عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في الأحد الجديد
تجدون في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في الأحد الجديد 2023، يوم الأحد 16 نيسان/ أبريل 2023، في الصرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.
"ربّي والهي" ( يو 20: 28)
1. تحتفل الكنيسة اليوم "بالاحد الجديد"، وهو الذي يلي احد القيامة. هو "جديد" لانه بداية العهد المسيحاني، عهد المسيح الذي، بموته وقيامته وانتصاره على الخطيئة والموت، حقق في الانسان الخلق الجديد. فالمسيح الربّ اعاد للانسان بهاء صورة الله فيه. في هذا تجلّت محبة الله "الغني بالرحمة" ( افسس 2: 4)، وبلغت ذروتها. لهذا السبب حدّد القديس البابا يوحنا بولس الثاني الاحد الجديد ليكون عيد الرحمة الالهية.
2. فيسعدنا ان نحتفل معكم بهذه الافخارستيا التي تتحقق فيها "الآن وهنا" ذبيحة ربنا يسوع فداء عن خطايانا وخطايا البشر اجمعين، ووليمة جسده ودمه لمغفرة الخطايا، ومنح الحياة الجديدة بروح القيامة لكل مؤمن ومؤمنة.
ويطيب لنا ان نحيي عيد الرحمة الالهية مع الجماعات التي تؤدّي العبادة للرحمة الالهية، وتنشرها، وهي تأتي اليوم من مختلف الرعايا والمناطق اللبنانية. فنوجّه تحية خاصة لهذه الجماعات والمسؤولين فيها ومرشديها ومرشدها العام، وسيادة أخينا المطران بولس عبد الساتر المشرف عليها.
3. وانّا نصلّي الى الله، بشفاعة القديسة الاخت فوستين ان يفتح قلوب جميع الناس لقبول الرحمة الالهية، فيزدادوا محبّة وتحنّنًا وتمتلئ قلوبهم سلامًا نابعًا من محبة الله ورحمته ومن صميم قلب يسوع المسيح، كما يظهر في الصورة التّي رأتها الاخت فوستين في مختلف ظهوراته سنة 1931 و 1933 و1935. لقد ظهر لها المسيح بملء قامته مع شعاعين يخرجان من قلبه المطعون بالحربة، الواحد أبيض والثاني أحمر. هذا المشهد رآه الصالبون والمريمات الحاضرات عند الصلب ويوحنا وأمّ يسوع ( راجع يو 19: 34).
فيرمز الماء الى المعمودية التّي منها نُولد أبناء وبنات الله، ويرمز الدم الى الافخارستيا التي فيها يفتدي الله البشرية جمعاء بذبيحة ذاته على الصليب، وفيها يتناول المؤمنون جسد الرب ودمه للحياة الابدية. كل أسرار الكنيسة التّي منها تأتينا النعم الخلاصية، انما تنبع من قلب يسوع المطعون بالحربة. من هذا القلب الاقدس وُلدت الكنيسة المتمثّلة فيها البشرية الجمعاء.
4.لقد طلب الرب يسوع من الاخت فوستين في ظهوره الاول ان ترسم لوحة هذا المشهد وتكتب في اسفلها: "يا يسوع انا أثق بكً"، وان تكرَّم هذه الصورة في جميع كنائس العالم، وأن يعلّم الكهنة عظمة رحمة يسوع، ويساعدوا على ارتداد الخطأة الى التوبة، لكي ينعموا بعظمة الرحمة الالهية.
وأُعطيت الاخت فوستين مسبحة الرحمة الالهية. فكانت كل الرسالة التي تلقّتها الاعلان ان "الله محب رحوم".
في عيد الرحمة الالهية، نُجدد ايماننا بان الرب يسوع تألّم ومات على الصليب ليفتدي ويُكفّر عن خطايانا وخطايا العالم أجمع. فانّا نهتف اليه: "بحق آلام يسوع الموجعة، ارحمنا يا رب وارحم العالم أجمع".
5. ويسعدنا ان نرحّب "بجمعية فينيسيا للقديس شربل البولندية" والآباء والحجاج المرافقين الآتين من بولندا، وطن القديسة فوستين والقديس البابا يوحنا بولس الثاني، وعلى رأسهم آباء مرشدون كبوشيون، وهم في زيارة حج الى الاماكن المقدسة في لبنان.
6. لقد تابعنا بقلق وشجب وأسف ما تتعرض له المقدسات الاسلامية والمسيحية والمؤمنون في القدس على يد القوات الاسرائيلية، وفيما نستنكر بشدة هذه الاعتداءات على الاماكن المقدسة وعلى ممارسة الحرية الدينية، ندعو الاسرة الدولية الى التدخل الحاسم لإيقافها، والعودة الى قرارات الامم المتحدة والشرعية الدولية التي ترعى وضع المدينة المقدسة والمؤمنين الآمنين.
7. لم يُصدّق توما الرسول خبر قيامة يسوع بسبب الصدمة من آلام يسوع وصلبه. فكانت هذه الصدمة أكبر من ايمانه واكبر منه، إذ قال: ما لم أعاين في يديه مواضع المسامير، وأجعل أصابعي فيها، وما لم أمدّ يدي في جنبه لا اؤمن!" (يو 20: 25).
ولكن، بعد ثمانية ايام، لما ظهر يسوع لرسله، دعا توما وقال له: "هات اصبعك الى هنا، وانظُر يديّ، وهاتِ يدك، وضَعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن، بل مؤمنًا"، فلم يفعل. بل عندما رأى انسانية يسوع بجراحها، آمن بأُلوهيته. لم يلمس توما جراح يسوع، بل كلام يسوع لمس قلب توما، وأحيا إيمانه. يعلمنا هذا الحدث ألّا تكون صدمات الحياة و مشاكلها أكبر منا. ولنتذكر أن المسيح الرب القائم من الموت هو رفيق دربنا الدائم، وبخاصة في وقت الشدائد بمختلف أنواعها. فهو يعرف معاناتنا ويعرف كيف يخاطب قلوبنا…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.