عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في أحد الشّعانين

في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في قدّاس أحد الشّعانين، يوم الأحد 10 نيسان/ أبريل 2022، في الصّرح البطريركيّ في بكركي، لبنان.

"هوشعنا مبارك الآتي باسم الربّ، ملكنا" ( يو 12: 13)

1. بهذا الهتاف الملوكي العفويّ استقبل الشّعب والأطفال يسوع عندما صعد إلى العيد، مثل الكثير من الجمع الآتي من مختلف المناطق والبلدان. فكانت المرّة الأخيرة. ذلك إنّ الفصح اليهوديّ انتهى بفصحه هو، أي "بعبوره من عالمنا إلى الآب" (يو 13 1) بموته للفداء ومغفرة الخطايا وبقيامته لبثّ الحياة الجديدة. فأضحى هو حمل الفصح الذبيح، والطعام السماويّ للحياة الإلهيّة فينا.

إنّها ملوكيّة يسوع الروحيّة، ملوكيّة الحبّ حتّى التفاني في بذل الذات، ملوكيّة التواضع والسلام، ملوكيّة تنتزع الخوف من القلوب، وتزرع فيها الطمأنينة والرجاء والفرح. في هذه الملوكيّة أشركنا بمسحة الميرون، ورسم لنا فيها رسالتنا، رسالة الكنيسة، الّتي نلتزم بتحقيقها في كلّ مجتمع نعيش فيه.

2. هذه هي ملوكيّة يسوع. أمّا مملكته فهي الكنيسة، أي ملكوت اللّه الّذي يبدأ في التاريخ ويكتمل في السماء. تظهر ميزات الكنيسة الأساسيّة الثلاث في حدث الشعانين:

فالجمع الّذي اصطحب يسوع إلى أورشليم حين أقام لعازر من القبر، وهم يهود شاهدوا الآية، يمثّلون الكنيسة المنفتحة عليهم أوّلًا، وفق التصميم الإلهيّ. والجمع الّذي خرج لإستقباله وهم من مختلف المناطق والبلدان بمن فيهم وثنيّو اليونان، يمثّلون الكنيسة المنفتحة لتشمل الجميع. والقرار الّذي اقترحه قيافا، رئيس الكهنة في تلك السنة، بقتل واحد، يسوع، ولا تهلك الأمّة كلّها، يمثّل الكنيسة الّتي توحّد وتجمع (يو 11: 51-52).

3. واليوم في عيد الشعانين، "نصل إلى الميناء"، بعد رحلة الصوم والصلاة والتوبة وأعمال المحبّة، الّتي دامت ستّة أسابيع. هذا الوصول الّذي نحتفل به مساء اليوم هو انطلاق دائم مع المسيح، فنعبر معه صعودًا روحيًّا من موت الخطيئة والإنسان العتيق، إلى قيامة الحياة والإنسان الجديد، وصعودًا على مثاله نحو "الحبّ حتّى النهاية" (يو 13: 1).

4. يسعدنا أن نحتفل معًا ونهنّئ بعيد الشعانين الّذي هو عيد العائلة حول أطفالها. فالأطفال أنشدوا بعفويّة نبويّة ملوكيّة يسوع. فحملوا أغصان النخل المخصّصة لإستقبال الملوك، وأغصان الزيتون للدلالة أن يسوع هو ملك السلام. ولذا، عندما إغتاظ الفريّسيّون، وطلبوا من يسوع أن يأمرهم ليسكتوا، أجاب: "إذا سكت هؤلاء الأطفال، صرخت الحجارة" (لو 19: 40). نرجو أن يكون العيد مباركًا، وفاتحة خير عليكم وعلى أطفالكم الّذين يعيشون، وهم أبرياء، في الفقر والحرمان والعوز، بسبب الأزمات السياسيّة والإقتصاديّة والماليّة والإجتماعيّة، الّتي تسبّب بها الكبار من المسؤولين السياسيّين.

5. في كلّ حال ظهرت في هذا الأسبوع تباشير ثلاثة هيإعلان زيارة قداسةِ البابا فرنسيس للبنان في حزيران المقبل؛ الاتّفاقُ المبدئيُّ مع خبراءَ صندوقِ النقدِ الدُولي؛ عودةُ سفراءَ الدولِ الخليجيّةِ إلى لبنان. وإذ تأتي هذه الخُطوات الإيجابيّةُ بينما تَحصُل تطوّراتٌ مهمةٌ على الصعيدين الإقليميِّ والدُوليّ، نأمل أن تستفيدَ منها الدولةُ اللبنانيّةُ وُتوظّفُها في الإطارِ الوطنيِّ دون سواه.

‌أ. إنّ زيارة قداسةِ البابا فرنسيس، تأتي في سياقِ سعيِّ الكُرسي الرسوليِّ إلى مساعدةِ لبنان للخروجِ من أزْمتِه العميقة، وإبقائِه بين منظومةِ الأممِ الديمقراطيّة. وهي تُكمِّلُ سلسلةَ الزياراتِ البابويّةِ الّتي قام بها تباعًا القديس البابا بولس السادس في طريقه إلى الهند سنة 1964، والقديس البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1997 لتوقيع إرشاده الرسوليّ "رجاء جديد للبنان"، والبابا بِنديكتوس السادس عشر سنة 2012. تُشكّل زيارةُ البابا فرنسيس بركةً للشعبِ وأملًا للوطن ومنبّهًا للمسؤولين. فالبابا حريصٌ على أن يَتمتَّعَ لبنانُ بحوكمةٍ رشيدةٍ وبجماعةٍ سياسيّةٍ تَضع الصالحَ العامَّ فوقَ كلِّ اعتبار. وهو مدرك بالتقصيرَ الحاصلَ في التصدّي بجرأة وجِدّيةٍ لقضايا الشعب، وبالتردّدَ في تجاوبِ الدولةِ مع المساعي الدُولية. إنّنا ندعو اللبنانيّين للاستعداد نفسيًّا وروحيًّا لاستقبال قداسته بالفرح والرجاء.

‌ب. بالنسبة إلى الاتّفاقِ المبدئيّ بين لبنان وصندوقِ النقدِ الدُوليّ، فإننا ننتظر من الحكومة ومجلس النواب الإسراع في إقرارِ القوانينِ التطبيقيّة لهذا الاتّفاقِ ولإجراء الإصلاحاتِ المتّفق عليها كأساس وشرط للحصول على المال اللازم. وفيما نَتطلّعُ إلى إصلاحاتٍ تَضمَنُ مصلحةَ اللبنانيّين لاسيّما المودِعين، وتَحمي خصوصيّاتِ النظامِ الاقتصاديِّ اللبنانيِّ الحرّ، وتعبّر عن جدّية الدولة اللبنانيّة ومصداقيّتها، نأمل بالمقابل أن ترتفع قيمة الـثلاثةِ ملياراتِ دولارٍ المُقسَّطةٍ على أربعِ سنوات، لكونها لا تتناسبُ مع الفَجْوةِ الماليّةِ ومع الحاجاتِ الاقتصاديّةِ والمعيشيّةِ والاجتماعيّة…


هذه العظة نُشرت على موقع البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

رتبة درب الصليب، من العائلات صلاة سلام من أجل روسيا وأوكرانيا

Next
Next

موعظة غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان خلال احتفاله برتبة النهيرة (الوصول إلى الميناء) في برطلّة، العراق