مداخلة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في مؤتمر البحرين للحوار

"الشرق والغرب من أجل التعايش الإنسانيّ"

في التالي مداخلة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في مؤتمر البحرين للحوار بعنوان "الشرق والغرب من أجل التعايش الإنسانيّ"، الّذي يُعقد بين 3 و4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، في المنامة، البحرين.

حضرة صاحب رعاية الملتقى جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين حفظه اللّه،

قداسة البابا فرنسيس،

فضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيّب، شيخ الأزهر الشريف،

رئيس مجلس حكماء المسلمين،

رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة،

السيّدات والسادة

1. يسعدني أن أشارك في هذا "الملتقى"، شاكرًا على الدعوة، وأن ألقي كلمةً بالموضوع العام: "الشرق والغرب من أجل التعايش الإنسانيّ".

إنّ حضور قداسة البابا فرنسيس والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيّب شيخ الأزهر الشريف يربط هذا الملتقى من جهّة بوثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السلام العالميّ والعيش المشترك التي وقّعاها في 4 شباط/ فبراير 2019 بأبوظبي، ومن جهّة أخرى بالرسالة العامّة لقداسة البابا فرنسيس "كلّنا إخوة" التي أصدرها في 3 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020، وفيها يتعمّق بما جاء في "الوثيقة"، إنطلاقًا من المبدأ الأساس أنّ اللّه "خَلَقَ البَشَرَ جميعًا مُتَساوِين في الحُقُوقِ والواجباتِ والكَرامةِ، ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم ليُعَمِّروا الأرضَ، ويَنشُروا فيها قِيَمَ الخَيْرِ والمَحَبَّةِ والسَّلام"(بداية نصّ الوثيقة؛ كلّنا إخوة الفقرة 5).

2. إنّ التعايش الإنسانيّ يقتضي التزامًا دوليًّا وإقليميًّا وداخليًّا، شرقًا وغربًا، بوضع حدّ للأوضاع الخطيرة التي تذكرها "الوثيقة" من مثل "التطرّف الديني والقوميَّ والتعصُّبَ الذي أثمَرَ في العالَمِ، سواءٌ في الغَرْبِ أو في الشَّرْقِ، ما يُمكِنُ أن نُطلِقَ عليه بَوادِر «حربٍ عالميَّةٍ ثالثةٍ على أجزاءٍ»، قد بدَأَتْ تَكشِفُ عن وَجهِها القبيحِ في كثيرٍ من الأماكنِ، وعن أوضاعٍ مَأساويَّةٍ لا يُعرَفُ، على وَجْهِ الدِّقَّةِ، عَدَدُ مَن خلَّفَتْهم من قَتْلَى وأرامِلَ وثَكالى وأيتامٍ، وهناك أماكنُ أُخرَى يَجرِي إعدادُها لمَزيدٍ من الانفجارِ وتكديسِ السِّلاح وجَلْبِ الذَّخائرِ، والكلّ في وَضْعٍ عالَمِيٍّ تُسيطِرُ عليه الضَّبابيَّةُ وخَيْبَةُ الأملِ والخوفُ من المُستَقبَلِ، وتَتحكَّمُ فيه المَصالحُ الماديَّةُ الضيِّقة".

بالإضافة إلى "الأزماتِ السياسيَّةَ الطاحنةَ، والظُّلمَ وافتِقادِ عَدالةِ التوزيعِ للثرواتِ الطبيعيَّة، التي يَستَأثِرُ بها قِلَّةٌ من الأثرياءِ ويُحرَمُ منها السَّوادُ الأعظَمُ من شُعُوبِ الأرضِ. وهذا أَنْتَجَ ويُنْتِجُ أعدادًا هائلةً من المَرْضَى والمُعْوِزِين والمَوْتَى، وأزماتٍ قاتلةً تَشهَدُها كثيرٌ من الدُّوَلِ".

3. يؤكّد قداسة البابا فرنسيس في رسالته العامّة "كلّنا إخوة" أنّ الحوار بين أشخاص من ديانات مختلفة، لتأمين تعايش إنسانيّ سليم، لا يتحقّق بالدبلوماسية والتسامح، بل بالصداقة والسلام وتقاسم القيم والممارسات الأخلاقيّة والروحيّة بروح الحقيقة والمحبّة، وبالانفتاح على اللّه، أبي الجميع، وبالتالي على الأخوّة الشاملة. فجميع الأديان تعتبر أنّ كلّ شخص بشريّ، أكان ذكرًا أم أنثى، مدعوٌّ ليكون إبن اللّه وابنته، ولأن يتصرّف بهذه الصفة. وهكذا تقدّم الأديان مساهمة ثمينة في بناء الأخوّة، والدفاع عن العدالة وحقوق الإنسان في المجتمع (راجع الفقرتين 271 و272).

ويشير قداسة البابا فرنسيس إلى أنّ من بين الأسباب الأكثر تأثيرًا على إثارة الأزمات في العالم المعاصر: الضمير المخدَّر، والابتعاد عن القيم الدينيّة، وتفاقم تيّارات الفرديّة والماديّة، واستعمال اسم اللّه للمصالح الايديولوجية والسياسيّة، فتُداس كرامة الإنسان، وتُنتهك حقوقه (راجع الفقرتين 274- 275).

4. اختبار العيش المشترك في لبنان، من حيث آتي، قائم على نظامه السياسي، اذ نقرأ في مقدمة الدستور:" لا شرعية لسلطة تناقض الذي هو العيش معًا مسيحيين ومسلمين بالاحترام المتبادل، وضمانة عقيدة كل دين وممارساته وتقاليده، والمشاركة المتوازنة في الحقوق والواجبات، وفي حكم البلاد وادارة الدولة. انه الحوار اليومي بين المسلمين والمسيحيين القائم على ثلاثة: حوار الحياة، وحوار الثقافة، وحوار المصير. هذا العيش المشترك في لبنان يتعثّر حاليًا لان قاعدة " لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه ". كما تعلنه مقدمة الدستور، لم يواكبه بكل اسف لدى البعض من شعبه "الولاء للبنان دون سواه". تجدر الاشارة الى ان العيش المشترك قائم على التعددية الثقافية والدينية، وقد اقره الميثاق الوطني سنة ١٩٤٣، وكرّسه اتفاق الطائف سنة ١٩٨٩، ودخل في صلب الدستور اللبناني.

٥. بمناسبة اليوم الدوليّ للأخوّة الإنسانيّة في 4 فبراير 2022، قيلت كلمات تندرج في موضوع هذا الملتقى. فالأمين العام للأمم المتّحدة السيّد أنطونيو غوتيريش دعا إلى الوقوف بوجه الذين يستغلّون الاختلافات ويتاجرون بالكراهيّة ويزرعون الخوف من "الآخر" في القلوب الوجلة، وإلى الوقوف بوجه التصاعد الذي نراه في خطاب الكراهيّة والتعصّب والتمييز، وفي الإعتداء الجسديّ على الأشخاص، لا لسبب سوى لدينهم أو معتقدهم أو عرقهم أو نوعهم الجنسانيّ أو ميلهم الجنسيّ…

هذه الكلمة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو يلتقي جلالة ملك البحرين مع البطاركة الشرقيّين

Next
Next

ترحيب رسمي بقداسة البابا فرنسيس في القصر الملكي في البحرين