التوجيهات الرعويّة للاحتفال بالأيّام العالميّة للشّباب في الكنائس الخاصّة
صدرت ظهر اليوم الثلاثاء عن الدائرة الفاتيكانيّة للعلمانيين والعائلة والحياة التوجيهات الرعويّة للاحتفال بالأيام العالمية للشباب في الكنائس الخاصة ونقرأ في الوثيقة:
إن تأسيس الأيام العالمية للشباب كان بالتأكيد نتيجة لرؤية نبوية عظيمة للقديس البابا يوحنا بولس الثاني. وقد وضّحَ أسباب قراره على النحو التالي: "يجب أن يشعر جميع الشباب بأنَّ الكنيسة تعتني بهم. لذلك، تلتلزم الكنيسة بأسرها، على المستوى العالمي، وبالاتحاد مع خليفة القديس بطرس، أكثر فأكثر بالشباب، وباهتماماتهم وهمومهم وتطلعاتهم وآمالهم، كي تحقّق توقّعاتهم عبر نقل اليقين الذي هو المسيح، والحقيقة التي هي المسيح، والمحبة التي هي المسيح..." تسلّمَ البابا بندكتس السادس عشر رعاية الكنيسة من سلفه؛ حيثُ شدّدَ في مناسباتٍ مختلفة على أن هذه اللقاءات هي هبة العناية الالهية للكنيسة، ووصفها بأنها "علاج ضد ضعف الإيمان" وهي "شكل جديد أكثر شبابًا للمسيحية" وقد "وضعت التبشير الجديد موضع التنفيذ". من وجهة نظر البابا فرنسيس أيضًا، توفّر الأيام العالمية للشباب زخمًا تبشيريًا قويًا للكنيسة بأسرها، وعلى وجه الخصوص للأجيال الشابة. بعد بضعة أشهر فقط من انتخابه، افتتح البابا فرنسيس حبريّته مع الأيام العالمية للشباب في ريو دي جانيرو "البرازيل" في تموز ٢٠١۳، وفي ختامها قال: "لقد شكّلَت هذه الأيام مرحلة حج جديدة للشباب عبر القارات بصحبة صليب المسيح. وبالتالي لا يجب أن ننسى أبدًا أن الأيام العالمية للشباب ليست "ألعابًا نارية"، أو مجرد لحظات حماس غاية في حد ذاته؛ وإنما هي مراحل مسيرة طويلة، قد بدأت عام ١۹٨٥، بمبادرة من البابا يوحنا بولس الثاني". وقام بتوضيح نقطة محورية: "لنتذكر دائمًا: أن الشباب لا يتبعون البابا، وإنما يسوع المسيح، ويحملون صليبه. والبابا يقودهم ويرافقهم في مسيرة الإيمان والرجاء هذه". كما نعلم جميعًا، تقام الاحتفالات العالمية لهذا الحدث بشكل عام كلّ ثلاث سنوات في دولة مختلفة في كل مرة بمشاركة الحبر الأعظم. أمَّا الاحتفال العادي بالأيام العالمية للشباب، من ناحية أخرى، فيتم كل عام في الكنائس الخاصة التي تتولّى تنظيم هذا الحدث.
1. الأيام العالمية للشباب في الكنائس الخاصة
إن الأيام العالمية للشباب التي يُحتفل بها في كلّ كنيسة خاصّة لها أهمية وقيمة كبيرتان، ليس فقط للذين يعيشون في تلك المنطقة، بل للجماعة الكنسية المحلية بأسرها. لا يستطيع بعض الشباب المشاركة في النسخة الدولية من الأيام العالمية للشباب بسبب دراستهم أو وظيفتهم أو بسبب الوضع المادي. لذلك، من الجيّد أن تتيح لهم كلّ كنيسة، حتى ولو كان ذلك على المستوى المحلي، فرصة عيش اختبار خاص في "احتفال بالإيمان" يمكن أن يكون مناسبة قويّة للشهادة والشركة والصلاة على غِرار النسخة الدولية من الأيام العالمية للشباب. قد أثّرت الأيام العالمية للشباب هذه بعمق في حياة الكثيرين من الشباب في كلِّ بقعة من بقاع العالم. كذلك، عندما يتم الاحتفال بالأيام العالمية للشباب على المستوى المحلي، يكون لها بالغ الأهمية لكنائس معينة وهو يهدف إلى توعية الجماعة الكنسية بأكملها –العلمانيين والكهنة والمكرّسين والعائلات والبالغين والمسنين– حول رسالتهم القاضية بنقل الإيمان إلى الأجيال الشابة. ذكّرتنا الجمعية العامة لمجمع الأساقفة حول موضوع "الشباب والإيمان وتمييز الدعوة" (٢٠١٨) بأن الكنيسة بأسرها، بما في ذلك الكنيسة الجامعة والمحلية وكل عضو من أعضائها، يجب أن تتحمل المسؤولية عن الشباب، وأن تكون على استعداد للسماح لأنفسنا بمواجهة أسئلتهم ورغباتهم وصعوباتهم. لذلك، فإن الاحتفال بأيام الشباب هذه على المستوى المحلي مفيد للغاية في إبقاء الكنيسة واعية لأهمية السّير مع الشباب وقبولهم والاصغاء إليهم بصبر، مع إعلان كلمة الله لهم بمحبّة وقوّة. فيما يتعلق تحديدًا بموضوع عقد الأيام العالمية للشباب على المستوى المحلي، وضعت هذه الهيئة، في إطار اختصاصها، بعض الإرشادات التوجيهية الرعويّة لمجالس الأساقفة، ومجامع الكنائس البطريركيّة ورؤساء الأساقفة، والأبرشيّات، والحركات والجمعيات الكنسية، وأخيرًا وليس آخرًا، للشباب في جميع أنحاء العالم، بحيث تكون مناسبة "الأيام العالمية للشباب في الأبرشية" مناسبة للاحتفال "بالشباب" و"مع الشباب". تهدف الارشادات التوجيهية الرعوية إلى تشجيع الكنائس على اعطاء أهمية متزايدة للاحتفال الأبرشي بالأيام العالمية للشباب. ويجب أن تنظر إليها على أنّها فرصة مواتية، لكي تكون مبدعة في تخطيط وتنفيذ المبادرات التي تُظهر أن الكنيسة تعتبر رسالتها مع الشباب "أولوية رعوية، ذات أهمية في صنع عهدٍ جديدٍ يُستثمر فيه الوقت والجهد والموارد". يجب أن نحرص على أن تشعر الأجيال الشابة بأنها في محور اهتمام الكنيسة وعملها الرعوي. في الواقع، يريد الشباب أن يكونوا معنيين وأن ويُقدَّروا، وأن يشعروا بأنّهم شركاء أساسيين في حياة الكنيسة ورسالتها. وُضعت المبادئ التوجيهية التالية في المقام الأول مع وضع الأبرشيات المحلية في الاعتبار لأنَّ الأبرشيات هي إطار عمل الكنيسة المحلية والتعبير عنها، بيدَ أنه من الواضح أنه يجب تكييف هذه التوصيات مع مختلف الحالات التي تجد فيها الكنيسة نفسها في مناطق مختلفة من العالم. ومن الأمثلة على ذلك الحالات التي تكون فيها الأبرشيات صغيرة ولديها موارد بشرية ومادية قليلة تحت تصرفها. وفي هذه الحالات المحددة، أو حيث ينظر إلى الأمر على أنه وسيلة رعوية، يمكن للسلطات المجاورة أو المتداخلة أن توحّد قِواها للاحتفال بيوم الشباب. وقد تكون مجموعة من عدة ولايات قضائية أو مناطق كنسية، أو أن تكون على المستوى الوطني.
2. الاحتفال الأيام العالمية للشباب على الصعيد المحلي في عيد يسوع الملك
في نهاية قداس عيد يسوع الملك في ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢٠، دعا البابا فرنسيس إلى استئناف الاحتفال بالأيام العالمية للشباب في الكنائس المحلية. وقد أعلن أن هذا الاحتفال الذي كان يُقام عادةً يوم أحد الشعانين، سيبدأ الاحتفال به عام ٢٠٢١ يوم عيد يسوع الملك. في هذا الصدد، نذكّر أنه في احتفال عيد يسوع الملك عام ١۹٨٤، دعا القديس يوحنا بولس الثاني الشباب إلى اجتماع بمناسبة السنة الدولية للشباب عام ١۹٨٥. شكّلت تلك المناسبة، إلى جانب الدعوة للاحتفال بسنة يوبيل الشباب في سنة الفداء (١۹٨٤)، بداية الرحلة الطويلة لليوم العالمي للشباب. وقال البابا يوحنا بولس الثاني: "في هذا العيد ... تُعلن الكنيسة ملكوت المسيح، الحاضر بالفعل، ولكنه لا يزال ينمو في سرّهِ نحو ظهوره الكامل. أنتم، أيُّها الشباب لا يمكن الاستغناء عنكم في حمل ديناميكيات ملكوت الله، رجاء الكنيسة والعالم". كانت تلك بداية الأيام العالمية للشباب: في يوم عيد يسوع الملك دُعي الشباب من جميع أنحاء العالم "ليأتوا إلى روما للمشاركة في لقاء مع البابا في بداية الأسبوع المقدس، يوم السبت ويوم أحد الشعانين". في الواقع، ليس من الصعب رؤية الصِلة بين أحد الشعانين وعيد يسوع الملك، ففي أحد الشعانين، يُحتفل بدخول المسيح إلى أورشليم على أنه: "ملك، وديع، راكبًا على أتان". وقد أعلنته الجموع (المسيا = المسيح) "هوشعنا لابن داؤود! مباركٌ الآتي باسم الرب! يضيف الإنجيلي لوقا لقب "الملك" إلى هتاف الجموع بـ"الآتي"، مؤكدًا أن المسيح هو ملك، وإنَّ دخوله إلى القدس ما هو إلا تتويجًا ملوكيًا: "مباركٌ الملك الآتي باسم الرب".
إنَّ البُعد الملوكي للمسيح بالنسبة للقديس لوقا مهم جدًّا، بحيث يظهر من بداية حياة المسيح وحتى نهايتها ويرافق كامل خدمته. عند حدث البشارة، يتنبأ الملاك لمريم العذراء بأنَّ الطفل الذي ستحبل به سيتسلّم من الرّب الإله "كرسي أبيه داود، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولن يكون لملكه نهاية". في لحظة الصلب المذهلة، وبينما يكتفي الإنجيليون الأخرون بمجرد ذكر إهانة اللصَّين اللذين صلبا مع يسوع، يُقدّم الإنجيلي لوقا الصورة المؤثرة "للّص التائب" الذي يصلّي إلى يسوع من على الصليب، قائلاً: "أُذكرني يا رب، متى جئتَ في ملكوتك". تُوضّح كلمات الاستقبال والغفران التي نطقَ بها يسوع استجابةً لهذه الصلاة أنّه ملك جاء ليخلّص: "اليوم ستكون معي في الفردوس". لذلك فإنَّ الإعلان الرئيسي الذي يجب أن يوجَّه إلى الشباب، والذي يجب أن يكون في محور كل أبرشية، تحتفل بالأيام العالمية للشباب في عيد يسوع المسيح الملك هو: إقبل المسيح! اقبله كملك في حياتك! إنه ملك، وقد جاء ليخلّصك! فبدونه لا سلام حقيقي، ولا مصالحة داخلية حقيقية، ولا مصالحة حقيقية مع الآخرين! فبدون ملكوته، يفقد المجتمع أيضًا وجههُ البشري. وبدون ملكوت المسيح، ستختفي كلّ الأخوّة الحقيقية والقرب الحقيقي من المتألمين. وأشار البابا فرنسيس إلى أن قلب الاحتفالين الليتورجيَّين؛ يسوع الملك وأحد الشعانين، يكمن في "سرّ يسوع المسيح مخلّص البشر". وأنَّ الرسالة الأساسية هي دائمًا أن المكانة الكاملة للبشرية تنبع من المحبة التي تُعطي نفسها للآخرين "الحق حتى النهاية". ولذلك، فإنّ هذه الدعوة موجهة إلى الأبرشيات للاحتفال بالأيام العالمية للشباب في عيد يسوع الملك. إن رغبة قداسة البابا أن يكون هذا اليوم يومًا للكنيسة الجامعة، تضع فيه الشباب في مركز الاهتمام الرعوي، وتصلّي من أجلِهم، وتشرك الشباب كشركاء أساسيين، وتعزّز التواصل. الأمثل هو أن يتمّ تنظيم حدث (أبرشي، اقليمي أو وطني) في اليوم الذي نحتفل به في عيد يسوع الملك. ولكن، قد يكون هناك أسباب لإقامة الحدث في تاريخ آخر. وينبغي أن يكون هذا الاحتفال جزءًا من مسيرة رعوية شاملة، حيث لا تشكّل الأيام العالمية للشباب سوى مرحلة واحدة منها. إنّه ليس من قبيل الصدفة أن يوصي الأب الأقدس بأنّه لا وجود لراعوية شباب إلا سينودسية، أي أنّها "مسيرة مشتركة".
3. الركائز الأساسية لليوم العالمي
خلال سينودُس الأساقفة حول موضوع "الشباب والايمان وتمييز الدعوة" تمحورت العديد من المساهمات التي قدّمها أعضاء السينودُس حول الأيام العالمية للشباب. وفي هذا الصدد، تنص الوثيقة الختامية على أن "يوم الشباب العالمي – ثمرة الرؤية النبويّة للقديس يوحنا بولس الثاني، الذي لا يزال يلهم الشباب في الألفية الثالثة –والاجتماعات الوطنية والأبرشية تلعب دورًا مهمًا في حياة العديد من الشباب، لأنها تقدّم خبرة حيّة للإيمان والشركة يمكن أن تساعدهم على مواجهة تحديات الحياة الكبيرة وأخذ مكانهم بمسؤولية في المجتمع وفي الكنيسة". وإذ تؤكد الوثيقة على أنَّ هذه التجمعات تشير إلى "المرافقة الرعوية العادية من قِبل الجماعات الفردية، حيث يجب مشاركة الإنجيل وترجمته إلى قرارات حياتية"، تؤكد على "توفير إمكانية السير معًا كما لو كان في رحلة حج، واختبار الأخوّة مع الجميع، ومشاركة الإيمان بفرح، والتقرّب أكثر من الكنيسة". لنكتشف بعضًا من هذه "الركائز" التي يجب أن تكون موجودة في صميم كل يوم من الأيام العالميّة للشباب، حتى على الصعيد المحلي، والتي لها قيمة برامجية واضحة.
يوم الشباب كـ "احتفال بالإيمان"
تُقدّم الأيام العالمية للشباب تجربة حيَّة ومبهجة للإيمان والشركة، مساحة لاختبار جمال وجه الله. في قلب حياة الإيمان يكمن لقاؤنا بشخص يسوع المسيح، لذلك من الجيد أن يكن كل يوم عالمي للشباب صدى يدعو كلّ شاب للقاء المسيح والدخول في حوار شخصي معه. "ثم هناك الاحتفال الأكبر وهو عيد الإيمان، عندما نسبّح الرّب معًا، ونرنّم، ونستمع إلى كلمة الله ونبقى في صمت العبادة: كل هذا هو ذروة الأيام العالمية للشباب". من هذا المنطلق، يمكن لبرنامج النسخة الدولية لليوم العالمي للشباب (إعلان الانجيل، التنشئة، الشهادة، الأسرار المقدسة، والعروض الفنّية...) أن يكون مصدر إلهام على المستوى المحلي بحيث يمكن تكييفه بطريقة خلاقة ومبتكرة. مع ايلاء اهتمام خاص لأوقات العبادة الصامتة للقربان الأقدس كفعل إيمان بامتياز ولليتورجية التوبة كمكان خاص للقاء رحمة الله. كذلك، لا يجب أن يغيب عن بالنا في كل يوم من الأيام العالمية للشباب، أنَّ الحماس الطبيعي للشباب والاندفاع الذي من خلاله يعانقون الأمور التي تجعلهم يشاركون والتي تطبع أيضًا أسلوب عيشهم للإيمان، جميع هذه الأمور تحفّز وتعزز إيمان شعب الله بأسره. وإذ يدعوهم الإنجيل إلى عيش خبرة مع الرب، غالبًا ما يصبح الشباب شهودًا شجعانًا للإيمان. وهذا الأمر يحوّل حدث الأيام العالمية للشباب شيئًا مدهشًا وفريدًا.
يوم الشباب كـ "خبرة في الكنيسة"
من المهم أن يكون الاحتفال بالأيام العالمية للشباب في الأبرشيات مناسبة ليختبر الشباب الشركة الكنسية ولكي يزداد الوعي لديهم بكونهم جزءًا لا يتجزأ من الكنيسة. إن الطريقة الأولى لإشراك الشباب هي الاصغاء إليهم. عندما نقوم بالتحضير ليوم الشباب الأبرشي، نحن بحاجة إلى إيجاد الأوقات والطرق المناسبة لإسماع صوت الشباب داخل هيكليات الشركة الكنسية القائمة من: المجالس الأبرشية، وبين الأبرشية، ومجالس الكهنة، ومجالس الأساقفة المحلية. لا ننسينَّ أبدًا أنّهم الوجه الشاب للكنيسة! إلى جانب الشباب، ينبغي أن يكون هناك مجال لمختلف المواهب الموجودة في الولاية القضائية. من الضروري أن يكون تنظيم احتفال الأبرشية أو الرعية بالأيام العالمية الشباب جامعًا وشاملاً، وأن يعمل على اشراك كل الفئات العمرية في مشروع يدعو إلى العمل "السينودسي"، كما طلب الأب الأقدس في الارشاد الرسولي "Christus vivit": "إذ نتحلّى بهذا الروح، يمكننا أن نسير نحو كنيسة تشاركية ومسؤولة، قادرة على تقييم غنى التنوّع الذي يكوّنها، وتقبل بامتنان إسهام المؤمنين العلمانيّين، بمن فيهم الشباب والنساء، وإسهام الحياة المكرّسة، رجالا ونساء، وإسهام الجماعات والجمعيّات والحركات. كذلك لا يجب أن يتمَّ استبعاد أيّ شخص، أو أن يَستبعِد أيّ شخص نفسه". بهذه الطريقة، سيكون من الممكن تجميع وتنسيق جميع القوى الديناميكية للكنيسة الخاصة، وإيقاظ القوى الساكنة. في هذا السياق، يشكّل وجود الأسقف المحلي واستعداده ليكون بين الشباب علامة واضحة عن المحبّة والقرب. وكثيرًا ما يكون احتفال الأبرشيات بالأيام العالمية للشباب فرصة لالتقاء الشباب بأسقفهم والتحدّث معه. يشجّع البابا فرنسيس هذا النمط الرعوي من القرب، حيث "يجب أن نعطي الأولوية في هذا البحث للغة القرب، وهي لغة الحبّ المجّاني، العلائقي والوجودي الذي يلمس القلب، ويبلغ الحياة، ويوقظ الرجاء والأماني".
يوم الشباب "كخبرة تبشيرية"
لقد أثبتت الأيام العالمية الشباب على الصعيد الدولي على أنّها فرصة ممتازة لكي يكون لديهم خبرة تبشيرية إرسالية. ويجب أن يكون هذا هو الحال أيضًا بالنسبة لأيام الشباب في الأبرشية. وكما يقول البابا فرنسيس "على خدمة الشباب أن تكون دائمًا راعوية إرسالية ". من أجل تحقيق هذا الغرض، من الممكن تنظيم بعثات تشجّع الشباب على زيارة الناس في منازلهم حاملين رسالة رجاء أو كلمة تعزية أو حتى ببساطة الاستعداد للاستماع إليهم. وحيثما أمكن، يمكن أن يتم الاستفادة من حماس الشباب لتمكينهم من قيادة احتفالات البشرى الإنجيلية بمرافقة التراتيل والصلاة وشهادات الحياة. بإمكانهم الذهاب إلى الشوارع والساحات في المدن حيث يجتمع أقرانهم، لأنّ الشباب هم أفضل مبشرين للشباب أنفسهم. والواقع أن حضورهم وايمانهم المفرح يشكّلان بالفعل "الاعلان الحي" للبشارة التي تجذب شبابًا آخرين. كما ينبغي تشجيع النشاطات التي يختبر فيها الشباب العمل التطوعي والخدمة بحرية وبذل الذات. كذلك لا يجب أن ننسى أن الكنيسة تحتفل في يوم الاحد قبل عيد يسوع الملك باليوم العالمي للفقراء. ما أفضل من هذه الفرصة لتشجيع المبادرات التي يعطي فيها الشباب من وقتهم وطاقتهم لصالح أكثر الفئات حرمانًا وتهميشًا والذين يتغاضى عنهم المجتمع. بهذه الطريقة تتاح للشباب الفرصة ليصبحوا "رواد ثورة المحبّة والخدمة، قادرين على مقاومة أمراض النزعة الاستهلاكية والفردية السطحية".
عيد الشباب "فرصة لتمييز الدعوة" و "دعوة إلى القداسة"
في إطار تجربة إيمانية كنسية وإرسالية غنية، ينبغي إعطاء الأولوية لبعد الدعوة. إنّها مقاربة تدريجية تساعد الشباب قبل كلِّ شيء لكي يدركوا أن حياتهم بأكملها توضعُ أمام الله الذي يحبهم ويدعوهم. لقد دعاهم الله أولا إلى الحياة، ويدعوهم دائما إلى السعادة. إنّهم مدعوون للتعرف على الله والإصغاء إلى صوته، وفوق كلّ شيء هم مدعوون لقبول ابنه يسوع كمعلم وصديق ومخلّص لهم. إن إدراك هذه "الدعوة الأساسية" والتعامل معها هو أول تحدٍّ كبير يواجهه الشباب. عندما تؤخذ هذه "النداءات" الأولى من الله على محمل الجد، فهي تشير إلى خيارات حياتية ملحّة. وهي تشمل قبول وجودنا كعطية من الله، وبالتالي يجب أن يُعاش في إشارة إلى الله وليس بطريقة رجوع إلى الذات؛ اختيار الطريقة المسيحية للعيش في عواطفنا وعلاقاتنا الاجتماعية؛ اختيار الدراسات؛ الالتزام بالعمل واختيار مستقبلنا بأكمله بحيث يكون منسجمًا تمامًا مع الصداقة مع الله التي اعتنقناها ونريد الحفاظ عليها؛ اختيار جعل كل وجودنا هبة للآخرين ليعيشوا في الخدمة والحبّ غير الأناني. وغالبًا ما تكون هذه الخيارات جذرية استجابة لدعوة الله التي تعطي توجيهًا حاسمًا لحياة الشاب بكاملها. يقول البابا فرنسيس لهم: "إنَّ الحياة هي وقت لاتخاذ خيارات قويّة وحاسمة وأبدية. إن الخيارات البسيطة تؤدي إلى حياة تافهة؛ والخيارات العظيمة إلى حياة عظيمة". في إطار الدعوة الواسع هذا، لا يجب أن نخاف من أن نعرِضَ على الشباب الخيار الذي يجب أن يتكوّن من حالة حياتية تتناسب مع الدعوة التي يوجهها الله لكلِّ واحدٍ منهم على حدة، سواء كان ذلك في الكهنوت أم في الحياة المكرّسة، بما في ذلك الحياة الرهبانيّة، أو الزواج والعائلة. من هذا المنطلق، فإنَّ مشاركة الإكليريكيين والمكرّسين والمتزوجين والعائلات من الممكن أن تكون مفيدة. بحضورهم وشهادتهم، يمكنهم أن يحثّوا الشباب على طرح الاسئلة المناسبة المرتبطة بدعوتهم وعلى الرغبة في البحث عن "الخطة العظيمة" التي يعدّها الله لهم. تتعيّن مرافقة الشباب وارشادهم بحكمة في العملية الدقيقة التي ترشدهم لاتخاذ هذه الخيارات. وعندما يحين الوقت، ينبغي تشجيعهم على اتخاذ قرارهم الشخصي بطريقة حاسمة واثقين بمساعدة الله. وينبغي ألا يظلّوا عالقين في حالة تردّد دائمة. يجب أن يكون في صميم كل خيار دعوة أعمق للقداسة ويجب أن يتردد صدى الدعوة إلى القداسة في الشباب بوصفها الطريق الحقيقي للسعادة وتحقيق الذات. إن القداسة تتناسب مع تاريخ وشخصية كل شاب. فهي لا تضع حدودًا للطرق الغامضة التي يخبّئها الله لكلِّ واحد والتي يمكن أن تؤدي إلى قصص قداسة بطولية -كما حدث ولا يزال يحدث مع العديد من الشباب- أو إلى "القداسة القريبة" التي لا يستبعد منها أحد. لذلك من الملائم ان نستفيد أكثر من الإرث الغني لقديسي الكنيسة المحلية والعالمية، أولئك الإخوة والأخوات الأكبر في الإيمان، الذين تؤكد لنا قصصهم أن طريق إلى القداسة ليس ممكنا وعمليا فحسب، بل أنّه يمنحنا أيضًا فرحًا عظيمًا.
يوم الشباب كـ "خبرة حج"
لقد كانت الأيام العالمية الشباب حجًا عظيمًا منذ البداية. لقد كانت رحلة حج عبر الزمان والمكان وقد سافرَ الحجاج من مدن، بلدان وقارات مختلفة إلى المكان الذي يتم اختياره للقاء قداسة البابا والشباب الاخرين. لقد انتقل الحج عبر الزمن من جيل من الشباب إلى الجيل التالي الذي "يستلم الشعلة"، وقد طبع ذلك بعمق حياة الكنيسة خلال السنوات الخمس والثلاثين الماضية. ولذلك فإن شباب الأيام العالمية الشباب يشكّلون شعباً من الحجّاج. إنهم ليسوا مشردين يتنقلون بلا هدف، إنهم شعبٌ متحد، حجاج "يسيرون معا" نحو هدف، نحو لقاء مع الشخص الذي يستطيع أن يعطي معنى لوجودهم، الإله الذي أصبح واحدًا منَّا والذي يدعو كل شاب إلى أن يكون تلميذًا، وأن يترك كل شيء ويتبعه. يتطلّب الحج مقاربة بسيطة تطلب من الشباب أن يتركوا وراءهم وسائل الراحة الفارغة والحقائق اليقينية، وأن يتبنوا أسلوب سفر رزين ومنفتح على العناية الإلهية و"مفاجآت الله"، أسلوب يعلّمهم أن يتجاوزوا أنفسهم ويواجهوا التحديات التي يصادفونها على الطريق. يمكن أن يقترح الاحتفال في الأبرشيات بالأيام العالمية الشباب طرقًا محددة لكي يعيش الشباب خبرات حج حقيقية. فهذه هي الخبرات التي تشجّع الشباب على مغادرة منازلهم والانطلاق في مسيرة، وفي الطريق يتعرّفون على عرق المسيرة وكدحها، وتعب الجسم وفرح الروح. غالبا ما نكوّن صداقات جديدة من خلال الحج معًا، ونختبر الإثارة في تشارك في المثل العليا نفسها ونحن نتطلع معًا نحو هدف مشترك بدعم متبادل في الصعوبات وفرحة مشاركة القليل الذي لدينا. وكل ذلك ذو أهمية حيوية في الوقت الحاضر لأن العديد من الشباب يواجهون خطر عزل أنفسهم في عوالم افتراضية غير حقيقية، بعيدة عن الطرق الترابية والشوارع في العالم ونتيجة لذلك، فإنهم يُحرمون من الشعور العميق بالرضا الذي يتأتى من بلوغ الهدف المنشود بشق الأنفس والصبر، لا بمجرد نقرة بسيطة، بل بثبات ومثابرة جسدًا وروحًا. من هذا المنطلق، يمثّل يوم الشباب في الأبرشيات فرصة عظيمة للأجيال الشابة لاستكشاف المزارات المحلية وغيرها من الأماكن المهمة للتقوى الشعبية. يجب ألا يغيب عن بالنا أنّ "مختلف مظاهر التقوى الشعبية، وخاصة الحجّ، تجذب الشباب الذين لا يندمجون عادة بسهولة في الهيكليات الكنسية، وهي تعبير ملموس عن ثقتهم بالله".
يوم الشباب كـ "خبرة للأخوَّة العالمية"
يجب أن يكون يوم الشباب العالمي فرصة للشباب للقاء بحيث أنه لا يقتصر على الشباب الكاثوليكي وحسب. "كل شاب لديه ما يقوله للآخرين. لديه ما يقوله للبالغين، لديه ما يقوله للكهنة والمكرّسين والأساقفة وحتى للبابا". وفي هذا الصدد، يمكن أن يكون الاحتفال في الأبرشيات بالأيام العالمية الشباب فرصة سانحة لجميع الشباب الذين يعيشون في منطقة ما ليلتقوا ويتحدثوا مع بعضهم البعض، بغضّ النظر عن معتقداتهم، أو رؤيتهم للحياة أو قناعاتهم. يجب أن يشعر كلّ شاب أنّهُ مدعو للمشاركة ويكون موضع ترحيب كأخ أو أخت. وعلينا أن نبني "رعوية الشباب قادرة على خلق فسحات شاملة، حيث يوجد مكان لجميع أنواع الشباب وحيث يظهر حقًا أننا كنيسة أبوابها مفتوحة" …
هذا النصّ نُشر على موقع فاتيكان نيوز، لقراءة المزيد اضغط هنا.