رسالة قداسة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالمي السّابع للفقراء ٢٠٢٣
"يعلّمنا سفر طوبيّا أن نعمل بشكل ملموس مع الفقراء ومن أجلهم. إنّها مسألة عَدل تُلزمنا جميعًا لكي نبحث عن بعضنا البعض ونلتقي مع بعضنا البعض، من أجل تعزيز الإنسجام الضّروري، لكي تكون الجماعة جماعة حقًّا" هذا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس في رسالته لمناسبة اليوم العالمي السّابع للفقراء.
تحت عنوان "لا تُحَوِّلْ وَجهَكَ عن فَقير" (طوبِيّا ٤، ٧)، صدرت ظهر يوم الثلاثاء 13 حزيران/ يونيو 2023 رسالة قداسة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالمي السّابع للفقراء الّذي يُحتفل به في ١٩ تشرين الثّاني/ نوفمبر ٢٠٢٣. كتب الأب الأقدس "يبلغنا اليوم العالمي للفقراء، العلامة الخصبة لرحمة الآب، للمرّة السّابعة لكي يعضد مسيرة جماعاتنا. إنّه موعد بدأت الكنيسة تجذِّره تدريجًا في عملها الرّعوي، لكي تكتشف أكثر فأكثر محتوى الإنجيل الرّئيسيّ. نحن ملتزمون يوميًّا باستقبال الفقراء، ولكنَّ هذا لا يكفي. إنَّ نهر الفقر يجتاز مدننا ويصبح كبيرًا لدرجة أنّه يفيض؛ ويبدو أنّ هذا النّهر يغمرنا، فيما تعلو وتشتدّ صرخة الإخوة والأخوات الّذين يطلبون المساعدة والدّعم والتّضامن. لذلك وفي الأحد الّذي يسبق عيد يسوع المسيح ملك الكون، نجتمع حول مائدته لكي ننال منه مجدّدًا العطيّة والإلتزام لكي نعيش الفقر ونخدم الفقراء".
تابع قداسة البابا فرنسيس يقول "لا تُحَوِّلْ وَجهَكَ عن فَقير". تساعدنا هذه الكلمة لكي نفهم جوهر شهادتنا. لنتوقّف عند سفر طوبِيّا، نصٌّ غير معروف من العهد القديم، جذَّاب ومليء بالحكمة، سيسمح لنا بأن ندخل بشكل أفضل في المحتوى الذي يريد الكاتب المُلهَم أن ينقله إلينا. ينفتح أمامنا مشهد حياة عائليّة: الأب، طوبيت، يسلِّم على ابنه، طوبيّا، الذي يهمُّ للانطلاق في رحلة طويلة. وكان طوبيت الشيخ يخشى ألا يتمكن من رؤية ابنه مرّة أخرى، ولذلك ترك له "وصيته الرّوحية". كان طوبيت منفيًّا إلى نينوى، وهو اليوم أعمى، وبالتالي كان فقيرًا مُضاعفًا، لكنّه كان يتحلى باليقين الذي يعبِّر عنه اسمه، "الرّبّ خيري". هذا الرّجل الذي وضع ثقته في الرّبّ دائمًا، يرغب كأب صالح أن يترك لابنه لا بعض الخيور المادية وحسب، وإنما شهادة للدرب التي يجب أن يتبعها في الحياة أيضًا، ولذلك يقول له: "اذكُرِ الرَّبَّ، يا بُنَيَّ، جَميعَ أَيَّامِكَ، ولا تَرْضَ بِأَن تَخطأَ وتَتَعَدَّى وَصاياه. اعمَل أَعْمالَ البِرِّ جَميعَ أَيَّامِ حَياتِكَ، ولا تَسلُكْ سُبُلَ الإِثْم". كما يمكننا أن نلاحظ على الفور، إنَّ الذّكرى التي طلبها طوبيت الشيخ من ابنه لا تقتصر على فعل تذكّر بسيط أو على صلاة يوجّهها إلى الله، ولكنّه يشير إلى أعمال ملموسة تقوم على القيام بأعمال صالحة والعيش في البرّ والصّلاح. وتصبح هذه الوصيّة أكثر تحديدًا: "شأنَ الَّذينَ يَعمَلونَ بِالبِرّ. تَصَدَّقْ مِن مالِكَ ولا تُحَوِّلْ وَجهَكَ عن فَقير".
أضاف الأب الأقدس يقول تدهشنا كثيرًا كلمات هذا الشّيخ الحكيم. ولا يجب أن ننسى، في الواقع، أنّ طوبيت فقد بصره بعد أن قام بعمل رحمة. كما روى هو نفسه، كانت حياته منذ صباه مكرَّسة لأعمال المحبّة: "تَصَدَّقتُ كَثيرًا على إِخْوَتي وعلىَ بَني أُمَّتي الَّذينَ جُلوا معي الى نينَوى في بِلادِ أَشُّور. [...] فكُنتُ أُقَدِّمُ خُبْزي لِلجِياعِ وثيابًا لِلْعُراة، وإِذا رَأَيتُ أَحَدًا مِنِ بَني أُمَّتي قد ماتَ وأُلقِيَ مِن وَراء أَسْوارِ نينوى، كُنتُ أَدفِنُه". من أجل شهادة المحبّة هذه، حرمه الملك من جميع خيراته، فصار فقيرًا معدومًا. لكنَّ الرب كان لا يزال بحاجة إليه، وإذ استعاد منصبه كمدبِّر، لم يخَفْ أن يستمرّ في أسلوب حياته. لنصغِ إلى روايته، التي تخاطبنا اليوم أيضًا: "في عيدِنا، عيد العَنْصَرَة، أو عيد الأسابيع، أُقيمَت لي مأدُبَةٌ فاخِرة، وجَلَستُ لِلطَّعام وقُرِّبَت إلَيَّ المائِدَة وجيءَ لي بِألْوانٍ كَثيرة. فقُلتُ لِطوبِيَّا آبني: هَلُمَّ، يا بُنَي، ومَن تَجدُه فقيرًا يَذكُرُ الله بِكُل قَلبِه بَينَ إِخوَتنا المَجلُوِّينَ الى نينَوى، فأتِ بِه لِيُشارِكَني في الطَّعام. وها إِنِّي في انتِظارِكَ، يا بُنَيَّ، إِلى أن تعود". كم سيكون جميلاً، في هذا اليوم العالمي للفقراء، لو كان اهتمام طوبيت هذا هو اهتمامنا أيضًا! أن ندعُوَ إلى مشاركة غداء يوم الأحد، بعد أن نكون قد تشاركنا في المائدة الإفخارستيّة. فتصبح الإفخارستيا التي احتفلنا بها، معيار شركة حقًّا. من ناحية أخرى، إذا كنا ندرك أننا حول مذبح الرّبّ نحن جميعًا إخوة وأخوات، ستصبح هذه الأخُوّة مرئيّة أكثر من خلال مشاركة طعام العيد مع الّذين يفتقرون إلى ما هو ضروري!…
هذا الخبر نُشر على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد إضغط هنا.