رسالة غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث لمناسبة الفصح المجيد 2025

تجدون في التالي رسالة غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدّسة أورشليم للرّوم الأرثوذكس، لمناسبةِ الفصح المجيد 2025.

كلمة البطريرك تعريب قدس الأب يوسف الهودلي

غبطة البطريرك ثيوفيلوسُ الثالث

برحمةِ اللّهِ بطريركُ المدينةِ المقدسةِ آوروشليمَ وسائرِ أعمالِ فلسطينَ إلى أبناء الكنيسةِ أجمعين، نعمةٌ ورحمةٌ وسلامٌ لكم من القبرِ المقدّسِ المانحِ الحياةِ قبرِ المسيحِ القائمِ منَ بين الأمواتِ.

وَلَئِنْ كُنْتَ قَدْ نَزَلْتَ إِلَى الْقَبْرِ، أَيُّهَا الْعَدِيمُ أَنْ يَكُونَ مَائِتاً،

إِلَّا إِنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الْجَحِيمِ،

وَقُمْتَ كَغَالِبٍ، أَيُّهَا الْمَسِيحُ الإِلَهُ.

وَلِلنِّسْوَةِ حَامِلَاتِ الطِّيبِ قُلْتَ: افْرَحْنَ،

وَلِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلَامَ، يَا مَانِحَ الْوَاقِعِينَ الْقِيَامَ.

(قنداق أحد الفصح)

فِي فَرَحٍ لا يُنطَقُ بِهِ، وَمَمْلُوءٍ مَجْدًا، وَبِشُكْرٍ وَتَسْبِيحٍ لإِلٰهِنا الْكُلِّيِّ الصَّلَاحِ، تَحْتَفِلُ كَنِيسَةُ الْمَسِيحِ الْمُقَدَّسَةُ فِي «هٰذِهِ اللَّيْلَةِ الْخَلَاصِيَّةِ الْمُشَعْشَعَةِ بِالنُّورِ»، بِسِرِّ قِيَامَةِ مُؤَسِّسِهَا مِنْ بَيْنِ الْأَمْوَاتِ، رَبِّنَا وَإِلٰهِنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.تَحْتَفِلُ بِالْحَدَثِ الَّذِي فِيهِ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، ذَاكَ «ٱلَّذِي فِي الْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةَ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللَّهَ» (يو ١:١)، «صَارَ جَسَدًا، وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يو ١: ١٤).حَدَثَ فِيهِ، كَمَا يَقُولُ ٱلْقِدِّيسُ أَثَنَاسِيُوسُ ٱلْكَبِيرُ (PG 77, 571A)، “ٱتِّحَادُ عُنْصُرَيْنِ غَيْرِ مُتَشَابِهَيْنِ بِحَسَبِ ٱلطَّبِيعَةِ: ٱللَّاهُوتِ وَٱلنَّاسُوتِ. وَفِي ٱلْجَسَدِ ٱلَّذِي ٱتَّخذَهُ، بِإِرَادَةِ ٱلْآبِ، وَمِنْ فَيْضِ مَحَبَّتِهِ لِلْبَشَرِ، ٱقْتَبِلَ طَوْعًا ٱلْمَوْتَ عَنَّا، مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ، عَلَى عَهْدِ بِيلاطُسَ ٱلْبُنْطِيِّ.

أَهْرَقَ دَمَهُ ٱلْإِلٰهِيَّ “خَارِجَ ٱلْبَابِ” (عِبْرَانِيِّينَ ١٣: ١٢)، ٱلْقَرِيبِ مِنَّا، وَدُفِنَ فِي هٰذَا ٱلْقَبْرِ، ٱلَّذِي تُقَامُ فِيهِ فِي هٰذِهِ ٱلسَّاعَةِ، ٱلْإِفْخَارِسْتِيَّا ٱلْإِلٰهِيَّةُ مِنْ قِبَلِ صِهْيَوْنَ ٱلْمُقَدَّسَةِ، “ٱلَّتِي نَالَتْ أَوَّلًا غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا بِوَاسِطَةِ ٱلْقِيَامَةِ” صُلِبَ وَدُفِنَ، «وَأُحْصِيَ مَعَ ٱلْأَثَمَةِ»، وَمَضَوْا وَضَبَطُوا ٱلْقَبْرَ بِٱلْحُرَّاسِ، وَخَتَمُوا ٱلْحَجَرَ (مَتَّى ٢٧: ٦٦).

وَمَعَ ذٰلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْتِ سُلْطَانٌ عَلَيْهِ، إِذْ بَقِيَ فِي الْقَبْرِ بِالْجَسَدِ، وَفِي الْجَحِيمِ بِالنَّفْسِ كَإِلٰهٍ، وَفِي الْفِرْدَوْسِ مَعَ اللِّصِّ، وَعَلَى الْعَرْشِ مَعَ الآبِ وَالرُّوحِ، مَالِئًا الْكُلَّ، هُوَ الَّذِي لَا يُوصَفُ. ظَنَّ إِبْلِيسُ أَنَّهُ أَمْسَكَ بَإِنْسَانٍ مَائِتٍ؛ لِيَبْتَلِعَهُ مَعَ سَائِرِ الَّذِينَ ٱسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ مُنْذُ الدُّهُورِ فِي قُيُودِهِ، لٰكِنَّهُ خُدِعَ، «فَقَدْ لَقِيَ إِلٰهًا مُخْتَفِيًا فِي الطَّبِيعَةِ الإِنْسَانِيَّةِ»، عَلَى حَسَبِ قَوْلِ الْقِدِّيسِ يُوحَنَّا الذَّهَبِيِّ الْفَمِ (PG 57, 25).وَلَبِثَ غَيْرَ مَائِتٍ، وَغَيْرَ مُقَيَّدٍ مِنَ الْمَوْتِ، بِسَبَبِ لَاهُوتِهِ، كَقُوَّةِ الآبِ غَيْرِ الْمُنْفَعِلَةِ، وَأَحْيَا جَسَدَهُ الْخَاصَّ كَإِلٰهٍ»، حَسَبَ تَعْلِيمِ الْقِدِّيسِ كِيرِلُّسَ الإِسْكَنْدَرِيِّ (PG 76, 1212 &).

3120).فَقَدْ حَطَّمَ مَفَاتِيحَ الْمَوْتِ، وَأَخْتَامَ الْقَبْرِ، وَقَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ بَيْنِ الْأَمْوَاتِ كَغَالِبٍ عَلَى الْمَوْتِ. تَمَرْمَرَتِ الْجَحِيمُ، تَمَرْمَرَتْ إِذْ هُزِئَ بِهَا، تَمَرْمَرَتْ لِأَنَّهَا قَدْ أُبِيدَتْ. تَنَاوَلَتْ جَسَدًا فَأَلِفَتْهُ إِلٰهًا. قَامَ الْمَسِيحُ مِنْ بَيْنِ الْأَمْوَاتِ، فَكَانَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ. لَقَدْ سَلَبَ مِنَ الْجَحِيمِ مُعْتَقَلِيهِ، وَأَدْخَلَهُمْ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَأَوَّلَهُمْ، اللِّصَّ الشَّكُورَ، ذَاكَ الَّذِي نَطَقَ بِاللَّاهُوتِ، مُعْتَرِفًا: «ٱذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ» (لوقا 23: 42).

“لقد أظهرَ اللّهُ هذا السرَّ الفائقَ الطّبيعةِ لِلبشرِ بِواسطةِ العديدِ مِنَ الآياتِ. “وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ “(مت 28: 2). لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ” وَقَالَ لِلنِّسَوةِ حاملاتِ الطّيبِ:” إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الناصري الْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ. (متى 28: 2 -6).

لَقَدْ خُتِمَتْ اَلرُّؤْيَا اَلْمَلَائِكِيَّةِ بِالْحُضُورِ اَلْإِلَهِيِّ اَلْبَشَرِيِّ لِلْمَسِيحِ اَلْقَائِمِ مِنْ بَيْنِ اَلْأَمْوَاتِ فِي جَسَدِهِ اَلَّذِي لَا يَفْسَد، اَلْمُمَجَّدَ، وَالْمُتَأَلِّهُ، حَامِلاً آثَارَ اَلْمَسَامِيرِ فِي يَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ، وَطَعْنَةُ اَلْحَرْبَةِ فِي جَنْبِهِ. فَلَقَدْ أَجَابَ اَلرَّبُّ اَلْقَائِمُ مِنْ بَيْنِ اَلْأَمْوَاتِ اَلنِّسْوَةَ حَامِلَاتِ اَلطِّيبِ، وَقَالَ لَهُنَّ: «اَلسَّلَامُ لَكُمَا» (مَتَّىْ 28: 9). «وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةِ ذَلِكَ اَلْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ اَلْأُسْبُوعِ، وَكَانَتْ اَلْأَبْوَابُ مُغْلَقَةً، حَيْثُ كَانَ اَلتَّلَامِيذُ مُجْتَمِعِينَ» (يُوحَنَّا 20: 19)، جَاءَ يَسُوعْ وَوَقْفٍ فِي اَلْوَسَطِ، وَمَنْحَهُمْ سَلَامُهُ. وَلَمَّا قَالَ هَذَا، أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبِهِ … وَنَفَخَ فِيهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا اَلرُّوحَ اَلْقُدُسَ.، وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانَ مَغْفِرَةِ اَلْخَطَايَا (يُوحَنَّا 20: 21 – 23). وَحَوْلَ شَكِّ تُومَا إِلَى إِيمَانٍ رَاسِخٍ (يُوحَنَّا 20: 26 – 27). وَكَذَلِكَ، بَارَكَ اَلْخُبْزَ اَلْإِفَخَارْسْتِي فِي اَلطَّرِيقِ إِلَى عَمْوَاسَ مَعَ لُوقَا وَكْلِيوبَا (لُوقَا 24: 30). وَأَيْضًا، إِذْ وَقَفَ فِي وَسْطِهِمْ، أَكَّدَ لَهُمْ أَنَّ لَهُ لَحْمًا وَعِظَامًا، وَتَنَاوَلَ أَمَامَهُمْ وَأَكْلَ قِطْعَةً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ (لُوقَا 24: 42 – 43) وَقَدْ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَمَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا (أَعْمَالُ 1: 3) ثُمَّ اِرْتَفَعَ إِلَى اَلسَّمَواتِ (أَعْمَالُ 1: 9 ) ، وَالتَّلَامِيذُ شَاخِصُونَ إِلَيْهِ، وَأَجْلَسَ طَبِيعَتَنَا اَلْبَشَرِيَّة اَلَّتِي اِتَّخَذَهَا عَنْ يَمِينِ اَللَّهِ، وَأَلْهَهَا. وَهَكَذَا تَمَّ اَلتَّدْبِيرُ اَلْإِلَهِيُّ لِأَجَلِ خَلَاصِنَا.

ومِن عَرشِ مَجدِهِ الّذي هُوَ عِندَ الآبِ، أرسَلَ، كَما وَعَدَ تَلاميذَهُ، مُعَزِّيًا آخَرَ. أرسَلَ مِن عِندِ الآبِ، رُوحَهُ القُدُّوسَ، نُورَهُ وقُوَّتَهُ. وبِواسِطَةِ الاثنَي عَشَرَ “اصطادَ كُلَّ المَسكُونَةِ”. وبِهِم أسَّسَ الكَنيسَةَ، وثَبَّتَها في العالَمِ، لِتُتَمِّمَ عَمَلَهُ، عَمَلَ الخِدمَةِ، والمُصالَحَةِ، والوَحدَةِ، وخَلاصِ البَشَرِ. فالكَنيسَةُ تُبَشِّرُ، وتُعَلِّمُ، وتُعَمِّدُ، وتُقيمُ سِرَّ الإفخارِستِيَّا الإلهِيَّةِ، وتُناوِلُ جَسَدَهُ ودَمَهُ القُدُّوسَ، لِمَغفِرَةِ الخَطايا، والحَياةِ الأبَدِيَّةِ.

هَذَا اَلْعَمَلُ تَفْعَلُهُ أُمُّ اَلْكَنَائِسِ، صَهْيُون اَلْمُقَدَّسَة، فِي اَلْأَمَاكِنِ اَلْمُقَدَّسَةِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَاسِيَّمَا اَلْآنِ فِي هَذِهِ اَلسَّاعَةِ، عِنْدَ قَبْرِ اَلْمَسِيحِ اَلْمُحْيِي، اَلَّذِي قَامَ مِنْهُ. وَمِنْ هَذَا اَلْمَوْضِعِ اَلْمُقَدَّسِ، تُبَارِكُ رَعِيَّتِهَا اَلْمُنْتَشِرَةِ فِي أَقْطَارِ اَلْأَرْضِ كُلِّهَا، وَالْحُجَّاجُ اَلْأَتْقِيَاءُ اَلَّذِينَ سَارَعُوا إِلَى هَهُنَا «مِنْ اَلْغَرْبِ، وَمِنْ اَلْبَحْرِ، وَمِنْ اَلشَّمَالِ، وَمِنْ اَلْمَشْرِقِ»، هَاتِفِينَ مَعًا: «اَلْمَسِيحُ قَامَ مِنْ بَيْنِ اَلْأَمْوَاتِ، فَلْنَسْجُدْ لِقِيَامَتِهِ اَلْمُقَدَّسَةِ ذات اَلثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ».

 

في مدينةِ أوروشليمَ المقدسة، فصح 2025

الداعي لكم بحرارةٍ من أعماقِ القلب

غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث بطريرك المدينة المقدسة أوروشليم

هذه الرسالة نُشرت على موقع بطريركيّة الرّوم الأرثوذكس الأورشليميّة.

Previous
Previous

رسالة غبطة البابا والبطريرك ثيودوروس الثاني لمناسبة الفصح المجيد 2025

Next
Next

صلاة الختن الثالثة برئاسة غبطة البطريرك يوحنّا العاشر في الكاتدرائيّة المريميّة