عيد القدّيس مار يعقوب السروجي وذكرى مرور 1500 سنة على رقاده: 29 تشرين الثّاني/ نوفمبر

  لمناسبة عيد القدّيس مار يعقوب السّروجيّ، المصادف في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثّاني/ نوفمبر، ولا سيّما مصادفة هذا العام ذكرى مرور 1500 سنة على رقاده، ننشر مختصرًا عن سيرة هذا القدّيس، وذلك بعد أن أصدر غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السّريان الكاثوليك الأنطاكيّ، في 31/12/2016، مرسومًا بطريركيًّا، أضاف بموجبه عيد هذا القديس إلى "كلندار" (تقويم) الكنيسة السّريانيّة الكاثوليكيّة الأنطاكيّة، مع أعياد وتذكارات عدد من القدّيسين والشهداء والآباء والملافنة، وذلك عملًا بقرار السّينودس المقدّس المنعقد من 3 حتّى 8/10/2016:

    سيرة حياة القدّيس مار يعقوب السروجي:

    وُلِدَ مار يعقوب السروجي في قرية كورتم الواقعة على ضفّة الفرات سنة 451 م. كان أبوه كاهناً وكانت أمّه عاقراً. فصلّيا ونذرا إلى الله ليرزقهما طفلاً، فاستجاب لهما الله بعد فترة زمنية قصيرة، ورزقهما طفلاً سمّياه يعقوب.

    لمّا بلغ يعقوب سنّ الثالثة من عمره، أخذته أمّه إلى الكنيسة للصلاة. وفي أثناء صلاة دعوة حلول الروح القدس على الأسرار، نزل الطفل من حضن أمّه وأخذ يشقّ صفوف المصلّين نحو المذبح حتّى بلغ مائدة الحياة، فجثا أمامها، ونزل ملاك الرب، ومنحه موهبة الله. أمّا الطفل يعقوب فبسط يديه، وكأنّه شرب ثلاث حفنات من جدول مياه ظهر أمامه في تلك اللحظات الرهيبة، ثمّ عاد إلى أُمّه، تحيطه هالة من نور، والكلّ ينظرون إليه بانذهال.

    تعلّم يعقوب في مدرسة الرها، وكان ينظم في هذه المدرسة وفي سنّ الثانية عشرة القصائد البديعة بموهبة شعرية فريدة، نظراً لما أنعم عليه الروح القدس، كما يشير القديس بنفسه في بيت من الشعر فيقول: "ܟܰܕ ܝܰܗ̱ܒܬܳܗ̇ ܠܝ ܠܐ ܝܳܕܰܥ ܗ̱ܘܝܬ ܡܳܢܐ ܢܶܣܒܶܬ܆ ܘܗܳܫܐ ܕܝܶܕܥܶܬ ܬܘܒ ܐܰܘܣܶܦ ܠܝ ܟܰܕ ܠܐ ܦܶܪܥܶܬ"، أي "حين منحتَني إيّاها لم أكن أعلم ما نلتُ، أمّا الآن فبعد أن عرفتُ، زِدني منها أضعافاً كثيرة".

    وبعد أن تخرّج يعقوب في سنّ الخامسة عشرة، ترهّب وتنسّك. وذاع صيت الراهب يعقوب الشاعر العجيب، ووصلت أخباره إلى أساقفة المنطقة الذين أسرعوا إلى فحص موهبته الشعرية. فاجتمع خمسة أساقفة، بحضور جمهور غفير من الإكليروس والمؤمنين، وإذ رأوا على جدار المذبح صورة المركبة الإلهية التي تجلّت لحزقيال النبي، سألوه أن يصفها. فارتجل الراهب يعقوب قصيدته المشهورة في مركبة حزقيال، ومطلع هذه القصيدة: "ܪܳܡܐ ܕܝܳܬܶܒ ܥܰܠ ܡܰܪܟܰܒܬܐ ܕܠܐ ܡܶܬܒܰܨܝܐ܆ ܢܶܬܡܰܠܰܠ ܒܝ ܡܺܐܡܪܐ ܕܬܶܗܪܐ ܥܰܠ ܪܰܒܘܬܳܟ...أيّها السامي الجالس على المركبة المتعالية، تحدَّثْ من خلالي بشعر عجيب عن عظمتك..."، أوردَ فيها 396 آية من الكتاب المقدس، وكان ذلك في كنيسة بطنان سروج (ويقال أيضاً في كنيسة نصيبين)، فأقرّوا له بالشاعرية، وطلبوا منه أن يكتب كل ما يقول.

    سيم يعقوب كاهناً، ثمّ قُلِّد رتبة الزائر (برديوط) لبلدة حورا. فطفق يطوف على أديار بلاد الفرات وسوريا كما كان يفعل المعلّم الصالح (الرب يسوع)، يجوب المدن والقرى، يعلّم ويصنع خيراً، حتّى نال الثقة والأمانة والتقى والعلم لدى آلاف الرهبان. وكان يعقوب هادئ الطباع، مسالماً ومُحبّاً، لا يغوص في المواضيع اللاهوتية العويصة لئلا يزلّ ويستكبر.

    من تعاليم مار يعقوب: "إنّ الله كائن فوق الكلّ وتحت الكلّ وداخل الكلّ وفي الكلّ وخارج الكلّ (أف 4: 6): الله هو فوق الكلّ، كالرأس الذي هو فوق جميع الأعضاء، وبه ترتبط وتحيا. وهو تحت الكلّ، كالرِجلين اللتين تحملان ثقل الجسم كلّه، وبدونهما لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة. وهو داخل الكلّ، كروحانية النفس المستترة وغير المنظورة (مادّياً). وهو خارج الكلّ، كالعقل الذي يُحلِّق ولا يُحَدّ. وهو في الكلّ، كالنفس الكائنة في جميع أعضاء الإنسان، ولا يمكنه أن يحيا بدونها. هكذا هو الله، فوق وتحت وداخل وخارج وفي الكلّ".

    كان يعقوب ناسكاً يعتبر نفسه غير أهلٍ لرتبة الأسقفية، ولكن عندما اشتدّ الاضطهاد على الكنيسة، قَبِلَ يعقوب أن يُرسَم أسقفاً. ففي كانون الأول عام 518 سيم أسقفاً على أبرشية بطنان سروج، ومن هنا جاءت تسميته بالسروجي. فأحسن القيام بأمر رعيته، وكان مثال الراعي الصالح الذي يبذل نفسه من أجل الرعية.

    وبعد سنة وأحد عشر شهراً على سيامته أسقفاً، انتقل الأسقف يعقوب إلى جوار ربّه في 29 تشرين الثاني عام 520. وبعد دهرٍ طويل، نُقل بعض رفاته إلى هيكلٍ خاص به في مدينة ديار بكر.

    مكانة القديس مار يعقوب السروجي ومؤلّفاته:

    لقّبت الكنيسة القديس مار يعقوب السروجي بالملفان، وكنّارة الروح القدس (وهذه التسمية أعطيت فقط للمرتّل الإلهي داود وللقديسين مار أفرام السرياني ومار يعقوب السروجي)، وقيثارة البيعة، وإكليل الملافنة وزينتهم وفخرهم.

    وجدت الكنيسة حوالي 763 قصيدة لمار يعقوب نسخها الرهبان مباشرةً عنه (ناهيك عن تلك الضائعة)، وبلغ عدد أبيات بعض القصائد 3000 بيتاً، معظمها على وزن شعري استنبطه هو، وهو الوزن الإثني عشري، ليؤكّد أنّ تعاليمه هي تعاليم الرسل الإثني عشر الأطهار، والتي هي تعاليم ربّنا وإلهنا يسوع المسيح …

هذا الخبر نُشر على موقع بطريركيّة السريان الكاثوليك الأنطاكيّة، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

بيان بطيركيّة بابل للكلدان حول الإعتداء على بيت أحد المسيحيّين في مدينة العمارة

Next
Next

الذّكرى السّادسة عشر لجلوس غبطة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث على عرش الكرسيّ البطريركيّ الأورشليميّ