الظلمة، أعني في الخطيئة وفي الموت، وفي كل ما نضع تحت هذه التسميات من حالات إنسانية حزينة ومتعبة ومقلقة ومقنطة.
كيف يسع الإنسان أن يكون أيضًا نورًا؟ يجيب يسوع كذلك بأن يعلم هذا الإنسان ويتمم وصايا الله تعالى. بمعنى آخر أن يشهد للإنجيل، أن يشهد ليسوع. ذلك أن السيد المسيح قال عن نفسه نور العالم. فإن كنا نحن المسيحيين نشهد للنور الذي هو المسيح نكون نحن أنفسنا نورا للعالم. علينا إذن نحن المسيحيين أن نعرف الإنجيل وأن نعرف يسوع المسيح. علينا أن نبشر بالإنجيل وأن نبشر بيسوع المسيح. هذا واجب وليس اختيارًا. ذلك يقود حتمًا إلى الالتزام بالسيد المسيح وإلى الإصغاء له ومحبته فوق كل شيء، متسقطين ومتأملين في كلامه، أي أن يكون سلكُ نورنا موصولاً على الدوام بالسيد المسيح مصدر النور فلا ينطفىْ أبدًا بل يكون على الدوام مشحونWh "مشرجا" شغالًا، كتلك البطاريات التي تُشحن بلا انقطاع لئلا تفرغ فتتلف وتلقى خارجًا…
هذه العظة نُشرت على صفحة بطريركية الروم الملكيّين الكاثوليك على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.