عظة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الرَّاعي في رتبة سجدة الصّليب يوم الجمعة العظيمة
في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في رتبة سجدة الصّليب يوم الجمعة العظيمة، في 15 نيسان/ أبريل 2022، في الصّرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.
"نسجد لك أيها المسيح ونباركك، لأنك بصليبك المقدس خلّصت العالم"
بسماع الأناجيل الأربعة والقراءات الّتي سبقت، نحن أمام أعظم جريمة ارتُكبت في التاريخ بحق اللّه، جريمة ذلّ وحقد وبغض ورفض للمحبة والحقيقة، ولكن الرب يسوع حوّل هذه الجريمة الى ذبيحة لذاته فداءً لكل انسان يولد لإمرأة في هذا العالم، والصّليب الّذي استُعمل كآلة لتعذيبنا حوّله الى ينبوع خلاص لكل شخص يرفع نظره وقلبه إليه، وهكذا علمنا ثقافة جديدة في العالم، وهي كيف نواجه الشرّ وبأي طريقة نقف كي نحوّل وجه العالم، نحن نلتمس هذه النعمة اليوم ونحن نتأمل في سرّ آلامه وننحني أمام سرّ صليبه.
هناك ثلاث وقفات في هذه الرتبة تضعنا في حالة تأمّل. فحين ننظر الى المصلوب يجب أن نتذكر أننا نحن أيضاً مخطئون في حقّه في كل مرة قد خنّا محبته وكلامه وابتعدنا عن تعليمه، نكون قد اقترفنا شيء من الخيانة تُذكّرنا بيهوذا الّذي خانه بقبلة.
اليوم سيوضع الصليب على جبيننا ونقبّله في قلوبنا ونقول له كلمة حبّ، وسنسير في الزيّاح معه قبل أن نضعه في القبر، وسنقول له كما قال بولس الرسول، يا ربّ من أجلي أنا تألمت، من أجلي أنا متّ كي تفتديني، ومن أجلي أنا قمت كي تعطيني الحياة الجديدة.
هذه الوقفات التأملية هي سجود من القلب للرب يسوع الّذي مهما كبرت خطايا البشر وخطايانا، تبقى محبته أكبر من كل الخطايا ولو جُمعت كل خطايا التاريخ من آدم حتى نهاية الأزمنة، يبقى حبّه أكبر منها كلّها، لذلك يعلّمنا سرّ الحب وسرّ الغفران.
أنا معكم أريد أن أتذكّر الكلمات الأخيرة الّتي قالها من على صليبه وأن أجمعها كي تكون لنا دستور الحياة. سبع كلمات والثامنة هي كلمة صامتة كانت الأنطق بين جميع الكلمات.
الكلمة الأولى دعوته لنا كي نعرف أن الغفران هو ذروة المحبة، أمام الظالمين وشرّهم، رفع صلاته قائلاً يا أبت إغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ما يفعلون. لا يوجد أكبر من هذه العظمة في الحب على وجه الارض.
الكلمة الثانية علّمنا أنه من الألم هناك ولادة جديدة، كلّ آلامنا تحمل ولادة جديدة. الظرف الّذي نعيشه في لبنان بجب أن يخرج منه ولادة جديدة، شهداؤنا الّذين أراقوا دماءهم كانوا ولادة جديدة للوطن، أقلّه حُفظ هذا الوطن. هذه الكلمة تظهر لنا عندما وجّه كلامه لمريم وأعطاها الأمومة الروحية الشاملة للبشرية بشخص يوحنا، حين قال يا امرأة، أي يا أم الحياة، هذا ابنك، أي كل واحد منّا في شخص يوحنا، وليوحنا قال، هذه هي أمّك.
دعونا لا نخاف من التضحية ومن الوجع، فبعدهما حياة جديدة.
الكلمة الثالثة، هي التوبة والغفران، فجمال التوبة مني أنا كإنسان، وعظمة الغفران من اللّه الّذي علّمنا أن نعيشه مع بعضنا. فعندما قال له لصّ اليمين إغفر لي يا سيدي تذكّرني متى تأتي في ملكوتك، كان الجواب، اليوم تكون معي في الفردوس. التوبة جمالها أنها رائعة وأروع من التوبة، الغفران.
الكلمة الرابعة، اختبار الانسان لصعوبة الحياة أو المرض أو الظلم أو أي ما يؤلم الانسان في العمق ويجعله يشعر أن اللّه غير موجود، ويختبر صمت اللّه، هذا ما اختبره يسوع ولكنه لم يصل الى اليأس، حافظ على إيمانه وحبّه. صرخ صرخة الانسان إلهي إلهي، ولكن جوابها كان ضمنها، لماذا تركتني. كل انسان يصرخ هذه الصرحة في حياته ولكن لا وجود لليأس. نشعر أحياناً أن اللّه غائب أو صامت، ولكن هو هنا.
الكلمة الخامسة، أنا عطشان، وبالتأكيد ليس عطشًا الى الماء فقط، بل أمام حقد البشر وبغض البشر وتنكيل البشر، والتصرّفات الّتي سمعناها في القراءات، قال وسيقولها كلّ منا كلّ يوم، أنا عطشان الى وجود حبّ في هذا العالم، أنا عطشان الى رحمة في هذا العالم، أنا عطشان لعدالة وسلام هذا العالم، وهذا العطش هو رسالة كل واحد منّا…
هذه العظة نُشرت على موقع البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة، لقراءة المزيد إضغط هنا.