عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في تكريس لبنان والشرق لقلب يسوع الأقدس وقلب مريم الطاهر
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في تكريس لبنان والشرق لقلب يسوع الأقدس وقلب مريم الطاهر، يوم الخميس 11 حزيران/ يونيو 2023، في مزار سيّدة لبنان - حريصا. كما تجدون ألبوم صور في أسفل النصّ.
1. إنّ كلام اللّه مختصر بوصيّة واحدة: "أنّ نحبّ اللّه من كلّ قلبنا ونفسنا وعقلنا وإرادتنا، ونحبّ الآخرين كما نحبّ نفوسنا" (راجع لو 10: 27). وتجد هذه الوصيّة مساحتها في الوصايا العشر ومن بينها ثلاث أول تختصّ بمحبّتنا للّه، وسبعٌ أُخر تختصّ بمحبّتنا للإنسان. وهذا يدلّ على رفعة كرامة الشخص البشريّ وقدسيّته.
فكانت المبادرة الإلهيّة أن جعلته مسكنًا للّه، مسكن حبٍّ متبادل، أكّده الربّ يسوع بكلامه في إنجيل اليوم: "من يحبّني يحفظ كلمتي، وأبي يحبّه، وأنا أحبّه، وعنده نجعل منزلًا" (يو 14: 21 و 24).
2. نحتفل اليوم بتجديد تكريس لبنان والشرق الأوسط لقلب يسوع الأقدس ولقلب مريم الطاهر، الّذي سبقه تطواف بالقربان المقدّس شارك فيه عدد من المؤمنين والمؤمنات وعلى رأسهم أساقفة وكهنة. إنّنا بفعل التكريس نلتمس عطف الرحمة الإلهيّة لكي تشمل المؤمنين والمؤمنات مواطني لبنان وبلدان الشرق الأوسط، والمسؤولين المدنيّين بمسّ ضمائرهم بروح المسؤوليّة، كما تشمل الأرض والمؤسّسات لكي تكون واحات سلام وعدالة واستقرار وخير وعيش كريم للجميع. ونحن على يقين من أنّ، بفعل التكريس، المسيح الفادي والمخلّص والرحوم والسيّدة العذراء أمّ الرحمة وسلطانة السلام، لا يتركان وطننا وهذه البلدان فريسة الحروب والجوع والتهجير والظلم والأزمات السياسيّة والإقتصاديّة والماليّة والإجتماعيّة.
فليعلم المسؤولون السياسيّون أنّهم لا يستطيعون المضيّ في إهمال إرادة الله بشأن خير كلّ إنسان، إذا واصلوا حروبهم، ونزاعاتهم وسعيهم إلى مصالحهم الشخصيّة والفئويّة وإهمال واجباتهم لجهة تأمين حقوق المواطنين الأساسيّة، والعمل على النموّ والرقيّ للإنسان والمجتمع.
3. في رحاب سيّدة لبنان، نتطلّع إلى أمّنا مريم العذراء المتلألئة ببياضها الخارجيّ علامةً للجميع ببياضها الداخليّ الذي لا يوصف ولا يرى، بفعل سكنى الله الواحد والثالوث في داخلها الذي جعلها "ممتلئة نعمة". إنّها سلطانة جميع القدّيسين "المتلألئين معها كالشمس في ملكوت الآب" (راجع متى 13: 43). إنّ ارتفاعها على قمّة حريصا دعوة دائمة إلى حفظ نفوسنا مسكنًا لله، وهيكلًا للروح القدس الذّي "يعلّمنا كلّ الحقيقة" (يو 14: 26).
4. محبّة اللّه هي المقياس لحفظ وصاياه، حسب تأكيد الربّ يسوع: "من كانت عنده وصاياي ويحفظها، فذاك يحبّني" (يو 14: 21). هذه المحبّة هي من ثمار الروح القدس. تسمّى حسب اللفظة اليونانيّة Agapé، واللاتينيّة Caritas وهي الحبّ المجّاني، المتجرّد، السخيّ، حبّ الله الذي نحن مدعوّون لنشارك فيه ونتقاسمه، وهو في جوهره عطاء الذات. هذا الحبّ ينقّي الحبّ الشهوانيّ: كحبّ المال والسلطة والجنس والمصالح والغرائز والبطن ... الحبّ الشهوانيّ هو حبّ امتلاكيّ متأصّل في كلّ إنسان، لكنّه يحتاج إلى أن ينقّيه الحبّ المنحدر من الله، هذا الحبّ يجرّد الإنسان من أنانيّته ويدفع به إلى اكتشاف الآخر، والذي هو أوّلًا الله ثمّ الإنسان، كما يدفع به إلى البحث عن خيره وبذل الذات في سبيله (البابا بندكتوس السادس عشر: "اللّه محبّة"، 2-7).
5. ربّنا يسوع المسيح هو القدوة الكاملة للحبّ-Agapé: "فأحبّ حتّى النهاية" (يو 13: 1) وخدم وبذل نفسه عن الكثيرين (متّى 20: 28). لقد تجلّت فيه محبّة اللّه التي تخلق وتغفر وتبرّر. وبلغت المحبّة الإلهيّة ذروتها في التجسّد والفداء، إذ صار الله إنسانًا وافتدى الإنسان، محرّرًا إيّاه من كلّ العبوديّات، بدءًا من العبوديّة لذاته، ولمصالحه الرخيصة التي يضحّي في سبيلها بالصالح العام، ومن العبوديّة لغرائزه التي تطفئ فيه شعلة الروح القادرة على أن تسمو به إلى مستوى كرامة أبناء الله. واستمرّت محبّة الله حاضرة في التاريخ وفاعلة في كلّ إنسان من خلال سرّ الإفخارستيّا حيث تستمرّ وتتواصل ذبيحة الفداء ووليمة الحياة الإلهيّة فينا، على مائدة كلمة الحياة، ومائدة جسد الربّ ودمه. سرّ الإفخارستيا يشركنا في ديناميّة الكلمة المتجسّد، يسوع المسيح وفي تقدمته الذاتيّة (Agapé). في هذا السرّ نتناول محبّة الله التي تسري من خلالنا إلى الآخرين، فتصبح محبّتنا الشخصيّة، وهكذا تتحوّل الأنانيّة إلى Agapé (راجع "الله محبّة"، 12-15)…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.