عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في رأس السنة

في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في رأس السنة، يوم الأحد 1 كانون الثاني/ يناير 2023، في الصرح البطريركيّ بكركي، لبنان.

"دُعي اسمه يسوع" (لو 2: 21)

1. إسم يسوع، الّذي أعلنه الملاك لمريم بالبشارة وليوسف في الحلم، أُطلق عليه رسميًّا بعد ثمانية أيّام عند ختانته بحسب الشريعة. فيكون هذا اليوم الأوّل من السنة عيد اسم يسوع الّذي يعني باللّغة العبريّة والأراميّة "اللّه يخلّص" فاختار القدّيس البابا بولس السادس هذا اليوم ليكون "يوم السلام العالميّ". وكان ذلك سنة 1967. فلنبدأ نحن باسم يسوع السنة الجديدة 2023 التي نتمنّاها للجميع سنة خير وبركة وسلام شامل.

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، بادئين العام الجديد بفضيلة الرجاء الّذي يثبّت إيماننا بأنّ يسوع المسيح هو مخلّص العالم وسيّده، ويقود مسار التاريخ. فليكن كلّ واحد وواحدة منّا معاونًا في مسيرة التاريخ بحيث يتماهى مع تاريخ تدبير اللّه الخلاصيّ. ويطيب لي أن أحيّي جميع الحاضرين والمشاهدين المشاركين، مع تحيّة خاصّة لعائلة قلب يسوع الحاضرة معنا. أحيّيها بجميع فروعها في لبنان والخارج، وأعرب عن تقديري لنشرهم عبادة قلب يسوع، ولأعمال المحبّة التي يقومون بها تجاه الإخوة والأخوات في العوز.

وأحيّي وفد أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020، الذين لم تدمل جراحهم ولن تجفّ دموعهم طالما السياسيّون يعرقلون مسيرة التحقيق منذ سنتين ونصف. إنّ قضيّة تفجير المرفأ هي قضيّة وطنيّة تطال كلّ مواطن ومواطنة وكلّ مؤسّسات الدولة، وعلى رأسها مؤسّسة القضاء. وهي لا تقتصر على حقوق أهالي الضحايا والمصابين والمتضررين، بل تشمل الوطن برمته الذي تضرر ضررًا جسيما في المرة الأولى: عند وقوع الانفجار وسقوط الضحايا والشهداء الذين أصبحوا أكثر من /245/ وإصابة آلاف الجرحى والمعوقين والمتضررين في أرزاقهم.

وفي المرة الثانية بسبب عرقلة التحقيق وتجميده منذ سنتين ونصف، وهذه العرقلة هي جريمة بحد ذاتها. ولا يجوز أن تمرّ من دون محاسبة كما لو كانت حادثة عابرة، لا بل إن الامتناع عن السير بهذه القضية من شأنه تقويض العدالة والقضاء في لبنان.

إن الأهالي الذين فقدوا فلذات أكبادهم ظلماً ومن دون أي سبب ما زالوا على الطرقات يطالبون بمعرفة حقيقة من قتل أبناءهم للمحاسبة والعدالة وهو حق مقدّس من حقوقهم. ومن حقّهم اللجوء إلى الأمم المتّحدة من أجل تعيين لجنة دوليّة لتقصّي الحقائق، ولمساندة التحقيق المحليّ المعرقَل.

ونحن نرفع الصوت معهم عالياً ونطالب السياسيين الذين يعرقلون التحقيق: إرفعوا أيديكم عن القضاء ولا تعطلوا دوره، فإِنْ فَشِلَ في الوصول الى الحقيقة في هذه القضية سقطت العدالة وسقطت معها العدلية برمتها وكرامتها وفعاليتها ودورها، ولا تتواطؤوا في تعديل القوانين وابتداع حلول تلائم مطالبكم وأخصّها تنحية المحقق العدلي قسراً ودفن التحقيق، بهدف التهرّب من المسؤوليّة والمساءلة.

فارفعوا أيديكم عن القضاء، واتركوه يقوم بدوره. فكلما وجد حلاً قانونياً قضائياً، تعمدون فوراً إلى نسفه تعسفاً، بتقديم دعاوى اعتباطية وتعسفية أمام محكمة غير مكتمل عدد أعضائها، بعد أن عطّلتم سياسياً إمكانية اكتمالها برفض توقيع مرسوم التشكيلات القضائية الجزئية .

3. تودّع بالألم الكنيسة الجامعة قداسة البابا السابق بندكتوس السادس عشر، حامي الإيمان والمعلّم واللاهوتي الكبير.تودّعه بيقين الرجاء بأنّه ينتقل إلى مجد السماء، ويكون للكنيسة وللبنان الذي كان آخر زياراته الرسوليّة وأحبّه، خير شفيع أمام العرش الإلهيّ. فإنّا نرافق عبوره بهذه الذبيحة المقدّسة سائلين الله أن يعوّض على الكنيسة بأحبار قدّيسين.

4. تحتفل الكنيسة والعالم "بيوم السلام العالميّ". وتصلّي من أجل إحلال السلام بين الشعوب وفي العالم كلّه. إنّه إحتفال بالمسيح الذي هو سلامنا، وهو عطيّة السلام لجميع الناس.فقد أتى ليجمع ما كان منقسمًا، وينتزع الخطيئة والبغض، داعيًا البشريّة إلى الوحدة والأخوّة.

تريد الكنيسة في هذا العام الجديد أن تثبّت دعوتها ورسالتها بأن تكون في المسيح علامة السلام وأداته في العالم ومن أجل العالم. وهي تفعل ذلك بنشر إنجيل السلام. عندما نقول الكنيسة ، إنما نعني رعاتها ومؤمنيها، جماعاتها ومؤسّساتها، بل كلّ الناس ذوي الإرادة الحسنة.

ولأنّ السلام عطيّة من الله لأرضنا، فقد بات الالتزام به عملًا جوهريًّا. فهو كالمبنى في طور بناء دائم، والكلّ مدعوّ لإستكماله: الأهل في العائلة ليعيشوا السلام ويشهدوا له ويربّوا أولادهم عليه؛ المعلّمون في المدارس والجامعات لينقلوا قيم المعرفة وتراث البشريّة التاريخيّ والثقافيّ؛ الرجال والنساء في عالم العمل ليناضلوا في سبيل كرامة العمل البشريّ على أساس العدالة والتضامن؛ حكّام الدول ليؤمّنوا السلام بتوفير الخير العام؛ العاملون في المنظّمات الدوليّة ليواصلوا عملهم كفاعلي؛ المؤمنون ليعزّزوا بالحوار المسكوني ّوبين الأديان قضيّة السلام، والأخوّة، هم الذين يعتبرون أنّ الإيمان الأصيل هو ضدّ الحرب والعنف…

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يحتفل بقدّاس عيد ختانة الربّ يسوع

Next
Next

قداسة البابا الفخري بندكتس السادس عشر ينتقل إلى ديار النور: العامل المتواضع في كرم الرب