عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في الأحد الرابع عشر من زمن العنصرة

في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في الأحد الرابع عشر من زمن العنصرة، يوم الأحد 4 أيلول/ سبتمبر 2022، في الديمان، لبنان.

1. "المطلوب الأوحد" الّذي قاله يسوع لمرتا، إنّما هو سماع كلمة الله، بل هو سماع يسوع المسيح نفسه، واللّجوء إليه، والجلوس بقربه قبل البدء بأيّ نشاط أو عمل. هذا ما فعلته مريم. فامتدحها يسوع من دون أن يلوم خدمة مرتا، بل نبّهها بأنّ عملنا يأتي صالحًا ومثمرًا فينا وفي غيرنا عندما يستنير بلقاء المسيح من خلال سماع كلامه، وينال قوّة وديناميّة منه، وحبًّا في الخدمة والعطاء.

فلنسعَ كلّ يوم إلى هذا "المطلوب الأوحد" جاعلين من كلام الله نورًا لتفكيرنا، وهداية لمساعينا، وجمالًا لأعمالنا.

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، وأن أرحّب بكم جميعًا ونحن نجلس في مدرسة ربّنا يسوع المسيح، نصغي إليه من خلال كلامه المقدّس، ونغتني بثقافة الحبّ والبذل والعطاء، من ذبيحة ذاته قربان فداء عن خطايانا، ومن وليمة جسده ودمه للحياة الجديدة.

3. في خضمّ الهموم والصعوبات والمحن الّتي يعيشها شعب لبنان، من جرّاء عدم الإستقرار السياسيّ، والأزمة الإقتصاديّة والماليّة والإجتماعيّة الخانقة، وتفكّك مؤسّسات الدولة، وتعطيل مرجعيّات القرار الدستوريّة، يدعونا الربّ يسوع في إنجيل اليوم للبحث عن "المطلوب الأوحد" والسماع لكلام اللّه.

نقرأ في الإرشاد الرسوليّ "رجاء جديد للبنان": "إنّ كلام الله يحمل قوّة وسلطانًا عظيمين، بحيث يصبح للكنيسة ركنًا عظيمًا وعزّة، ولأبناء الكنيسة منعة الإيمان، ولنفوس المؤمنين غذاءً، ولحياتهم الروحيّة معينًا لا ينضب" (الفقرة 39).

فيسوع المسيح، كلمة الله المتجسّد، يخاطب كلّ إنسان، ويعطي جوابًا لكلّ مطلب. "نطلبه" في الفرح وفي الحزن، في الصحة والمرض، في الغنى والفقر، في حالات الظلم والاستبداد والاعتداء. وحده يعرف كيف يتضامن مع كلّ إنسان، ويمشي معه طريقه.

4. يدخل الله في حوار مع كلّ إنسان. فعندما نسمع أو نقرأ الكتب المقدّس، الله يتكلّم. وعندما نصلّي نتكلّم نحن معه. فالذي لا يصلّي، أو لا يعرف كيف يصلّي، دليل أنّه لا يسمع كلام الله ولا يقرأه. والذي يسمع كلام الله ولا يعمل به، أو يتصرّف بعكسه لأشرّ من الأوّل. يقول القدّيس اثناسيوس الإسكندريّ: "لبس كلمة الله الجسد، لكي نلبس نحن الروح".

5. لو يسمع المسؤولون السياسيّون، أكانوا في الحكم أو خارجه، كلام الله الذي يدعوهم إلى الواجب الوطني، لوبّخ ضمائرهم على حالة البؤس التي رموا فيها الشعب اللبنانيّ، وعلى مسؤوليّتهم في تفكّك مؤسّسات الدولة التي استهدفوها، وعلى تهجير أفضل قوانا الحيّة إلى بلدان العالم! لو سمعوا كلام الله، لتاب كلّ واحدٍ منهم وقال أمام ضميره وربّه: "خطيئتي عظيمة!".

6. إنّنا نُدين بشدّة محاولة جعلِ الآليّات الديمقراطيّة ضد المؤسّسات الديمقراطيّة، وتحويل الأنظمة التي صنعت لتأمين انبثاق السلطة وتداولها بشكل طبيعيّ وسلميّ ودستوريّ، إلى أدوات تعطيل، يتبيّن من خلالها وجود مشروع سياسيّ مناهض للبلاد! باتت المسألة اليوم، وبكل اسف،: من يتولّى مسؤوليّة الفراغ أو الشغور الرئاسيّ؟ أرئيس الجمهوريّة الذي شارف عهده على النهاية، أم الحكومة المستقيلة. نحن نعتبر أن تعمّد الشغور الرئاسي مؤآمرة على ما يمثّل منصب الرئاسة في الجمهوريّة، بل هو خيانة بحقّ لبنان، هذه الواحة الوطنيّة للحوار وتلاقي الأديان والحضارات في هذا الشرق العربيّ.

7. إنّ طرح الشغور الرئاسيّ، أمر مرفوض من أساسه. فانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستوريّة هو "المطلوب الأوحد". الكلام عن شغور رئاسيّ محصورٌ دستوريًّا باستقالة الرئيس أو وفاته أو سبب قاهر، بحسب منطوق المادتين 73 و 74 من الدستور. فالمادة 73 تتجنّب الشغور بانتخاب الخلف قبل إنتهاء الولاية بمدّة شهر على الأقلّ أو شهرين على الأكثر. والمادة 74 تتفادى الشغور المسبب بالوفاة أو الأستقالة أو سبب آخر غير متوقّع بالدعوة إلى انتخاب الخلف فورًا. في الحالة الحاضرة يجب تطبيق المادة 73. ولذا بات من واجب القوى السياسيّة الإتفاق على شخصيّتين أو شخصيّة تحمل المواصفات التي أصبحت معروفة ومكرّرة، وليبادر المجلس النيابي إلى انتخاب الرئيس الجديد ضمن المهلة الدستوريّة التي بدأت.

إنّ التلاعب برئاسةِ الجُمهوريّةِ هو تلاعبٌ بالجٌمهوريّة نفسها، وحذارِ فتحَ هذا الباب. إن البطريركيّةَ المارونيّةَ، المعنيةَ مباشرةً بهذا الاستحقاق وبكلٍّ استحقاقٍ يَتوقّفُ عليه مصيرُ لبنان، تدعو الجميعَ إلى الكَفِّ عن المغامراتِ والمساوماتِ وعن اعتبارِ رئاسةِ الجمهورية ريشةً في مَهبِّ الريح تَتقاذفُها الأهواءُ السياسيّةُ والطائفيّةُ والمذهبيّةُ كما تشاء، إنَّ رئاسةَ الجُمهوريّةَ هي عمودُ البناءِ الأساسُ الثابتُ الذي عليه تقوم دولةُ لبنان. وإذا تّم العبثُ في هذا العمود، فكل البناء يَسقط…

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

سيادة مطارنة الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة بمصر تشارك في قدّاس تطويب قداسة البابا يوحنّا بولس الأوّل

Next
Next

غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث يقوم بزيارة تفقديّة لأعمال ترميم أرضيّة كنيسة القيامة