عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في عيد سيّدة لبنان
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في عيد سيّدة لبنان، يوم الأحد 7 أيّار/ مايو 2023، في بازيليك سيّدة لبنان، حريصا.
"ها منذ الآن يطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي العظائم" (لو 1: 48-49)
1. هذا النشيد النبويّ قالته أمّنا مريم العذراء أثناء زيارتها لنسيبتها أليصابات، لتكون في خدمتها وهي حامل بيوحنّا في شهرها السادس.
نحن وكلّ الّذين توافدوا ويتوافدون إلى مزار سيّدة لبنان المقدّس، من هؤلاء الأجيال الّذين "يطوّبون أمّنا مريم العذراء لما أجرى فيها اللّه من عظائم" (راجع لو 1: 48-49).
نتوافد إليها كأبناء وبنات، وفينا ملء الثقة بأنّها تحمينا بيدها الخفيّة. نحن هنا لنشكرها على حنانها وسهرها من على قمّة حريصا، باسطةً يدي أمومتها، وهي تغدق النعم السماويّة على كلّ المارّة ساحلًا ووسطًا وجبلًا وتحتضنهم بيديها المباركتين. وإنّها تفعل ذلك منذ أن رُفعت على هذه القمّة وكان الإحتفال بعيدها، عيد سيّدة لبنان، في ذاك الأحد الأوّل من شهر أيّار 1908. واحتفل به سلفنا المثلّث الرحمة المكرّم البطريرك الياس بطرس الحويّك بمشاركة الأساقفة والرؤساء والرئيسات العامّين وشخصيّات مدنيّة ورسميّة. ومذ ذاك الحين وبطاركة كنيستنا يحتفلون بهذا العيد. وأصبح شهر أيّار/ مايو بكامله شهر الزيارات التقويّة إلى أمّنا سيّدة لبنان.
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، مفتتحين بها الإحتفالات بعيد أمّنا سيّدة لبنان، والمسيرات التقويّة والزيارات الجماهريّة طيلة هذا الشهر المبارك. وكلّ واحد وواحدة منّا ومن سائر الزوار يحمل في طيّات قلبه عاطفة بنويّة لأمّنا السماويّة، فضلًا عن الذين ينظرون إليها من بعيد: هذا ذاهب إلى عمله، وذاك عائد. هذا يناجيها من فراش ألمه وشيخوخته، وذاك يتوسّل إليها من شبابيك مستشفاه. هذا يلتمس نجاحًا في دروسه وعمله، وذاك سلامة وخيرًا في سفره. هؤلاء وسواهم كلّهم ثقة بأمّهم السماويّة على ما يقول القدّيس برناردوس: "إذا تبعت العذراء مريم لا تتيه، وإذا دعوتها لا تيأس، وإذا تأمّلتها لا تضلّ، وإذا أسندتك لا تعثُر، وإذا حملتك لا تخاف، وإذا أرشدتك لا تتعب، وإذا نلت لديها حظوة بلغت ميناء النجاة".
3. أودّ معكم أن أوجّه عاطفة شكر لجمعيّة المرسلين اللبنانيّين الموارنة الممثّلة بقدس الأب العام مارون مبارك، والمشيرين العامّين، ولكلّ الآباء الذين تولّوا إدارة هذا المزار والخدمة الروحيّة، منذ الأحد الأوّل من أيّار سنة 1908، وقد تسلّمت الجمعيّة هذه الخدمة من البطريرك الياس الحويّك والقاصد الرسوليّ آنذاك. وهكذا يواصل الآباء المرسلون مسؤوليّتهم بتفانٍ وابتكار وتوسّع وصولًا إلى الرئيس الحالي الأب فادي تابت والآباء معاونيه الأحبّاء. كافأهم الله جميعًا بفيض من نعمه وعطاياه.
4. ولا بدّ من التذكير بأنّ فكرة إنشاء مزار سيّدة لبنان-حريصا انطلقت سنة 1904 من المكرّم البطريرك الياس الحويّك والقاصد الرسوليّ Carlos Duval بمناسبة اليوبيل الذهبيّ لمرور خمسين سنة على إعلان عقيدة الحبل بلا دنس سنة 1854. فاشترى البطريرك الحويّك قطعة الأرض المعروفة "بالصخرة" في قمّة تلّة حريصا، "راجيًا من العذراء مريم سلطانة الحبل بلا دنس أن تبارك هذا السعي لمجدها ومجد ابنها".
وبدأ العمل. وكان التدشين في الأحد الأوّل من أيّار 1908 وهي السنة الخمسين لظهورات العذراء في لورد سنة 1858 حيث أعلنت السيّدة العذراء اسمها للقدّيسة برناديت: "أنا الحبل بلا دنس". ورسم البطريرك الحويّك أن يكون الأحد الأوّل من أيّار كلّ سنة عيد سيّدة لبنان، سلطانة الحبل بلا دنس.
5. جميع الأجيال على وجه الأرض يطوّبون العذراء مريم، أمّ يسوع، فادي الإنسان ومخلّص العالم، حتى نهاية الأزمنة، لأنّ الله القدير صنع لها العظائم( لو 1: 48-49).
أولى هذه العظائم الحبل بها، كثمرة حبّ والديها يواكيم وحنّة، معصومة من دنس الخطيئة الأصليّة الموروثة من معصية أبوينا الأوّلين آدم وحوّاء. إنّ "عقيدة الحبل بلا دنس" أعلنها الطوباويّ البابا بيوس التاسع في 8 كانون الأوّل 1854، بقوله: "إنّ الطوباويّة مريم العذراء عُصمت منذ اللحظة الأولى للحبل بها من كلّ دنس الخطيئة الأصليّة، وذلك بنعمة وإنعام فريدين من الله القدير، ونظرًا إلى استحقاقات يسوع المسيح مخلّص الجنس البشريّ الذي سيولد منها بقوّة الروح القدس".
6. ومن بين عظائم الله لها: أمومتها ليسوع الكلمة المتجسّد وهي عذراء بقدرة الروح القدس، وبطاعة الإيمان. فظلّت عذراء قبل الميلاد وفيه وبعده. ومشاركتها في آلام ابنها يسوع لفداء العالم. ووقفت على أقدام الصليب بألم لا يوصف، ولكن دائمًا بطاعة الإيمان. فكما بطاعتها الإيمانيّة يوم البشارة أصبحت امّ يسوع التاريخيّ، هكذا بطاعة الإيمان أمام إبنها المصلوب على خشبة والألم يمزّق قلبها، أصبحت أمّ يسوع الكليّ أي الكنيسة المتمثّلة بيوحنّا.
7. وتوّج اللّه عظائمه لمريم بانتقالها إلى مجد السماء بنفسها وجسدها وهي عقيدة أعلنها المكرّم البابا بيوس الثاني عشر في أوّل تشرين الثاني 1950، بحيث لا يمكن لمريم المعصومة من كلّ خطيئة ان تعرف فساد الموت. "فبعد أن أنهت مسيرة حياتها على الأرض رُفعت بالنفس والجسد إلى المجد السماويّ". وتوّجها الثالوث القدّوس: الآب وهي ابنته، والإبن وهي أمّه، والروح القدس وهي عروسته، سلطانة السماوات والأرض، وأمّ جميع الشعوب، وعندنا هي أيضًا سيّدة لبنان، ولن تترك أبناءها وبناتها فريسة الأشرار الظالمين والمستبدّين وأمراء الحروب. ولئن وقعت ضحايا هنا وهناك، وهُجّر شعب وافتقر، فرجاؤنا وطيد بأنّ هذه الأمّ السماويّة تتعهّد الجميع بحنانها، وتعرف كيف تخاطب قلوبهم…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.