يوم تأمّل وصلاة من أجل لبنان. رسالة قداسة البابا فرنسيس في ختام الصّلاة المسكونيّة: لَدَى اللّه أفكارُ سَلام. معًا مِن أجْلِ لبنان
إختُتم "يوم التأمل والصلاة من أجل لبنان" الّذي دعا إليه قداسة البابا فرنسيس بصلاة مسكونية في بازيليك القديس بطرس عند الساعة السادسة مساء، حيث وجه الأب الأقدس رسالة قال فيها "اجْتَمَعَنا اليَوم لِنُصَلِّيَ وَلْنُفَكِّرَ معًا، يَدْفَعُنا القَلَقُ على لبنان، قَلَقٌ شَدِيد، إذْ نَرَى هذا البَلَد، الذي أَحْمِلُهُ في قَلْبِي والذي أَرْغَبُ في زِيارَتِه، يَتَعَرَّضُ لأَزْمَةٍ خَطِيرَة. أنا شاكِرٌ لِجَميعِ المُشارِكينَ لِقُبُولِ الدَعْوَةِ فَوْرًا وَلِلْمُشَارَكَةِ الأَخَوِيَّة".
قال البابا فرنسيس "اجْتَمَعَنا اليَوم لِنُصَلِّيَ وَلْنُفَكِّرَ معًا، يَدْفَعُنا القَلَقُ على لبنان، قَلَقٌ شَدِيد، إذْ نَرَى هذا البَلَد، الذي أَحْمِلُهُ في قَلْبِي والذي أَرْغَبُ في زِيارَتِه، يَتَعَرَّضُ لأَزْمَةٍ خَطِيرَة. أنا شاكِرٌ لِجَميعِ المُشارِكينَ لِقُبُولِ الدَعْوَةِ فَوْرًا وَلِلْمُشَارَكَةِ الأَخَوِيَّة. نَحْنُ الرُّعاة، الذينَ تُسْنِدُنا صَلاةُ شَعْبِ اللّهِ المُقَدَّس، حاوَلْنا، في هذا الزَمَنِ المُظْلِم، أنْ نَتَوَجَّهَ مَعًا إلى نُورِ اللّه. وَفي نُورِهِ رأيْنا أوّلًا ظُلُماتِنا: الأَخْطاءَ التي ارْتُكِبَتْ عِنْدَما لَمْ نَشْهَدْ لِلإنْجِيلِ بِصُورَةٍ كامِلَة وِبانْسِجامٍ مَعَ الإنْجِيل، وَرَأَيْنا الفُرَصَ الضائِعَة علَى طَريقِ الأُخُوَّةِ والمُصالَحَةِ والوَحْدَةِ الكامِلَة. لِهذا كُلِّهِ نَطْلُبُ المَغْفِرَةَ وَبِقَلْبٍ مُنْسَحِق نَقول: "رُحْماكَ يا ربّ!" (متى 15، 22).
كانَتْ هَذِهِ صَرْخَةَ امْرأَةٍ التَقَتْ يَسُوع، وَكانَتْ بالتَحْديدِ مِن جِهاتِ صُورَ وَصَيْدا. تَوَسَّلَتْ إليْهِ بِقَلَقٍ شَديد بإلحاح: "أَغِثْني يا رَبّ!" (الآية 25). أصْبَحَتْ هَذِهِ الصَّرْخَةُ اليَوْم صَرْخَةَ شَعْبٍ بِأكْمَلِه، الشَّعْبِ اللبناني المُحْبَطِ والمُنْهَك، والمُحْتاجِ إلى أمانٍ أَكيد وَرَجاءٍ وَسَلام. بِصَلواتِنا أَرَدْنا أنْ نُرافِقَ هَذِهِ الصَّرْخَة. لا نَسْتَسْلِمْ، ولا نَتْعَبْ مِنَ الابْتِهالِ إلى السَّماءِ وَطَلَبِ السَّلامَ الذي يَعْجَزُ عَنْ صُنْعِهِ الناسُ علَى الأرْض. لِنَطْلُبْهُ بإلحاحٍ مِنْ أجلِ الشَّرقِ الأوْسَط وَمِنْ أجلِ لبنان. هذا البَلَدُ الحَبِيب، كَنْزُ الحَضارةِ والحياةِ الرُّوحِيَّة، الذي شَعَّ الحِكْمَةَ والثَقَافَةَ عَبْرَ القُرُون، والذي يَشْهَدُ علَى خِبْرَةٍ فَريدَةٍ مِنَ العَيْشِ السِّلْمِي مَعًا، لا يُمْكِنُ أنْ يُتْرَكَ رَهينَةَ الأقْدارِ أو الَّذينَ يَسْعَوْنَ بِدونِ رادِعِ ضَمير وَراءَ مَصالِحِهِم الخاصَّة. لبنان بَلَدٌ صَغيرٌ كَبِير، وَهُوَ أكْثَرُ مِنْ ذَلِك: هُوَ رِسالَةٌ عالَمِيَّة، رِسالَةُ سَلامٍ وأُخُوَّة تَرْتَفِعُ مِنَ الشَّرْقِ الأوْسَط.
آيَةً قالَها اللّه يَوْمًا في الكِتابِ المُقَدَّس، يَتَرَدَّدُ صَداها اليَوْمَ بَيْنَنا، وَكأنَّها جَوابٌ لِصَرْخَةِ صَلاتِنا. هِيَ كَلِماتٌ قَليلَة يُعْلِنُ بِها اللّه أنَّ أفكَارَهُ "أَفكارُ سَلامٍ لا بَلْوَى" (إرميا 29، 11). أَفكارُ سَلامٍ لا بَلْوَى. في أوْقاتِ البَلْوَى، نُريدُ أنْ نُؤَكِّدَ بِكُلِّ قُوَتِنا أنَّ لبنانَ هُوَ، وَيَجِبُ أنْ يَبْقَى، مَشْرُوعَ سَلام. رِسَالَتُهُ هُيَ أنْ يَكُونَ أرْضَ تَسامُحٍ وَتَعَدُدِيَّة، وَواحَةَ أُخُوَّةٍ تَلْتَقِي فِيها الأدْيانُ والطَوائِفُ المُخْتَلِفَة، وَتَعِيشُ فِيها مَعًا جَماعاتٌ مُخْتَلِفَة، وَتُفَضِّلُ الخَيْرَ العام علَى المَصَالِحِ الخاصَة. لِذَلِكَ مِنَ الضَّرُورِيّ - وَأَوَدُّ أنْ أُكَرِّرَ ذَلِك – "كُلُّ مَنْ فيِ يَدِهِ السُّلْطَة، فليَضَعْ نَفْسَهُ نِهائِيًا وَبِشَكْلٍ قاطِعٍ في خِدْمَةِ السَّلام، لا في خِدْمَةِ مَصالِحِهِ الخاصَة. كَفَى أنْ يَبْحَثَ عَدَدٌ قَليلٌ مِنَ الناسِ عَنْ مَنْفَعَةٍ أنانِيَّة علَى حِسابِ الكَثيرين! كَفَى أنْ تُسَيْطِرَ أَنْصافُ الحَقائِقِ علَى آمالِ الناس!" (كلمة في ختام الصّلاة، باري، 7 تموز/يوليو 2018). كَفَى اسْتِخْدامُ لبنانَ والشَّرْقِ الأوْسَط لِمَصالِحَ وَمَكاسِبَ خارجِيَّة! يَجِبُ إعْطاءُ اللبنانِيِّينَ الفُرْصَةَ لِيَكُونوا بُناةَ مُسْتَقْبَلٍ أفْضَل، علَى أرْضِهِم وَبِدونِ تَدَخُّلاتٍ لا تَجُوز.
أَفْكارُ سَلامٍ لا بَلْوَى. أَنْتُم أعزائي اللُبْنانِيِّين، لَقَدْ تَمَيَّزْتُم علَى مَرِّ القُرُون، حَتَى في أَصْعَبِ اللحَظات، بِرُوحِ المُبادَراتِ والاجْتِهاد. أَرْزُكُم العالي، رَمْزُ بَلَدِكُم، يُذَكِّرُ بِغَنَى وازْدِهارِ تارِيخِكُم الفَريد. أَرْزُكُم يُذَكِّرُ أيْضًا أنَّ الأغْصانَ العاليَّة تَنْطَلِقُ مِنْ جُذُورٍ عَميقَة. لِيُلْهِمْكُم مِثالُ الذينَ عَرِفُوا أنْ يَبْنُوا أَسُسًا مُشْتَرَكَة، لأَنَّهُم رأَوا، في التَنَّوِعِ لا عَقَبات، بَلْ فُرَصًا لِلبِناء. تَأَصَّلُوا في أَحلامِ أَجدادِكُم، أَحلامِ السَّلام. في الأشهُرِ الأَخِيرَة، فَهِمْنا، كَما لَمْ يُتِحْ لنَا أنْ نَفْهَمَ مِنْ قَبْل، أنَّنا وَحْدَنا لا نَسْتَطيِعُ أنْ نَخْلُص، وأنَّ شِدَّةَ البَعْضِ لا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ غَريبة عَنِ الآخَرين. لِهَذا نُناشِدُكُم جَمِيعًا. أَنْتُم المُواطِنين: لا تَيْأَسُوا، وَلا تَفْقِدُوا رُوحَكُم، ابْحَثُوا في جُذورِ تاريخِكُم عَنِ الرَّجاء، لِتُزْهِروا وَتَزْدَهِرُوا مِنْ جَدِيد. وَأَنْتُم القادَة السِياسِيِّين: لِتَجِدُوا، حَسَبَ مَسْؤُولِياتِكُم، حُلُولًا عاجِلَة وَمُسْتَقِرَة لِلأَزْمَةِ الاقتِصادِيَّة والاجتِماعِيَّة والسِياسِيَّة الحالِيَّة، وَتَتَذَكَرُوا أنَّهُ لا سَلامَ بِدونِ عَدْل. وَأَنْتُم اللُبنانِيِّين الأحَباء في الشَّتات: لِتَضَعُوا أفْضَلَ الطاقاتِ والمَوارِدِ المُتَوَفِرَة لَدَيْكُم في خِدْمَةِ وَطَنِكُم. وَأَنْتُم أعَضاءَ المُجْتَمَعِ الدَوْليّ: بِجُهْدٍ مُشْتَرَك، وَفِّرُوا لِلْبَلَدِ الظُروفَ المُناسِبَة حتَى لا يَغْرَق، بَلْ يَنْطَلِقُ في حَياةٍ جَدِيدة. سَيَكُونُ ذَلِكَ خَيْرًا لِلجَميع.
أَفْكارُ سَلامٍ لا بَلْوَى. بِكَوْنِنا مَسِيحِيِّين، نُريدُ اليَوْمَ أنْ نُجِدَّدَ التِزامَنا بِبِناءِ مُسْتَقْبَلٍ مَعًا، لأنَّ المُسْتَقْبَلَ سَيَكُونُ سِلْمِيًّا فَقَطْ إذا كان مُشْتَرَكًا. لا يُمْكِنُ أنْ تَقُومَ العَلاقَاتُ بَيْنَ الناسِ علَى السَّعي وَراءَ المَصالِحِ والامْتِيازاتِ والمَكاسِبِ الخاصَة لِلبَعض. لا، إنَّ الرُؤيَّةَ المَسِيحِيَّة لِلمُجْتَمَعِ مَبنِيَّةٌ علَى التَطْويبات، وَتَنْبُعُ مِنَ الوَداعَةِ والرَّحْمَة، وَتَحْمِلُ علَى الاقْتِداءِ بِعَمَلِ اللّهِ في العالَم. فَهُوَ أبٌ وَيُريدُ الوِئامَ بَيْنَ الأبْناء. نَحْنُ المَسِيحيِّين مَدْعُوونَ لأن نَكون زارِعِي سَلامٍ وَصانِعي أُخُوَّة، وأَلَّا نَعِيشَ علَى أحقادِ الماضي والتَحَسُّر، وأَلَّا نَهْرُبَ مِنْ مَسؤُولياتِ الحاضِر، وأَنْ نُنَمِيَ نَظْرَةَ رَجاءٍ في المُسْتَقْبَل. نَحْنُ نُؤْمِنُ أنَّ اللّهَ يَدُلُنا علَى طريقٍ واحدٍ فَقَط في مَسيرَتِنا: هُوَ طَريقُ السَّلام. لِهَذا نُؤَكِدُ لإخْوَتِنا وأَخَواتِنا المُسْلِمينَ وَمِنَ الدِياناتِ الأُخْرَى الانْفِتاحَ والاسْتِعْدادَ لِلتَعاوِنِ لِبِناءِ الأُخُوَّةِ وَتَعْزِيزِ السَّلام …
هذه الرسالة نُشرت على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد اضغط هنا.