غبطة البطريرك رافائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان في ذكرى الإبادة الأرمنيّة: إنّ عدالة التّاريخ لا ترحم ولا تنسى
تيلي لوميار/ نورسات
"القتل والإرهاب، ملك الشّيطان، أمّا الإنسان المفدى بدم المسيح القائم من بين الأموات، هو صاحب الحياة والكرامة، فهو ابن النّور، ابن السّلام، سلام المسيح". هو إنذار للعالم وأصحاب القوى العظمى وجّهها غبطة بطريرك كاثوليكوس كيليكيا للأرمن الكاثوليك رافائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان، خلال قدّاس ذكرى الإبادة الأرمنيّة ترأّسه في مدرسة القدّيس غريغوار- الأشرفيّة في لبنان، عاونه فيه سيادة المطران جورج خزوم والمعاون البطريركيّ سيادة المطران جورج أسادوريان ومطران بيروت ولفيف من الكهنة والشّمامسة، بحضور بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكي مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، والسّفير البابويّ في لبنان سيادة المطران جوزيف سبيتيري، وفعاليّات كنسيّة وسياسيّة وحزبيّة أرمنيّة ولبنانيّة، وحشد غفير من المؤمنين.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس ألقى البطريرك رافائيل عظة جاء فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "بينما كان الرّبيع يتبهوَر ويتباها بأزهاره الفائحة، والأرض تفتخر بربوعها الخضراء، كان هناك من يسقي التّراب بدماء أولادنا وأهلنا الأبرياء، كان هناك من خطّط ونفّذ الجريمة العظماء لإنهاء الأمّة الأرمنيّة، بقطع الأعناق وقتل الأبرياء، كهولًا وشبابًا، نساءً وأطفالَ. كان هناك طاغ يسلب الأملاك والأرواح، كان هناك مجرمٌ يلبط بشعب مجتهد وفعّال، بشعب يعمل بجهد وكدّ، ليعيش وينعم بالسّلام.
إخوتي الأحبّاء بأيّ لغةٍ تريدون أن تسمعوا قصّتي وأنا إبن يتيم ويتيمةٍ شتّتهم القدر في صحراء سوريا. أنا إبن مشرّدٍ ومشرّدة حرمته المذبحة الأرمنيّة من حنين أم وأب وهما في الرّابعة من عمرهما، مشرّدان في ربيع عمرهما ضحيّة قدرٍ مُبهم ومستقبل بلا حياة. كيف وبأيّ روحٍ تريدونني أن أتكلّم وأنا بحسرة جدّ وجدّة لم أرَ ولم أعش من حنينهم لحظة. حدث هذا في مثل هذا اليوم، وكان يوم الفصح المجيد، في يوم قيامة يسوع، عندما أراد المجرم الهمجيّ بإنهاء مخطّطه بإبادة الأمّة الأرمنيّة.
فكّر بقتلهم وتشريدهم ينتهي كلّ شيء فأبادهم زمنيًّا. لكنّه خسرهم بالحياة الأبديّة. إنّ المجرم فكّر أنه بقطع الرّقاب قد ربح الرّهان، لكنّه خسره، وأكبر برهان على ذلك هو وجودنا اليوم مترسّخين في إيماننا المسيحيّ وناشطين في العطاء والمحبّة والمسامحة لمن جلدنا واغتصبنا وأطعم لحوم الآباء غذاءً لأولادهم.
يا للِهول وللعار.
هذه الجريمة، تذكّرني بقصّة قائين وهابيل. عندما خاطبه الرّبّ قائلاً "قائين قائين إنّ دم أخيك يصرخ في البرّية" طالبًا الحقّ، اليوم أيضًا دم شهدائنا يصرخ من صحراء سوريا ويطالب بحقّه في الحياة وحقّه في أراضيه المغتصبة. فالرّجوع إلى الضّمير العادل الّذي أعطي من خالقك الله تعالى هو الجواب لما نعيشه اليوم من كفر وفساد وظلم وافتراء.
إنّ هذه الجريمة العظمى الّتي لا تُغتفر، هذه الجريمة النّكراء الّتي ارتُكبت ضدّ الإنسانيّة فقد شبكت معها ليس الأرمن فقط بل السّريان والآشوريّين والرّوم وسبقهما المجاعة في لبنان في هذه الأرض المقدّسة، لقد تسجّلت هذه الجرائم على صفحات التّاريخ مع مواصفاتها المروّعة. إنّ هذه الصّفحة التّاريخيّة لا تزال تشهد وستشهد على الجريمة رغم مرور الدّهور. إنّ عدالة التّاريخ لا ترحم ولا تنسى.
إخوتي وأخواتي الأحبّاء، يا أصحاب الغبطة والسّيادة الموقّرة، إنّنا نجتمع اليوم في هذه السّاحة الّتي شهدت منذ زمن بعيد وحتّى اليوم ذكرى شهداء المجزرة. على هذه السّاحة ترأّسوا الصّلوات أصحاب الغبطة والمطارين إكليروس وشعب، طالبين من أصحاب السّلطات السّياسيّة والاجتماعيّة ومن المسؤولين في حقوق الإنسان أن ينصتوا إلى تضرّعاتنا ويأتوا باسترجاع حقوقنا، ولكنّهم استهزئوا بنا، وثابروا بجرائمهم المتكرّرة حتّى يومنا هذا. لقد صوّروا في ذلك الحين مشاهد الجريمة المروّعة وكتبوا عنها للسّلطات العظمى ولكنّهم تواروا عنها وأداروا ظهورهم وأغمضوا عيونهم. لقد اغتصبوا، ذبحوا وطعنوا الحبالى وجنينهم في أحشائهم، لم يرحموا أحدًا كان كهلًا عجوزًا أشيب أم شابًّا في مقتبل عمره…
هذا الخبر نُشر على موقع تيلي لوميار/ نورسات، لقراءة المزيد إضغط هنا.