غبطة البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان يترأّس قدّاس ذكرى الإبادة الأرمنيّة في بيروت

ترأّس غبطة البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان، بطريرك كاثوليكوس كرسي كيليكيا للأرمن الكاثوليك، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الكاثوليكيّة، قدّاس ذكرى الإبادة الأرمنيّة في مدرسة سان غريغوار - الأشرفيّة، بيروت، حيث عاونه في الخدمة لفيف من الكهنة والشمامسة، بحضور غبطة البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الكاثوليك، وسيادة المطارنة من طوائف عدّة والسفير البابوي في لبنان، ووزراء ونوّاب حاليّون وسابقون وممثّلي الأحزاب الأرمنيّة واللّبنانيّة وحشد غفير من المؤمنين. وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس ألقى المونسينيور مسروب طوباليان كلمة قال فيها:

بواجب التذكير وبتاريخيّة الحقيقة.

24 نيسان/ أبريل 1915.

إنّ التاريخ الدموي المسجّل في تاريخ البشرية هو المجازر الأرمنيّة، (Armenocide)، والتاريخ الذي لا يمحى في التأريخ الإلهي هو تاريخ الخلود.

إنه يوم الإبادة الجماعية الأولى في القرن العشرين لأمتنا المجيدة، والتي حاولوا طمسها، لكنهم فشلوا، لأنه تم اختيارهم من العلى للعيش والعمل كأمّة متحضرة...

يا أبناء أمّتي، إنه 24 نيسان. على الرغم من أنها بداية "موت الجميع وتدمير كل شيء"، إستشهاد أسلافنا، إلا أننا لم نأت اليوم للحزن والبكاء والنحيب، لأنه، كما يصفُ ويحدّد فيكتور هوغو (1802-1885) الأمر بكل موضوعيّة قائلاً، "ينتصرُ الأبطالُ بالحياةِ والشهداءُ ينتصرونَ بالموتِ".

24 نيسان هو يوم ارتُكبت فيه أكبرُ جريمة بحق الله والإنسانية، والتي لم تَشهدُ السماءُ والأرضُ مِثلها ...

هكذا، فان الإبادة المرعبة التي ارتكبها الانسان أمام الله السرمديّ هي حقيقة تاريخيّة مطلقة، "ونحن نعلم الحقيقة"، كما، وفي الثاني عشر من شهر نيسان 2015، أعلن قداسة البابا فرانسيس قائلاً: لذلك، لا يُمكننا أمام هذه الحقيقة السكوتُ فقط، بل يجب علينا المجاهرة بها في العالم أجمع".

ومما لا شك فيه، يتابع قداسة البابا، " فالأحداث التي حصلت خلال السنين التي تلت سنة 1915 يمكننا ان نُعَنوِنُها بأعظم اضطهاد حصلَ ضد المسيحيين في التاريخ". فالحقيقة لا تؤدي الى الكراهية، إنّما انكار الحقيقة يؤدي الى الكراهية.

انتبهوا، يمكن ل" انكار الحقيقة" ان تتعزّز وتترسّخ بالنسيان، بنسياننا نحن، امام خطر عظيم قد يداهم. كما دقّ أفيدس أهارونيان (1866-1948) ناقوس الخطر قائلاً " إذا تناسى ابناؤنا هذا الشر العظيم، فليُهانوا من قبل العالم اجمع ".

يا أبناء أمّتي، من أجل حب الحقيقة التي لا يمكن إنكارها ومن أجل إنعاش ذاكرتنا، أود أن ألفتَ انتباهكم إلى بعض البيانات التاريخية من داخل "مجتمعنا الصغير".

اليوم، نحيّ ذكرى مليون ونصف المليون وأكثر من الضحايا الأبرياء الذين قضوا خلال الإبادة الجماعية للأرمن، في هذه اللحظة المقدسة، تعود بنا الذاكرة إلى أول "حدث جنازة" الذي أقيم تذكارا للشهداء الأبرياء الذين استشهدوا سنة 1915.

بالحقيقة، في مدينة القسطنطينية وفي الثامن من شهر كانون الأول سنة 1918، في كنيسة "القديس يوحنا الذهبي الفمّ" للأرمن الكاثوليك، تمّ احتفال تاريخي أقيم بمناسبة ذكرى الابادة الجماعية مسلّطًا الضوء على "مخطط إبادة الأرمن" الذي نُفّذَ من قبل "تركيا الفتاة".

إحتفل بالقداس الإلهي صاحب الغبطة بولس بدروس الثالث عشر ترزيان (1910-1931) كاثوليكوس بطريرك لبيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك. أمّا "خطاب التأبين في ذكرى الشهداء فقد القاهُ صاحب السيادة المطران يوحنا نازليان (1875-1957)" اسقف مدينة درابزون (Trabzon)، الذي كان على دراية ومعرفة تامة بالوجوه، بالأحداث والتواريخ.

في ذلك اليوم، بالكاد كان قد مرت ثلاث سنوات ونصف على ذاك التاريخ المميت أي 24 نيسان 1915 ... لم يزل جرح الشهداء القرمزي يؤلم ... أو، كما قال اللاهوتي والخطيب المتعدد المواهب: "مباركٌ الدم الذي لا يزال يتدفق دافئًا من حقولنا إلى السماء، فليكون كقوس قزح يقطرُ مصالحة وتضامن على شعبنا الأرميني."

لم يزل المطران المُلقي الخطاب مقتنعٌ كما بالأمس واليوم ايضًا، بأنّ هابيل البريء " يجدّدُ دمهُ الصراخَ عند كل جريمة قتلٍ، والان، فان الإبادة الجماعيّة ليست دمًا لشخص واحد، بل هي دماءُ ملايينٍ تصرخُ ضدّ مرتكبيها".

يا أبناء آمّتي، خلال "حدث الجنازة" الذي أقيمَ في الثامن من شهر كانون الأول في العام 1918، طالب منظّموه من الأجيال الصاعدة بمواصلة ما بدؤه وإحياء الذكرى الخالدة والعطرة لشهداء نيسان كل عام.

وهكذا، كان للمطلب العادل قوته الحتمية، وبفضل هذه الروحانية، كإرثٍ مقدسٍ ورثه أسلافنا ومن ثم نحن، هم استمروا ونستمر وها قد مضت 108 عام.

ولكن، في "احتفالية الجنازة" انتقلنا من الأداء الحزين إلى الذكرى المجيدة، لأنه كما أكّد ملقي الكلمة، بانه قد "تم شراء وجودنا الوطني بالدم، وبختم الصليب"، وبالتالي "لا يمكن أن يكون الظلم ضمانة لخطة دائمة، فالمتعطش للدماء محكوم عليه بالهلاك "و" قضاء الله سيعلن". يكفي، إذن، لأمة أن تنال نعمة الله، وان كانت مسحوقة ستنمو ".

فابناؤنا الذين تربّوا وتفتّحوا في لبنان، واصلوا التقليد المقدّس للذكرى، والتي اريد ان انوّه هنا عن حدث واحد حصل.

أمّا من جانب بطريركيتنا، فقد نظّمت جمعيّة الشبيبة الأرمنية الكاثوليكية في الثامن والعشرين من نيسان سنة 1937، حفلة احياء ذكرى لأرواح الشهداء بكلمة القاها صاحب السيادة المطران يوحنا نازليان.

وقد شَهِدَ شاهدٌ عيان من المستمعين على ذلك الخطاب قائلاً: " إنّها لقصيدة قيّمة كتبها قلبٌ وقلمٌ وطني، جديرة بالشهداء الأرمن وهدية قيّمة وتذكارًا لهم".

يا أبناء أمّتي، كما كنّا الأولون في الاحتفاليات الدينية، الروحانية والفكرية، كذلك الأمر نحن ايضًا السبّاقون في بناء النصب التذكاريّة تخليدًا لذكرى لشهداء"

لم يكتفي منظمو "الحداد" أو إحياء ذكرى شهداء نيسان 1915 بهذا القدر من الاحتفاليات، بل اعطوا أولوية ايضًا للنصب التذكارية التي أقيمت تكريماً لشهداء الإبادة الجماعية للأرمن، ليس فقط على الأراضي اللبنانية، ولكن أيضًا في العالم كله، إن في الوطن الأم او خارجه.

يعود "النصب" التذكاري الأول ما بين النُصَب التذكارية التي شيّدت ما بين الثامن من كانون الأول من سنة 1918 الى الخامس والعشرين من شهر نيسان 1919، والذي بقي حتى سنة 1922 حيث هدمه ما يُعرفُ " بالقوميّون " او " بالكمالاكيين". (اتباع كمال باشا).

وقد تلا " النصب التذكاري نيسان الحادي عشر" (بحسب التقويم القديم) الأول نصبٌ ثانٍ " نصب شهداء الأرمن" والذي يعتبر اليوم النصب الأول المقام في باحة بطريركية الأرمن الكاثوليك، الجعيتاوي، الاشرفية، بيروت.

بالحقيقة، ففي الذكرى الخامسة والعشرين للابادة الأرمنية واكرامًا للشهداء، أقام المثلث الرحمات البطريرك كريكور بدروس الخامس عشر أغاجانيان (1937-1962) كاثوليكوس بطريرك الأرمن الكاثوليك نصبٌ تذكاري تخليدًا لذكراهم.

وبعد لحظات سوف نتّجه بمسيرة نحو باحة البطريركية حيث سنقيم الصلاة على نيّة الشهداء، وليتردّد في داخلنا صدى كلمات الكاردينال الثاني للامّة الأرمنية " خادم الله "التي اقتبستها من خطابه الذي القاه في الرابع والعشرين من شهر نيسان سنة 1939.

"نجتمع اليوم احترامًا للذكرى العطرة لشهدائنا التي لا تُنسى وهم الذين شهدوا بدمائهم من أجل إيمانهم ووطنهم.

هذا النصب له مفهوم خاص.

العمود يرمز إلى أمتنا، الوطن الأم، الذي أشواكه ورود بالنسبة لنا، واشتياقنا له يذيب أرواحنا.

مكسورٌ هذا العمود، يتراءى لنا محطماً ومدمّراً. هذا هو حالنا، مشتتين في العالم، منفيين وغرباء ... لكنه بقي صامدًا، لأنه متمسّكٌ الحياة، والرغبة في الحفاظ على الذات، ومثله العليا.

الصليب المقدّس رجاء وخلاص لشعب الأمّة، يتسلّط على راس العامود ويغرس جذوره في قلب الأمة الأرمنية. ذاك الصليب يرمز الى الأمل الدائم لأيام أفضل.

الصليب المقدّس يقف كظاهرة مطمئنة ورجاء ... الصليب والصلب سيجلبان معهما تاج القيامة.

هذا هو المكان الذي يمكننا ان نكرر فيه الكلمات الذهبية للشاعر يغيشي: "الموت بدون معرفة، موت. أمّا معرفة الموت، خلود ".

شهداءنا الخالدون يشفعون ويحاربون من أجل الوطن الأم، في هذا العالم، لأن دمائهم تحتج باستمرار، وتطالب بالعدالة للشعب الأرمني ...

ستبقى دمائهم الفادية لا تنضب، وضمانة لأيام أفضل آتية. هذا هو املنا الذي لا جدال فيه ضد كل امل ".

يا أبناء أمتي، من ناحية، لكي نُبقي "أملنا الذي لا يقهر" متّقدًا، ومن ناحية أخرى، لكي نُبقي ذكرى الشهداء نضرة، فلنلتف حول " النصب التذكاري لشهداء الأرمن " كل عام لأحياء الذكرى، والذي بلغ ذروته ما بين عاميّ 1952 و 1962.

في تلك السنوات، كان الخطيب البليغ لشهداء الإبادة الجماعية للأرمن هو صاحب السيادة الاسقف الدكتور ساهاك كوكيان (1895-1963)، من الرهبنة المخيتاريين في فينا، الذي وصفه الناقد الأدبي الكبير أونيك ساركيسيان (1914-1992) من خلال خطاباته ألأحد عشر التي جُمعت في مجلد بأنّ مفعول كلماته كانت "راحة وسكينة لأرواح شهدائنا العطرة، كما وهي شاهد جميل نُقشت عليه لغة القديس مسروب واجد الابجدية الأرمنية ".

أخوتي وأخواتي، اسمحوا لي أن أنهي كلمتي ببعض الكلمات النارية المقتبسة من الأب كوكيان، والتي لها صلة بهذا اليوم ويمكن أن تدفئ قلوبنا وتوجه خطواتنا ألأرمينية - المسيحية نحو البقاء الأبدي لأمتنا ووطننا الأم.

"عندما لا يكفي الإيمان، وعندما تسوء الأخلاق، ويخبو حب الأمة والوطن، وعندما تفرقنا الوحدة، يمكن للعدو أن يتباهى ويتبجّح"…

هذا الخبر نُشر على صفحة بطريركيّة بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك armeniancatholic.org على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان في زيارة رعويّة إلى اليونان لمناسبة مرور مئة عام على وجود الأرمن في البلاد

Next
Next

فيديو - النور من أنطاكية العظمى مع غبطة البطريرك يوحنّا العاشر