الأسرة والصلاة... العظة الأسبوعيّة لقداسة البابا تواضروس الثاني
بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين، تحل علينا نعمته ورحمته من الأن وإلى الأبد آمين.
من سفر يونان النبي الأصحاح الثاني (صلاة يونان).
فَصَلَّى يُونَانُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِ مِنْ جَوْفِ الْحُوتِ، وَقَالَ: "دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي الرَّبَّ، فَاسْتَجَابَنِي. صَرَخْتُ مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ، فَسَمِعْتَ صَوْتِي. لأَنَّكَ طَرَحْتَنِي فِي الْعُمْقِ فِي قَلْبِ الْبِحَارِ، فَأَحَاطَ بِي نَهْرٌ. جَازَتْ فَوْقِي جَمِيعُ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ.فَقُلْتُ: قَدْ طُرِدْتُ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيْكَ. وَلكِنَّنِي أَعُودُ أَنْظُرُ إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. قَدِ اكْتَنَفَتْنِي مِيَاهٌ إِلَى النَّفْسِ. أَحَاطَ بِي غَمْرٌ. الْتَفَّ عُشْبُ الْبَحْرِ بِرَأْسِي. نَزَلْتُ إِلَى أَسَافِلِ الْجِبَالِ. مَغَالِيقُ الأَرْضِ عَلَيَّ إِلَى الأَبَدِ. ثُمَّ أَصْعَدْتَ مِنَ الْوَهْدَةِ حَيَاتِي أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي. حِينَ أَعْيَتْ فِيَّ نَفْسِي ذَكَرْتُ الرَّبَّ، فَجَاءَتْ إِلَيْكَ صَلاَتِي إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ. اَلَّذِينَ يُرَاعُونَ أَبَاطِيلَ كَاذِبَةً يَتْرُكُونَ نِعْمَتَهُمْ. أَمَّا أَنَا فَبِصَوْتِ الْحَمْدِ أَذْبَحُ لَكَ، وَأُوفِي بِمَا نَذَرْتُهُ. لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ".
كل سنة وحضرتكم طيبين بمناسبة هذا الصوم المحبوب في كنيستنا صوم يونان النبي وصوم أهل نينوى الصوم الذي نتبارى في ممارسته، وهو مقدمة للصوم الكبير الذي يبدأ بعد أسبوعين، تكلمنا سابقًا عن الأسرة والكتاب المقدس، الأسرة والحوار، الأسرة والتدبير، واليوم الحلقة الرابعة الأسرة والصلاة، ويونان حٌبس داخل جوف الحوت وظل بداخله ثلاث أيام حتى أمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر، وقعدتنا بداخل البيت قد تشبه يونان في جوف الحوت ومن ضمن الإجراءات الاحترازية التي قمنا بها في ظل وجود فيروس كورونا كان أهمها هو الجلوس بالمنزل لنقلل التواجد الجماعي لتقليل انتشار الوباء وانتقال العدوى وذلك في العالم كله وتغير شكل الحياة، أجمل شيء أن تحول هذا الوقت إلى صلاة وربما سمح الله بانتشار الوباء ليعطي فرصة للإنسان أن يلتقط الأنفاس والإنسان ينتبه إلى خالقه ويعيد النظر في حياته ويقضى وقت مع إلهه في هدوء وحب وراحه داخلية.
آباء كثيرين تكلموا عن الصلاة "الصلاة هي رفع العقل إلى الله" "الصلاة التصاق بالله في جميع لحظات الحياة ومواقفها فتصبح الحياة صلاة واحدة بلا انقطاع ولا اضطراب" الصلاة مصدر وأساس لبركات لا تحصى" " الصلاة مقدمة لجلب السرور" يقول لنا القديس يوحنا ذهبي الفم:" فقدان حياة الصلاة هو فقدان لحياة النفس وهما شيء واحد لا ينفصل" ويقول لنا القديس يوحنا الدرجي: "سر دوام النعمة والفضيلة هو في دوام الصلاة" ويقول " صلاتك يمكن أن تسندك يوميًا وأنت ترفع قلبك" " لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ " وأنت تصلي داخل بيتك مع أسرتك وكأنكم ترفعوا بخور وهذا البخور يصل إلى الله مثل البخور الذي يقدم بداخل الكنيسة الذي يرفع صلوتنا إلى السماء، الصلاة في مسيحيتنا هي حديث حب بين الإنسان والله وهى فرصة محبوبة وهى وقت ليتمتع الإنسان بالحضور الإلهي، وداود النبي يقول " أَمَّا أَنَا فَصَلاَةٌ " أي أن حياته كلها تحولت إلى صلاة وكما تقول عروس النشيد " أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ "، والجهاد الروحي في الصلاة يجعل الإنسان في حالة روحية مرتفعة فلا توجد نعمة عند الإنسان الذي لا يصلي وتكون الصلاة هي وسيلة الشبع بالله والتأمل في أعماله وصفاته، الصلاة شكل من أشكال التسبيح والتسبيح عبارة كلمة ونغمة وهذه النغمة نغمة روحية غير متعبه للنفس وتجد النفس تتهلل مع النغمات كما يقول في ابصالية السبت "أعطى فرحًا لنفوسنا تذكار اسمك القدوس" ومجرد ذكر اسم الله يجعل هناك فرح داخل الإنسان، لذلك علمتنا الكنيسة أنه من الأشياء التي يمكن أن نفعلها بداخل البيت ونحن مجتمعين كأسرة صلوات الأجبية وقراءة السنكسار والكتاب المقدس وكتب سير القديسين وفي كتاب الابصلمودية ولكن من أكتر الكتب التي تلازم الإنسان يوميًا وعبر ساعات اليوم كتاب الأجبية (صلوات السواعي) وهى مقسمه على مدار اليوم وهى صلوات ممتلئ بالتأملات ورتبها الآباء على مراحل حياة السيد المسيح ولكن يبدأوها بتذكار القيامة في صلاة باكر لأن القيامة كانت فجرًا وكأن صلاة باكر كل يوم كأنك تعيد قيامة المسيح كل يوم، وصلاة الثالثة هي حلول الروح القدس وصلاة السادسة ١٢ ظهرًا نتذكر صليب ربنا يسوع المسيح، التاسعة ٣ بعد الظهر نتذكر انزال جسد المسيح من على الصليب، الغروب الساعة ٥ نتذكر فيها دفن السيد المسيح، النوم في دخول الليل ونسميها (الموت الصغير)، نصف الليل هي ثلاث أقسام وتدور عن الاستعداد للسماء، وصلوات الأجبية مبنيه على سفر المزامير الذي واضعه داود النبي وهو أكبر أستاذ في الصلاة والله يشهد لداود فتشت قبل داود وجدته شبه قلبي، والأجبية كتاب يعلمك روح الصلاة وتعيش حياة السيد المسيح طوال اليوم وما أشهى ذلك، وشيء جميل أن تكون هناك صلاة تجمع الأسرة داخل البيت لأنك تزرع روح الصلاة داخل البيت وتقدسه فأنت تقطتع وقت من الزمن وتجعله مخصوص إلى الله صاحب الزمن.
أولًا: الأجبية تنقل للإنسان روح الإنجيل لأن كل عبارتها مأخوذة من الكتاب المقدس فيصير الإنسان له الطابع الإنجيلي " اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ " أخذ كلامك يأرب وأصلي به لتكون لي الروح والحياة، ومعنا ذلك أنك تعيش مع السيد المسيح تعيش (المعية مع المسيح)، ترافق وتلتصق بحياة السيد المسيح ونسميها الحياة المعاشه في المسيح.
ثانيًا: صلوات الأجبية تعطينا اليقظة الروحية يكون الإنسان منتبه لنفسه، الأجبية مثل المنبه توقظ الإنسان وتجعل القلب مرتبط بالله باستمرار.
ثالثا: نجد في الأجبية المشاعر الإنسانية المتعددة " مِنَ الأَعْمَاقِ صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ " " طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى الْمِسْكِينِ. فِي يَوْمِ الشَّرِّ يُنَجِّيهِ الرَّبُّ" " الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ "، المزامير تعبر عن حياتك وأعماقك وأفكارك وتساعد الإنسان أن يعبر عن مشاعرة الداخلية.
رابعًا: الأجبية لها أهمية كبيرة أنها تقدس اليوم فتصير حياتك مقدسة وتحدث نوع من تقديس العمر، أجعل قلبك دائمًا ملتفت إلى الله ويكون قلبك مصلي وشاكر، وصلوات المزامير تحمي الإنسان من فترات الجفاف والكسل الروحي، وجود صلاة المزامير داخل بيتك وأنتم مجتمعون يصد الأرواح الشريرة ويبعد الأفكار الشريرة، الصلاة تفعل نوع من التطهير والتنقية وتجعل الحياة مستمرة، وصلاة المزامير هي فرصة جميلة أن تشترك فيها الأسرة وتصبح روح الصلاة هي التي تغلب علينا داخل البيت والقديس مارأسحق يقول" جاهد أن تدخل حجرتك الداخلية وسوف ترى حجرة السماء" حجرتك الداخلية هي قلبك ويقولوا لنا في رفاع الصوم الكبير " فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ " المخدع هو القلب، ادخل إلى قلبك وصلي وسوف تتمتع بحلاوة السماء، وكل ما تصلي ترتفع وتصير الأرض أمامك صغيرة ويصير فكرك وطموحاتك سماوية وتربي أولادك بطريقة السماء فيصير لهم مكان في السماء.
هذا النصّ نشر على صفحة “المتحدّث الرسمي بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة” على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد اضغط هنا.