عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في أحد البشارة لمريم

في التالي عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، في أحد البشارة لمريم، يوم الأحد 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، في الصرح البطريركيّ بكركي، لبنان.

"في الشهر السادس اُرسل الملاك جبرائيل من عند اللّه" ( لو 1: 36).

1. "في الشهر السادس". هذا التحديد التاريخي لا يرتبط فقط بالبشارة لزكريّا وبمولد يوحنّا المعمدان، بل يعني أنّ اللّه يواكب تاريخ البشر، ويكشف أسراره الخلاصيّة في الوقت المناسب ومع الأشخاص الّذين اختارهم لهذه الغاية.

بهذا يظهر لاهوت الزمن الّذي تقدّمه لنا اللّيتورجيا؛ فهي تعتبره إنفتاحًا دائمًا على تجلّيات اللّه، وانتظارًا لها في مسيرة الرجاء. ولذا، تدعو لتقديسه، ليلًا ونهارًا، من خلال صلوات الساعات، المعروفة بالفرض الإلهيّ، الّذي يلتزم به الكهنة والرهبان والراهبات. كما تقسم السنة الطقسيّة إلى أزمنة مرتبطة بتاريخ الخلاص. فتفتح الكنيسة من خلالها كنوز الأفعال الخلاصيّة واستحقاقات المسيح الفادي، وتجعلها حاضرة في كلّ الأوقات وتفسح في المجال أمام المؤمنين للتقرّب منها والإمتلاء من نعمة الخلاص (دستور اللّيتورجيا المقدّسة، 102).

2. ولأن الزمن مرتبط بتجليّات أسرار الله، تدعونا الكنيسة "لقراءة علامات الأزمنة"، وتفسيرها في ضوء الإنجيل، بالشكل المناسب لكلّ جيل من أجيال البشر، للتمكّن من الإجابة على الأسئلة الدائمة حول معنى الحياة الحاضرة والمستقبلة والعلاقات المتبادلة بين الناس.

3. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة. ويطيب لي أن أرحبّ بكم جميعًا. وبخاصة بعائلة المرحومة أنطوانيت رزق وهبه والمرحوم الشاب ريان وهبة، وأولاد المرحومين صبحي ونديمة الفخري اللذين قتلا عمدًا أمام دارتهما في بتدعي في محاولة سرقة سيّارتهما وهما بريئان. وما زالت العائلة تنتظر مجرى العدالة، بعيدًا عن أيّ روح ثأر.

إنّنا نقدّم هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفوس المرحومين أنطوانيت وريان وصبحي ونديمة في الملكوت السماوي، ولعزاء عائلاتهم.

كما اننا نرحب برعية القليعة العزيزة وبحضور كاهنها وجوقتها التي تحيي هذه الليتورجيا المقدسة.

4. الزمن مقدّس. لأنّ الله يتجلّى من خلاله ويحقّق فيه تصميمه الخلاصيّ، بالتعاون مع كلّ إنسان. البشارة لمريم هي بشارة للكنيسة. فمريم الأمّ والبتول هي صورة الكنيسة على صعيد الإيمان والمحبّة والإتحاد الكامل بالمسيح. الكنيسة، مثل مريم، أمّ وبتول. فكما أنّ مريم أنجبت إبن الله على الأرض بإيمانها وطاعتها وفعل الروح القدس، وهي أمّ وبتول، هكذا الكنيسة بالإقتداء بمحبّة مريم، وبإتمام إرادة الآب بأمانة، وبقبول الكلمة الإلهيّة أصبحت هي أيضًا أمًّا، لكونها تلد، بالكرازة والمعموديّة، لحياة جديدة وغير مائتة أبناءها وبناتها بفعل الروح القدس. وهم مولودون من الله لعريسها الإلهيّ، مع ثبات رجائها وإخلاص محبّتها (الدستور العقائديّ في الكنيسة، 64).

كم يؤلمنا عندما نرى المجلس النيابي يهدر الزمن خميسًا بعد خميس، وأسبوعًا بعد أسبوع في مسرحيّة هزليّة لا يخجلون منها، وهم يستخفّون بانتخاب رئيس للبلاد في أدقّ الظروف. إنّنا نحمّلهم مسؤوليّة خراب الدولة وتفكيكها وإفقار شعبها.

5. تُطِلُّ علينا بعد يومين ذكرى الاستقلالِ في غيابِ الشعورِ بها، كأنَّ اللبنانيّين يَخجلون من أنفسِهم ويُدركون أنهم نالوا استقلالهَم سنةَ 1943 لكنّهم لم يحافظوا عليه، وتَناوبَ عليهم من يومِها أكثرُ من احتلالٍ ووصاية. تأتي ذكرى الاستقلال هذه السنة شاغرة وفارغة هي أيضًا من معانيها وأبعادِها. إذ ليس الاستقلال أنْ يخرج الأجنبيُّ من لبنان بل أن يدخل اللبنانيّون إلى لبنان. والحالُ أنّنا نرى فئاتٍ لبنانيّةً تَستجدي الوصايةَ وتَتسوّلُ الاحتلال وتشحذُ التبعيّة.

لذلك، حذارِ الاستخفافَ باختيارِ رئيسِ الجُمهوريّةِ المقبِل. نحن ننتخب رئيسًا لاستعادةِ الاستقلال. فأيُّ خيارٍ جيّدٍ يُنقذُ لبنانَ، وأيُّ خيار سيّء يُدهورُه. إنَّ قيمةَ الإنسانِ أن يُقيِّمَ المسؤوليّةَ الـمُناطةَ به، فلا يجازفُ بها ولا يساوم عليها. لذلك نناشد النوّاب ألّا يَقعوا من جهةٍ ضحيّةَ الغِشِّ والتضليلِ والتسوياتِ والوعودِ الانتخابيّةِ العابرة، ومن جهةٍ أخرى فريسة السطوة والتهديد والوعيد. ونحن أصلًا شعبٌ لا يَخضعُ لأيِّ تهديدٍ، ورئيسُ لبنان لا يُنتخَبُ بالتهديدِ والفَرْض.

في هذا المجال، لا يستطيعُ أيُّ مسؤولٍ أو نائبٍ ادعاءَ تجاهلِ الواقعِ اللبنانيِّ والحلولِ المناسِبة له. فكلُّ اللبنانيّين، نوابًا ومواطنين، يَعرفون سببَ مشاكلِ لبنان والقِوى والجهاتِ والعوائقَ التي تَحول دونَ إنقاذِه. فلا أحدَ يَضعُ رأسَه في الرِمال. وبالتالي لا عُذرَ لأيِّ نائبٍ بألّا يَنتخبَ الرئيسَ المناسبَ للبنانَ في هذه الظروف. هذا خِيارٌ تاريخيٌّ. فسوءُ الاختيارِ، في هذه الحال، يَكشِفُ عن إرادةٍ سلبيّةٍ تجاه لبنان فيُمدِّدُ المأساةَ عوضَ أن يُنهيَها، وتكون خطيئتُكم عظيمة. فلنكن أسيادَ أمّتِنا ومصيرِنا…

هذه العظة نُشرت على صفحة البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

غبطة البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان متوجّهًا للمشاركة بمؤتمر كاريتاس العالمي في روما: أنا ذاهب لأصلّي لأجل المحبّة والتضامن والتوافق والإخلاص والصدق والاتّحاد والوحدة، هذا خلاص لبنان

Next
Next

قداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني يزور موقع المغطس