عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في ذكرى مولد القدّيس يوحنّا المعمدان
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في ذكرى مولد القدّيس يوحنّا المعمدان، يوم الأحد 25 حزيران/ يونيو 2023، في دير مار يوحنّا المعمدان، حراش، لبنان. كما تجدون ألبوم صور في أسفل النصّ.
"إسمه يوحنّا" (لو 1: 63)
1. يوحنّا هو الإسم الّذي أعلنه الملاك لزكريّا. اللّفظة بالعبريّة "يهو-حنان" تعني "اللّه رحوم". في الواقع تجلّت رحمة اللّه لزكريّا وإليصابات العجوزين بإعطائهما ولدٌ قال عنه الربّ يسوع: "لم يولد مثله في مواليد النساء" (لو 7: 28). كما تجلّت في حلّ عقدة لسان زكريّا حالما كتب على لوحه "اسمه زكريّا". "وتجلّت للشعب لأن اللّه افقتقده" (لو 1: 78). أجل رحمة اللّه وأمانته لرحمته، "تدوم لألف جيل" (خروج 34: 6). ما يعني أنّهما تستمرّان على الرغم من خيانة الناس والقصاص الّذي تستوجبه خطاياهم. فهو يقول عنه بولس الرسول، غنيّ بالرحمة (أفسس 2: 4)، حتّى أنّه بذل ابنه الوحيد مائتًا على الصليب ليحرّرنا من الخطيئة. وشهد موسى في العهد أنّ "الربّ يهوه، إلهٌ رحوم شفوق، بطيءٌ للغضب، وغنيّ بالنعمة والأمانة" (خروج 34: 6).
2. يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهيّة، تكريمًا للقدّيس يوحنّا المعمدان، في ذكرى مولده، وهو شفيع هذا الدير التاريخي المبارك، مع الأخوات الراهبات حاملات اسمه. فنقدّم التهاني لحضرة الرئيسة العامّة ومجلسها وجمهور الراهبات. ونعرب عن تمنياتنا كي يبقى هذا الدير زاهرًا، ومركز إشعاع روحيّ. فهو يرقى في تأسيسه على يد البطريرك حبيب العاقوري إلى سنة 1643، وفيه سكن المطران عبدالله قراعلي، عندما كان مطران بيروت. فساعد الراهبات المحصّنات وسهر على شؤونهنّ، وسنّ لهنّ قانونًا طغى عليه الطابع النسكيّ، وشكّل دستورًا لسائر أديار الراهبات المستقلّة. وأُرسلت بعض راهبات هذا الدير إلى أديار الراهبات المماثلة لتدريب جمهورها على هذا القانون. فكانت حياتهنّ موزّعة بين صلاة وعمل في هذا الدير المستقلّ، المحافظ على تقاليد أديارنا. مثل هذه الأديار كنز لكنيستنا وللبنان. ويعنيناا جدًّا أن يبقى كذلك. فصلوات الراهبات ومَثل حياتهنّ يجلب النفوس إلى واحته. ويرضي الله فيفيض نعمه وبركاته. أجل، مثل هذه الأديار المصليّة حاجة للكنيسة وللمجتمع.
3. رحمة اللّه تنبع من محبّته، وقد كشفها لنا ابنه الوحيد المتجسّد لخلاصنا. فيسوع بمحبّته ورحمته على الخطأة، تقرّب منهم، أكل على مائدتهم وأعلن أنّه أتى ليدعو الخطأة لا الأبرار (مر 2: 17)، وأعرب عن الفرح في السماء لخاطئ واحد يتوب (لو 15: 7). وبلغت محبّته الرحوم إلى ذبيحة ذاته على الصليب لمغفرة الخطايا (متى 26: 28). وكشف عمق رحمة الله بمثل الإبن الشاطر (لو 15: 11-24).
العالم يحتاج إلى رحمة، لكي يتمكّن الناس من أن يتصالحوا من كلّ القلب، ويتبادلوا الغفران عن الإساءات، ويعيشوا فرح المصالحة وسعادتها؛ ولكي يمارس المسؤولون العدالة والإنصاف، ولكي نعطف كلّنا على الفقراء والمعوزين. الرحمة تنفي الظلم والاستكبار. الرحمة تلطّف العدالة، وإلّا أصبحت العدالة ظلمًا بدونها…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.