عظة غبطة رئيس الأساقفة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا في الأحد الثاني من زمن الفصح (السنة ج)
تجدون في التالي عظة غبطة الكاردينال البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للّاتين، في الأحد الثاني من زمن الفصح (السنة ج)، يوم ٢٧ نيسان/ أبريل ٢٠٢٥
الأحد الثاني من زمن الفصح (السنة ج)
يو ٢٠: ١٩-٣١
تُخبرنا الأناجيل في الآحاد الأولى بعد الفصح عن لقاءات الرب القائم من بين الأموات مع تلاميذه: فالرب يذهب للبحث عنهم، ويسير معهم، ويأكل معهم، ويجعل نفسه معروفًا لهم كربّ حيّ، لم يتخلَّ عن شعبه، بل لا يزال حاضرًا في وسطهم.
وهذا اللقاء يتضمّن عنصرين: الأول هو أنّ القائم من بين الأموات هو من يأخذ المبادرة ليجعل نفسه حاضرًا.
تُخبرنا الأناجيل أنّ يسوع كان غالبًا ما ينسحب أو يذهب إلى مكان آخر، وكان الناس يتبعونه ويبحثون عنه (راجع مر ١: ٣٦-٣٨). بعد الفصح، لم يعد بالإمكان البحث عن الرب: فهو من يبحث عن تلاميذه، وفقط من خلال بحثه عنهم يمكنهم اللقاء به.
القيامة هي بالضبط القدرة التي تمتد إلى ما لا نهاية: فقراءة اليوم (يو ٢٠: ١٩-٣١) تُرينا أنّ الرب لم يعد يعيقه أي شيء ليكون حاضرًا، حتى الأبواب المغلقة لا تستطيع منعه من الدخول "وكانت الأبواب مغلقة في المكان الذي كان فيه التلاميذ" (يو ٢٠: ١٩، ٢٦). إنّه آتٍ، ومن خلال انتصاره على الموت، صار حضوره ممكنًا في كل زمان ومكان، دون أن يعيقه شيء.
أما العنصر الثاني، فيتعلق بنا. لأنّ الرب، حتى بعد قيامته، لا يفرض نفسه علينا: بل تبقى مبادرته دائمًا دعوة، فقد كان قادر على الدخول إلى حيث يوجد التلاميذ، حتى والأبواب مغلقة، ولكنه لا يقتحم أبواب ضمائرنا ولا يفرض نفسه على حياتنا، بل يجب علينا أن نفتح له الأبواب.
يُعلّمنا إنجيل اليوم أنّ لفتح أبواب حياتنا للرب، لا بدّ من القيام بخطوة حاسمة، وهي خطوة الإيمان. خلال الأسبوع المقدّس رأينا أنّ التجربة الكبرى للإنسان هي أن يُبقي الله خارج حياته. هذا ما فعله يهوذا، حين سلّم يسوع إلى رؤساء الشعب، الذين بدورهم سلّموه إلى السلطات الرومانية. وما فعلته الجموع، حين طلبت من بيلاطس أن يصلبه. إنّ كل تاريخ الخلاص يتحدّث عن هذه التجربة منذ بدايته.
في الحقيقية، هذا ما فعله كلّ واحدٍ منّا بشكلٍ أو بآخر، لأنّ حضور الله غالبًا ما يُربك ويُطالب، فهو يطلب منّا الحياة كلّها، ويعرفنا في أعماقنا، ويريد علاقة حقيقية معنا، ولا يقبل الحلول الوسطية أو المساومة. رواية الآلام تُخبرنا أنّ الاستسلام لهذه التجربة هو السير في طريق الموت: طرد الله من حياتنا يؤدي حتمًا إلى أن نعيش منغلقين وخائفين، مثل التلاميذ الذين أغلقوا على أنفسهم في العلّية، تمامًا كما وُضع يسوع وأُغلق عليه في القبر.
الرب القائم من بين الأموات يعرض على الجميع إمكانية لقاء جديدة، وحادثة توما تُقدّم لنا مثالاً على ذلك. لم يثق توما بكلام رفاقه حين أخبروه أنّهم رأوا الرب، ولم يُرِد أن يُصدّق أنّ الرب حيّ إلا إذا رأى بعينيه ولمس بيديه (يو ٢٠: ٢٤-٢٥). لكن يسوع يمدّ يده إلى توما ولا يرفض رغبته في اللمس والرؤية: فيعود من أجله، بعد ثمانية أيام، حين يكون توما مع التلاميذ الآخرين، ويقدّم له جنبه وجراحه ليلمس ويرى (يو ٢٠: ٢٦-٢٧).
وليس ذلك مجرد عزاء، بل هو تطويب حقيقي ينطقه يسوع: "لأنك رأيتني، آمنت. طوبى للذين يؤمنون ولم يروا!" (يو ٢٠: ٢٩). وهذا التطويب هو للجميع: طوبى للعيون التي ترى (راجع لو ١٠: ٢٣)، لكن طوبى أيضًا للعيون التي لم ترَ وآمنت (يو ٢٠: ٢٩).
لم يعد الأمر يقتصر على رؤية الرب بعين الجسد، بل أصبح دعوة لرؤيته بعينيه هو، أن نراه من الداخل، إذ يسكن فينا بحياته وروحه، ذاك الروح الذي يهبه الرب القائم لتلاميذه ما إن التقى بهم "ونفخ فيهم وقال لهم: خذوا الروح القدس" (يو ٢٠: ٢٢).
وهناك أيضًا إشارة إضافية في هذا المقطع الإنجيلي: "توما، أحد الاثني عشر، يُقال له التوأم، لم يكن معهم حين جاء يسوع" (يو ٢٠: ٢٤). لم يكن توما حاضرًا مع التلاميذ، ولذلك لم يؤمن. لكن الرب القائم عاد إليه عندما كان مجتمعًا مع إخوته، فهناك، في جماعة التلاميذ، انفتحت عينا توما وقلبه، وانطلق منه ذاك الاعتراف العميق والرائع بالإيمان: "ربي وإلهي!" (يو ٢٠: ٢٨). الرب يُظهر نفسه ويمكن التعرف عليه عندما يكون التلاميذ مجتمعين. الكنيسة هي المكان الذي نلتقي فيه بالرب بعيون الإيمان.
+ بييرباتيستا
هذه العظة نُشرت على موقع البطريركيّة اللّاتينيّة في القدس.