عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي الأحد التاسع من زمن العنصرة
الديمان – الأحد 18 تمّوز/ يوليو 2021
"روح الربّ عليّ: مسحني وأرسلني" (لوقا 4: 18)
1. دخل يسوع كعادته يوم السبت إلى مجمع الناصرة، وقام ليقرأ من نبوءة أشعيا كلامًا قيل فيه قبل خمسماية سنة وهو: "روح الربّ عليّ: مسحني وأرسلني" (لوقا 4: 18). بهذه النبوءة انجلت هويّته ورسالته التي أشرك فيها الكنيسة، جسده السريّ وهو رأسها. فأصبحت بالتالي هويّة المسيحيّين ورسالتهم يقبلونها بمسحة الروح القدس في المعموديّة والميرون. وفي النبوءة أيضًا اعتلن الزمن المسيحانيّ الجديد.
2.يسعدنا أن نحتفل بهذه الليتورجيا معكم ومع رعيّة الديمان العزيزة فنحيّي كاهنها الخوري حبيب صعب، ولجنة الوقف ورئيسها الخوري خليل عرب وكل ابناء وبنات الديمان الاحباء. فنهنّئكم على ما أنجزتم في الكنيسة الجديدة بسخائكم وسخاء أبناء الديمان المنتشرين والمحسنين. نذكرهم ونذكركم جميعًا في هذه الذبيحة المقدّسة، أحياءً وأمواتًا، أصحّاء ومرضى. ونلتمس من الله، بشفاعة القديس شربل في يوم عيده، أن نلتزم بحفظ هويّتنا المسيحيّة والقيام برسالتنا.
3. "روح الربّ عليّ: مسحني وأرسلني". هذه هي هويّتنا المسيحانيّة
الروح يملأ بشريّة يسوع ويكرّسه لرسالة الفداء والخلاص. فظهر إنسانًا مثلنا بملء إنسانيّته، وكشف الإنسان للإنسان، ودعوته السامية. اشتغل بيدَي إنسان، وعمل بإرادة إنسان، وأحبّ بقلب إنسان. وشابهنا في كلّ شيء، ما عدا الخطيئة (عب 4: 15).
كون المسيح رأسَ جسده الذي هو الكنيسة، فقد أشرك كلّ أعضاء الجسد بمسحة الروح بواسطة سرّي المعموديّة والميرون. هذا الروح جعلنا كمسيحيّين على شبه صورة المسيح في إنسانيّته، الذي هو على ما قال بولس الرسول: "البكر بين أخوة كثيرين" (روم 8: 29؛ كول 1: 18).
4. وأرسلني: هذه رسالتنا المسيحانيّة
رسالة المسيح الخلاصيّة بحسب نبوءة أشعيا تشمل ستة أبعاد، وسلّمها للكنيسة ليقوم بها رعاتها وأبناؤها وبناتها، بالوسائل الروحيّة والأسراريّة، وبواسطة مؤسّساتها على اختلاف أنواعها. هذه الأبعاد هي:
تبشير المساكين اي حمل البشرى الإلهيّة لكلّ إنسان منفتح العقل والقلب على الله، بوداعة وتواضع، للاستنارة بنوره، والامتلاء من عزائه ومحبّته، من دونهما فراغ في حياة الانسان عبّر عنه القدّيس أغسطينوس بقوله: "لقد خلقتنا لك يا ربّ، ويظلّ قلبنا مضطربًا فينا إلى أن يستقرّ فيك".
شفاء منكسري القلوب يعني الغفران للتائبين، والتعزية للحزانى، والتشجيع للذين يعيشون ألم التهميش أو عدم فهمهم أو العزلة.
تحرير الأسرى بممارسة العدالة الملطّفة بالانصاف والرحمة؛ عدالةٍ مرتكزة على الحقيقة الموضوعيّة، ومنزّهة من كلّ كذب وتضليل وافتراء، ومحرّرة من كلّ تدخّل سياسيّ أو تسييس. وتحرير مَن هم أسرى مواقفهم وآرائهم المتصلّبة، وأسرى الإدمان على المخدّرات أو المسكرات.
إعادة البصر للعميان يعني بصر العقل المنحرف عن نور الحقيقة، وبصر الضمير الذي يخنق صوت الله، وبصر القلب المتحجّر ورافض الحبّ والمشاعر الإنسايّة.
الإفراج عن المظلومين من كلّ أنواع الظلم والعبوديّات، ومن الاستغلال الاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ، وانتشالهم من حالة الخطيئة والعادات السيئة.
إعلان سنة مرضية عند الربّ: هذا هو الزمن المسيحانيّ الجديد. إنّه زمن ملكوت الله: ملكوت الحقيقة المحبّة والحريّة والعدالة والأخوّة والسلام. هذا الزمن يشكّل التزام الكنيسة بنشر هذه الثقافة المسيحيّة.
5. إنّنا باسم الشعب الفقير والمقهور والجائع والمشتّت كخرافٍ لا راعي لها، وباسم وطننا لبنان الواقع في حالة الإنهيار، نطالب القوى السياسيّة كافّة بأن تتكاتف بحكم المسؤوليّة الوطنيّة، وتتشاور في ما بينها، وتسمّي في الإستشارات النيابيّة المقبلة شخصيّةً سنيّةً لرئاسة مجلس الوزراء الجديد، تكون على مستوى التحديات الراهنة، وتتعاون للإسراع في التأليف. إنّه وقت تحمّلِ المسؤوليات لا وقتُ الانكفاء. فالبلادُ لا تواجِهُ أزمةً حكوميّةً عاديّة، بل أزمةً وطنيّةً شاملةً تستدعي تضافرَ الجهود من قبل الجميع؛ وتواجه انقلابًا جارِفًا على النظامِ والدستورِ والمؤسّسات الشرعية، وتفكّكًا للقوى الوطنيّةِ التي من شأنها خلق واقعٍ سياسيٍّ جديدٍ يُعيد التوازنَ ويلتقي مع مساعي الدول الصديقة. ينبغي بحكم المسؤولية الوطنية تجاوز الأنانيّات والمصالحَ والحساباتِ الانتخابيّةَ الضيّقةِ التي تُسيطر بكلّ أسف على عقولِ غالِبيّةِ القوى السياسيّة، على حسابِ المصلحةِ الوطنيّة العليا …
هذه العظة نُشرت على موقع البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة، لقراءة المزيد اضغط هنا.