عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي الأحد الرّابع عشر من زمن العنصرة

MAB_0647.png

 الديمان، لبنان – الأحد 22 آب/ أغسطس 2021

"المطلوب واحد" (لو 10: 42)

1. إنّ مرتا ومريم جمعتا بين سماع كلمة اللّه والإنصراف إلى العمل. سماع الكلمة يولّد الايمان، والإيمان يحرّك على العمل الصالح والخلّاق والمحبّ في جميع قطاعات الحياة: الكنسيّة والمدنيّة والسياسيّة.

لم يوجّه الرب يسوع الى مرتا ملامةً، لانّها تنصرف إلى واجبات الخدمة والضيافة وهي ضروريّة، بل أظهر أهميّة سماع كلام اللّه، كما فعلت مريم، من اجل تقديس العمل، وتقديس الذات فيه. ذلك أن تغذية الجسد ضروريّة للحياة الزائلة، أمّا تغذية الروح بالاستماع إلى الكلمة الإلهية فضروريّة للحياة الأبديّة.

MAB_0607.jfif

نجتمع معًا في هذه الليتورجيا المقدسة حول مائدة المسيح الرب، مائدة كلمته لاحياء ايماننا وانارة عقولنا، ومائدة جسده ودمه لبثّ الحياة الالهية فينا، وتقديس نفوسنا. اننا نصلّي كي ندرك هذه الحقيقة المحيية.

اننا نرحب بكم جميعًا ونحيي معنا الراهبات الانطونيات والشبيبة الانطونية من مدرستي غزير والخالدية وقد قاموا مشكورين برسالة طيلة خمسة أيام في رعايا المنطقة.

2. جاء يسوع، حاملًا الخبز السماوي لبني الارض، وقد أصبح واحدًا منهم، ويحتاج الى طعامهم. لكنّه اراد بجوابه الى مرتا أن يبيِّن حاجة بني الارض الى طعامه للحياة الابدية، كما قال لتلاميذه:" أنا هو الخبز النازل من السماء ليأكل منه الانسان، فلا يجوع"(يو 6: 35). فيما كانت مرتا تهيِّىء للربّ طعامًا وفيرًا، كانت مريم تغتذي من كلام الحياة والصلاح. قال القدّيس أغسطينوس: "كانت مريم تأكل مما كانت تسمع، أي كانت تأكل الحقيقة ممَّن قال عن نفسه "أنا هو الحقّ والحياة" (يو 14: 6). هذا هو "المطلوب الواحد والنصيب الأفضل الذي اختارته مريم، والذي لا يُنزع منها" (لو 10: 42).

3.سماع الكلمة الالهية هو الدافع الاساسي للخدمة والعطاء. الذي يصبح أساسًا للشهادة المسيحية والشركة، على مثال الكنيسة الناشئة:"إذ كان جماعة المؤمنين مواظبين على تعليم الرسل، وكسر الخبز، والشركة في ما يملكون. فلم يكن بينهم محتاج" (اعمال2: 44،42). تقوم حياة الكنيسة والمسيحيين على ركائز ثلاث متكاملة: كلمة اللّه، والاسرار وبخاصة الافخارستيا، وخدمة المحبة. فالكلمة تولّد الايمان بالمسيح، والايمان يقود الى لقاء الربّ الخلاصي في الاسرار واللّيتورجيا، ونعمة الاسرار تحمل على المحبة الاجتماعية تجاه الفقراء والمعوزين.

4.يا لتعاسة شعب، المسؤولون السياسيون عنه يهملون اهمالًا كاملًا سماع كلام اللّه، ولا يصغون إلاّ الى مصالحهم وحساباتهم. هؤلاء يقول عنهم القديس بولس الرسول:"بطونهم آلهتهم" (في 3: 19). هنا تكمن مأساةُ شعبِ لبنان وانهيارِ أخلاق المسؤولين والدولة.

فبعد سنة وشهر بات واضحًا للجميع – رغم الوعود الفارغة – أن المسؤولين في لبنان لا يريدون حكومة، تاركين الشعب يتدبّر امره بيده. وهو يفعل ذلك ولو بالاذلال، ويحافظ على ما لم يحافظوا هم عليه. وإذا سألتهم: لماذا؟ فلا يعرفون! ولذا، يتبادلون التهم ليلًا ونهارًا.

ان كلمة اللّه تصرخ بكم، أيها المسؤولون: أوْقِفوا التلاعبَ بمشاعرِ الشعبِ وتعذيبه. أوْقِفوا العبث بمصيرِ الوطنِ والدولة، واستنزافَ تشكيلةٍ وزاريّةٍ بعد تشكيلة، واختلاقَ شروطٍ جديدةٍ كلّما حُلَّت شروطٌ قديمة. ضعوا حدًّا لنهجِ التعطيلِ والسلبيّةِ ودربِ الانتحار. اننا نُدين التزامكم تصفيةَ الدولةِ اللبنانيّةِ بنظامِها وميثاقِها ودورِها التاريخيِّ ورسالتِها الإنسانيّةِ والحضاريّة. لقد بات واضحًا أنّكم جُزءٌ من الانقلابِ على الشرعيّةِ والدولة، وأنّكم لا تريدون لبنانَ الذي بناه الآباءُ والأجدادُ أرضَ لقاءٍ وحوار، وأنّكم لا تريدون حكومةً مركزيّةً بل تَتقصَّدون دفعَ الشعبِ عَنوةً ورغمًا عنه إلى إدارةِ شؤونِه بنفسِه، وإلى خِيارات يَنأى عنها منذ خمسين سنة. كصدى لهذا الصوت، نطالب وما زلنا بضرورة عقد مؤتمر دوليّ خاصّ بلبنان برعاية منظّمة الأمم المتّحدة من أجل إنقاذ لبنان بتطبيق قرارات مجلس الأمن غير المطبّقة إلى الآن، وتنفيذ إتفاق الطائف بروحه وكامل نصوصه، وإعلان حياد لبنان وفقًا لهويّته الأساسيّة، وتنظيم عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وحلّ قضيّة اللاجئين الفلسطينيّين.

"المطلوب الواحد" منكم ايها المسؤولون السياسيون، إلى جانب سماع كلام اللّه، أن تحبّوا لبنان وشعبه، وتحفظوا الولاء له، دون سواه، وتضحّوا بمصالحكم الخاصّة في سبيله.

5. إنّ شعبَ لبنان، وإن جريحٌ، سيَنتفضُ ويُقاومُ هذه النزعةَ التدميريّةَ، ويَستعيدُ كرامتَه وكرامةَ وطنِه كما فعلَ كلَّ مرّة. ولن يدعَ الشعبُ أيَّ طرفٍ مهما كان، ومهما استقْوى واستبدّ، أنْ يُبدِّدَ تضحياتِ الأجيالِ ويَطعَنَ بأرواح الشهداء. وما يُؤلم شعبنا أنّه غالبًا ما يُحرّرُ قرار الدولة من دون دعمِ دولتِه له، بل هي نفسها تتواطأُ أحيانًا عليه وعلى شرعيّتِها مع قِوى غيرِ شرعيّةٍ ومع محاورَ خارجيّة …

هذه العظة نُشرت على موقع البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

توزيع أجهزة اللّوح الذّكيّ على مدارس البطريركيّة اللّاتينيّة

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط يصدر كتيّب "زمن الخليقة" باللّغة العربيّة