عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في الأحد التاسع من زمن العنصرة
في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في الأحد التاسع من زمن العنصرة، يوم الأحد 31 تمّوز/ يوليو 2022، في الديمان، لبنان.
"روح الربّ عليّ مسحني، وأرسلني" ( لو 4: 18)
1. حدّدت نبوءة أشعيا التي سمعناها هويّة يسوع، وهي مسحة الروح القدس، التي ملأت بشريّته، وجعلته مسيحًا؛ وحدّدت رسالته بأبعادها الثلاثة: النبويّة والكهنوتيّة والملوكيّة، خلافًا لما كان عليه الأنبياء والكهنة والملوك في العهد القديم. فالأنبياء قديمًا مكلّفون ليعلنوا كلام اللّه للشعب؛ والكهنة مقامون لتقديم ذبائح ومحرقات من الحيوانات وجنى الأرض؛ والملوك مختارون لقيادة الشعب.
أمّا المسيح فهو بامتياز: نبيّ لأنّه يعلن كلمة اللّه، وهو الكلمة؛ وكاهن لأنّه يقدّم ذبيحة ذاته فداء عن خطايا البشر أجمعين؛ وملك لأنّه هو الـمُـلك المعروف بملكوت المسيح الذي لا ينقضي ولا نهاية له، وهو الكنيسة.
لقد أشركنا المسيح الربّ بمسحته ورسالته بواسطة المعموديّة والميرون. ما يمكّن كلّ مسيحي أن يقول:"روح الربّ عليّ، مسحني وأرسلني" (لو 4: 18)
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذ الليتورجيا الإلهيّة، ويشارك معنا فيها إقليم كاريتاس-الجبّة الذي ينظّم في هذا الأحد "لقاء العودة إلى الجذور" في رحاب قنّوبين. فنحيّي رئيسه الدكتور إيليا إيليا وأعضاء المكتب، كما نحيّي رئيس رابطة كاريتاس-لبنان الأب ميشال عبّود، ورؤساء الأقاليم وأعضاء المكاتب وشبيبة كاريتاس. إّنا في هذه المناسبة نعرب عن عميق شكرنا وتقديرنا لرابطة كاريتاس لبنان، جهاز الكنيسة الراعوي-الإجتماعيّ على ما تقوم به من نشاطات وأعمال إنسانيّة واجتماعيّة وإنمائيّة وصحيّة. ونحيّي شاكرين كلّ القيّمين عليها والموظّفين والمتطوّعين والمحسنين على إخوتنا الفقراء والمعوزين من خلالها.
3. وإنّا نوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة كلوديت كميل المختفي، زوجة المرحوم سمعان سركيس محفوض، التي ودّعناها منذ أسبوع في بلدة أرده العزيزة، مع أبنائها وبناتها وأحفادها وأنسبائها. نذكرها في هذه الذبيحة الإلهيّة ونلتمس لها من رحمة اللّه الراحة الدائمة في الملكوت السماويّ، ولعائلتها وذويها العزاء.
ونحيّي الوفد الآتي من عجلتون العزيزة، وقد أعدنا معهم في 12 تموّز/ يوليو تكريس كنيسة السيّدة-آل الخازن الأثريّة بعد إعادة ترميمها وصلّينا لراحة نفوس موتاهم.
4. يحتفل غدًا الجيش اللبناني بعيد تأسيسه السابع والسبعين فإنّا نصلّي من أجله: لكي يحميه اللّه من المخاطر، وينمّيه، ويشدّد رابطة وحدته، ويحفظ بسلام أعضاءه. وإنّا نعرب عن تهانينا وتمنياتنا للعماد قائده ورتبائه وضبّاطه وجنوده.
5. إنّنا إذ نأسف للحادث الذي حصل منذ يومين في بلدة رميش العزيزة بين عناصر مسلّحة تابعة لأحد الأحزاب وأبناء البلدة، نهيب بالأجهزة الأمنيّة القيام بواجبها في حماية أبنائنا وطمأنتهم، فيشعرون أنّهم ينتمون إلى دولة تحميهم وتضمن سلامتهم وحريّة عملهم في أرضهم، بموجب قرار مجلس الأمن 1701 الذي يمنع أيّ قوى مسلّحة من التواجد في منطقتهم.
6. نعود اليوم، وفي ضوء الانجيل، لنتذكّر أنّ لنا نحن المسيحيّين هويّة ورسالة، تتشركاننا في هويّة المسيح ورسالته المثلّثة النبويّة والكهنوتيّة والملوكيّة، كما حدّدتها نبوءة أشعيا قبل الميلاد بخمس ماية سنة.
الهويّة هي مسحة الروح القدس التي نلناها بالمعموديّة والميرون: "روح الربّ عليّ" (لو 4: 18). أمّا الرسالة فمثلّثة:
الرسالة النبويّة: "ارسلني لأبشّر المساكين"(لو 4: 18). وهي العناية بكلّ محتاج ماديًّا وروحيًّا ومعنويًّا وتربويًّا وإنسانيًّا.
الرسالة الكهنوتيّة: وهي السعي إلى خلاص النفوس وتقديسها بنعمة الفداء، من خلال إظهار رحمة الله في "تعزية منكسري القلوب"، وفي "تحرير المستعبدين" للأقوياء أو لنزوات الذات والمصالح والشرّ، وفي هداية العميان إلى رؤية جديدة بنور شخص المسيح وكلامه وأفعاله، وفي المصالحة والغفران للتائبين.
الرسالة الملوكيّة "بإعلان سنة مرضيّة لله" (لو 4: 19). وهي إعلان الزمن المسيحانيّ الجديد، الذي فيه دخلت ثقافة الإنجيل العالم، لتنثقف في ثقافات الشعوب. إنّه زمن المسيح الذي أتى "ليجعل كلّ شيء جديدًا" (رؤيا 21: 5). هذا هو معنى وجودنا كمسيحيّين في مجتمعات الأرض. وهذه هي رسالة الكنيسة التي تعلّم وتحكم على الأفعال البشريّة، بما فيها الأفعال السياسيّة، على القاعدة الأخلاقيّة: قاعدة الخير والشرّ، الصالح والعاطل، الحقّ والباطل، من أجل حوكمة أفضل، من دون الدخول في تقنيّاتها…
هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.