الرسالة الفصحيّة 2022 من غبطة البابا ثيودروس الثاني
في التالي رسالة عيد الفصح 2022 من غبطة البابا ثيودروس الثاني، بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر افريقيا للرّوم الأرثوذكس.
غبطة البابا ثيودروس الثاني
رحمة من اللّه بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر افريقيا للرّوم الأرثوذكس.
إلي رعايا العرش الرسولي البطريركي
برحمة من اللّه وسلام من ربنا
يسوع المسيح القائم من بين الأموات
"فصحًا نصافح فيهِ بعضنا بعضًا بفرحٍ. فيالهُ من فصح منقذ من الحزن"
إخواني الأعزاء رؤساء الكهنة
أبنائي وإخواني الأعزاء بالرب،،،
تغمر قلوبنا مشاعر ممزوجة بالفرح والفخر كنعمه من الرب ان نعيد الاحتفال بقيامته المجيدة مرة أخرى في هذا العام ، حيث يدق بوق الكنيسة الأزلى ليسمع في كل أرجاء المسكونة إعلانًا واعترافًا بأن حقيقة إيماننا ورجائنا هي قيامة المسيح. فنحن مدعوين جميعًا كتلاميذ مخلصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن نبنى حياتنا على بعد الحياة الأزلية لأجل ذلك قام المسيح من بين الأموات حتى يمنحنا الحياة الحقيقية البعيدة تماماً عن أى نوع من الألم والحزن و التنهد.
تبشر كنيستنا دائما بتفكيك الجحيم وإلغاء الموت ونشر السلام بين اللّه والانسان والذى جلبها كلمه اللّه بتجسيده وتضحيته على الصليب وجلوسه عن ميامن الآب، ولكن بالرغم من ذلك نلاحظ بمزيد من الأسى والاسف ان العالم دائمًا ما يبقى بعيد عن هذه الحقيقة الفريدة. فعلى الرغم من حدوث التصالح بين اللّه والجنس البشرى فان البشر يبقون متنازعون فيما بينهم بالعداوات والنزاعات اللاتي تُزرع فيما بينهم ، فهم دائماً مساقون الى الحروب والصراعات الدموية التي تملئ الأرض بالدماء والفساد. فمع الأسف تتجسد هذه الصورة بوضوح في أيامنا المعاصرة هذه حيث نرى ونتابع بمزيد من الأسى والحزن أخوة أرثوذكسيين يتذابحون في أوكرانيا .
يعتصر قلبي حزناً ودائماً ذهني مشغول بالتفكير في أولئك الأطفال الذين يعانون من ويلات هذه الحروب ، فهم مسلوبون الإرادة ومحكوم عليهم أن يعيشوا مآسي ونتائج هذه الحروب المدمرة. فمنهم من يفقد ابائهم على جبهات القتال وآخرون يعيشون مطاردين ويركدون خوفاً بحثاً عن الأمان والاختباء في أماكن لا تصلح للعيش. إنهم أكثر فئة خاسرة في هذه المعارك والحروب فهم يخسرون براءتهم وأجمل ذكريات طفولتهم بطريقة عنيفة وغير إنسانية ، وحتى مطلع شبابهم سوف تبقى في ذاكراتهم آثار الألم والدموع على ما رأوا وعاشوا.
وبهذه الأفكار أيضا أنتقل عبر ذهني من أوكرانيا إلى قارة أفريقيا حيث الأطفال الذين يعانون من نوع اخر من الحروب ، حرب الفقر والجوع والجهل. فهؤلاء الأطفال تكافح بشكل يومي من أجل نعمة الحياة فهي أمور طبيعية في أماكن أخرى ولكنها بالنسبة لهم تعتبر ذات أهمية قصوى. يعتبر الجوع والمرض والفقر أعداء هؤلاء الأطفال فهم دائماً محرومون من طفولة يستحقونها ولكنهم مع كل ذلك الألم لم يخسروا ابتسامتهم البريئة التي تنقل البهجة والمحبة في قلب كل من يراهم .
كم هو متشابه هذا العالم في كل من أوروبا المتحضرة وفي القارة الأفريقية السوداء!! فالهدف الأعظم واحد وهو كيف تستطيع أن تبقى على قيد الحياة. ففي الغرب يعد وقف إطلاق النار و إنهاء الاشتباكات الحربية والعودة بشكل تدريجي إلى الحياة الطبيعية مطلب أساسي ، وفي أفريقيا فإن مأساة الحياة الطبيعية تتلخص في وقف الحرب المنتشرة بدون سلاح وهو مطلب وجودي ، وفي الحالتين فالضحايا هم الأطفال حيث ينجوا البعض منهم ويسقط الآخر في طي النسيان
فهذا هو واقع العلم المؤسف الذى نعيشه الآن...
إن قلبي وصلاتي متوجهين إلى هؤلاء الأطفال في كل ارجاء العالم داعياً الرب أن يتوقف حرمانهم من طفولتهم وأن يعيشوا الحياة التي يستحقونها. فهؤلاء الأطفال هم مستقبل الأمم وواجبنا جميعاً أن نحافظ عليهم وأن لا نحرمهم من حقوقهم التي يحلمون بها.
إن قيامة المسيح هي الهدية الأزلية فدعونا نعتمدها كطريقة وجودنا في هذه الحياة ، عندها فقط سوف يتحرر الإنسان من حبه لذاته وسوف يدرك أن هناك شيء واحد له قيمه "أن نلتصق باللّه لأنه وحده هو الصالح" – وكما يقول الزعيم نيلسون مانديلا: "حتى يصبح أحد حر لا يكفيه فقط أن يتحرر من القيود ولكن أن يعيش بطريقة تحترم وتعزز حرية الآخرين".
حينها سوف يصبح كل العالم كنيسة حين يتجلى بالمسيح وسوف يسود السلام فوق الأرض وعلى الأرض وسوف لن نعيش فقط لأنفسنا ولكن من أجل إخواتنا في كل مكان. عندها سوف ينير قلوبنا نور قيامه المسيح وسوف تتوجه خطواتنا إلى معرفة الحقيقة.
بهذه الأفكار والخواطر الأبوية وتمنياتي القلبية أوجه لجميعكم رسالة النصر، ألا وهى "المسيـــــح قـــــام". داعياً أن يكون عيد الفصح بداية لتفكير جديد في عالم أكثر عدلاً مليء بنور القيامة الذي ليس له غروب.
مع تمنياتي القيامية
بفصح مجيد
† غبطة البابا ثيوذوروس الثانـــــي
بابا وبطريرك الإسكندريّة وسائر بلاد أفريقيا
في مدينة الإسكندريّة العظمى
عيد الفصح 2022
هذه الرسالة الفصحيّة نُشرت على صفحة سيادة مطران طنطا (إرموبوليس) وتوابعها المتروبوليت نقولا أنطونيو على موقع فيسبوك.