قراءات الكتاب المقدس في الليتورجيا

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق والعالم

يَعدُّ المسيحيون الكتاب المقدس دستورهم. فهو يذكّرهم بكلام اللّه الموحى والملهم في العهدين القديم والجديد، ويغرس حبه في نفوسهم، ويغذي أمانتهم، ويرسّخ تواصلهم مع آبائهم الاوائل.

قراءة نصوص الكتاب المقدس – كلمة اللّه، جزء أساسي من الاحتفال الليتورجي. نجد استعماله منذ نشأة الكنيسة. جاء في دفاع القديس يوستينس (+165) ” في اليوم المدعو يوم الشمس (الأحد)، يجتمع في مكان واحد، سكانُ المدينة والريف، وتُقرأ “مذكرات الرسل” وكتب الأنبياء، بقدر ما يسمح به الوقت. وعندما ينتهي القارئ، يوجه المترئس موعظة ينبه فيها الحضور ويحثّهم على عيش تلك التعاليم الجميلة (الدفاع الأول 67 /3-4).

في الاحتفال بالقداس أيام الآحاد والأعياد والتذكارات قرر السينودس سنة 2019 اعتماد ثلاث قراءات من الكتاب المقدس، بينما كانت تُقرأ من قبل أربع قراءات: اثنتان من العهد القديم (في فترة القيامة ثمة قراءة من اعمال الرسل)، وقراءتان من العهد الجديد، الواحدة من رسائل بولس الرسول والثانية من الاناجيل.

نرتل في القداس “لُيُقبل هذا القربان بوجه مشرق، ويتقدس بكلمة اللّه وبالروح القدس للعون والخلاص.. بنعمة المسيح” (القداس الاول ص 17)، لأن “الكلمة والروح” يُحدِثان في الجماعة – الكنيسة تأثيراً إيجابياً.

الكلمة والذبيحة مندمجتان في القداس. ايماننا يتجلى من خلال كلمة اللّه المتجسد(ة) والمكتوبة. تقول الرسالة الى العبرانيين: “إِنَّ اللّهَ، بَعدَما كَلَّمَ الآباءَ قَديماً بِالأَنبِياءَ مَرَّاتٍ كَثيرةً بِوُجوهٍ كَثيرة، كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنه..” (1/ 1-2).

تأتي القراءات في القسم التمهيدي: ويدعو القاريء المؤمنين الى الجلوس والاصغاء الى كلمة اللّه بينما ينادي استعداداً لقراءة الانجيل: “لنقف حسنا، ولنستمع الى الانجيل المقدس”.

يحمل المحتفل الانجيل بخشوع وزيّاح الى المقرأة مع شموع وتبخير، والمشاركون واقفون واجسادهم منتصبة إحتراماً لحضور الرب في كلمته. هذا الاحتفال بالكلمة يحتاج الى منهجية سليمة وتدريب على اسلوب الأداء بصوت مسموع وواضح: كلمةً بكلمة!

يرفع الكاهن الانجيل بوقار ويبارك به الحضور ثم يرتِّله باعتناء، فالترتيل يساعد على الانتباه. في الختام يقول المحتفل: المجد لله دائماً ويجيب المشاركون: المجد للمسيح ربّنا. هذا هو جواب المؤمنين الايجابي.

الكلمة هي اعلان ܟܪܘܙܘܬܐ kerygma يحصل بامتياز في الاحتفال الليتورجي. على المسيحيين حمل” الكلمة” كافراد وكجماعة (كنيسة) ونقلها. من هنا واجب تنشئة المؤمنين بمسؤولية نقل كلمة اللّه من خلال عيشها في تفاصيل حياتهم اليومية، وايجاد اسلوب مناسب للتبشير بها.

هذه النصوص تعليم الهي بمضمونها وجمالها، وهي بمثابة إعلان، وهذا يستدعي ان يخلق قاريء النص تفاعلاً بين النص والمشارك بحيث يشعر بان كلام اللّه موجَّه اليه شخصياً، وكأنه شريك في الاعلان، وليس قراءة جامدة ومتسرعة. وتأتي الموعظة لتعليم المؤمنين وربط كلمة اللّه بحياتهم.

كلمة اللّه تعمل وتخلق لأن اللّه لما يتكلم يخلق (تكوين 1/ 1-31). هذا هو معنى التدبير في لاهوتنا المشرقي!

هذه القراءات مختارة بدقة ومتناسقة مع بعضها، وتناسب الزمن الطقسي، وليست قراءات متواصلة ثابتة. لقد اقترحتُ على آباء السينودس توزيع القراءات على سنتين: فردية وزوجية ܩܕܡܝ̈ܐ ܘܕܚܪ̈ܝܐ أو ثلاث سنوات على غرار اللاتين، لتغطية قراءة أوسع لكلمة اللّه...

هذا المقال نُشر على موقع البطريركية الكلدانية في بغداد، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

البطريرك ساكو يختتم الشهر المريمي بالقداس الإلهي في مزار سلطانة الوردية

Next
Next

قداسة البابا تواضروس الثّاني سام عشرة أساقفة جدد، وهذا ما دعاهم إليه