عظة غبطة رئيس الأساقفة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا في الأحد السابع للفصح، السنة أ
في التالي عظة غبطة رئيس الأساقفة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للّاتين، للأحد السابع من الزمن الفصحي، السنة أ، يوم الأحد 21 أيّار/ مايو 2023.
نقرأ في هذا الأحد من الزمن الفصحي مقطعًا من الفصل السابع عشر لبشارة القدّيس يوحنّا. بعد أن تكلّم مُطوّلًا مع تلاميذه، وبعد أن فتح لهم قلبه، توجّه يسوع إلى الآب مباشرة: إنّها صلاة يسوع الطويلة، الصلاة المُسمّاه "الكهنوتيّة".
يوكل يسوع إلى الآب بأعزّ ما لديه: يوكل، في المقام الأوّل، رسالته بين الناس، الرسالة الّتي هي الآن على وشك اجتياز مأساة الموت والفشل، كي يتمّ كلّ شيء على الوجه المطلوب، فيتمكّن يسوع من إعطاء الحياة للجميع.
ومن ثمّ، يوكل يسوع تلاميذه وأصدقاءه، أولئك الّذين سمعوه وقبلوه.
ولا يُصلّي يسوع فقط من أجلهم، بل يُصلّي أيضًا من أجل جميع الآخرين، الّذين سوف يؤمنون به في المستقبل، وسيقبلون منه هبة الحياة الجديدة.
لقد إئتمنه الآب على جميع أولئك الّذين – "كانوا لك فوهبتهم لي" (يوحنّا ١٧: ٦) – كي يملأهم هو بالحياة، ويقودهم إلى المعرفة الكاملة لوجه الربّ.
والآن، وبينما يوشك يسوع على إتمام هذه الرسالة، يمكنه إعادة الكلّ إلى الآب الّذي يأتي منه كلّ شيء: وإنّه متروك للآب، الآن، الحفاظ على هذا العمل.
تبدأ صلاة يسوع بطلب قد يبدو غريبًا لنا: "يا أبت، مجّد ابنك ليُمجّدك ابنك" (يوحنّا ١٧: ١)، ويتكرّر الطلب مرّات عديدة في هذا المقطع الإنجيلي.
علينا أن نفهم ما يطلبه يسوع، وبأيّ مجد يطلب أن يتمجّد: حيث أنّه ليس مجدا ما كما نفهمه نحن.
نجد في المقطع الإنجيليّ (٢٠: ٢٠–٢٨) من بشارة متّى، والمقطع الإنجيلي (١٠: ٣٥–٤٥) من بشارة مرقس حدثاً من حياة يسوع والتلاميذ قد يُساعد على الفهم والتعمّق.
يطلب يوحنّا ويعقوب من يسوع أن يجلسا، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره في ملكوته: يعكس طلبهما هذا فكرتهما عن مجد بشري ودنيوي، فكرة يترادف المجد بموجبها مع السلطة والشهرة والعظمة. ويستغلّ يسوع المناسبة بالفعل كي يقول أنّ هذا ليس مجداً حقيقيّاً. وسوف يقول لتلاميذه مرّات عديدة، أنّهم سوف يتوهون بين الحين والآخر في سؤال أنفسهم عمّن سيكون الأعظم بينهم (لوقا ٢٢: ٢٤)، بينما المجد الحقيقي هو مجد من يخدم، ومن يأخذ المكان الأخير، ومن يُقدّم حياته دون الاحتفاظ بأيّ شيء لنفسه.
لماذا؟ لأنّ المجد ليس سوى كلّ ما يُظهره الربّ للبشر. وإله يسوع قد اختار أن يُظهر نفسه في كلّ لفتة حبّ متواضعة، لأنّه هو نفسه محبّة وتواضع.
وبالتالي لن يُظهر نفسه في الغنى، وفي السلطة وفي السيطرة، بل في كل فعل ينمّ عن اتّضاع، وفي كلّ مبادرة تتّسم بالمجانيّة.
وبالتالي، لا يمكننا الحصول بمفردنا على المجد، من خلال تكديس الخيرات والانتصارات. نجد يسوع، في بشارة يوحنّا، قاسيا جدًّا مع من يرفض تصديقه، ومع من لا يريد "أن يُقبل إليه كي تكون له الحياة" (يوحنّا ٥: ٤٠): "أنا لا أتلقّى المجد من عند الناس… كيف لكم أن تُؤمنوا وأنتم تتلقّون المجد بعضكم من بعض، وأمّا المجد الّذي يأتي من اللّه وحده فلا تطلبون" (يوحنّا ٥: ٤١ و ٤٤). هم أيضًا، مثل يعقوب ويوحنّا، يبحثون عن المجد، وهم أيضًا يبحثون عن المجد الأرضي، "بعضهم من بعض". وهذا البحث المغلوط يُعيق تصديقه، ويُعيق قبول المجد الحقيقي من الربّ، الّذي يتجلّى في أعمال المسيح، وفي تلك الغرابة الّتي، بموجبها، يكمن المجد في فقدان كلّ شيء.
وهكذا، فإنّ المجد البشري يُفرّق ويُبعد عن الربّ، ويُفرّق بيننا ويُبعدنا عن بعضنا أيضا: في رواية يعقوب ويوحنّا، كانت نتيجة طلبهما الخلاف مع التلاميذ الآخرين، المتعثّرين والمصدومين…
هذه العظة نُشرت على موقع البطريركيّة اللّاتينيّة في القدس، لقراءة المزيد إضغط هنا.