عظة غبطة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي الأحد الخامس بعد الصّليب في بكركي

تجدون في التالي عظة غبطة بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، الأحد الخامس بعد الصّليب، يوم الأحد 17 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2021، في بكركي، لبنان:

"صارت الصيحة هوذا العريس آتٍ، أخرجوا للقائه" (متّى 25: 6)

1. مثل العذارى العشر يشرح مجيء الربّ يسوع المثلّث: الأوّل مجيئه بالمجد في نهاية الأزمنة. الثّاني مجيئه في حياتنا اليوميّة، وهو حاضر في الكنيسة، ويواصل رسالته من خلالها، وهي جسده، ومن خلال أبنائها وبناتها أعضاء جسده. الثّالث مجيئه عند ساعة موت كلّ واحد منّا.

المطلوب أن يكون الإنسان في حالة الإنتظار بالتزامه الواجب اليوميّ تجاه اللّه والذات والعائلة والمجتمع. إنتظار مجيء الربّ اليوميّ يقتضي الاستنارة بكلامه ومثله، وبإلهامات الروح القدس، وباكتشاف إرادة اللّه، في كلّ عمل وقول ومبادرة وموقف. انتظار مجيئه عند ساعة الموت يقتضي العيش في حالة اتّحاد دائم مع الله، والنهوض من سقطات الخطيئة بواسطة سرّ التوبة والمصالحة، والمشاركة في ذبيحة القدّاس وتناول جسد الربّ ودمه. انتظار مجيئه بالمجد في نهاية الأزمنة يقتضي العمل الدائم على نشر إنجيل الحقيقة والمحبّة، وبناء مدينة الأرض على العدالة والسلام، وجعل المجتمع البشريّ أكثر إنسانيّة وفي حالةٍ أفضل.

2. يطيب لي أن أرحّب بكم جميعًا، وأن أوجّه عاطفة تعزية إلى عائلة المرحوم سامي كحّالي الذي ودّعناه بالأسى الشديد والصلاة مع زوجته وأولاده وعائلاتهم والأنسباء منذ ثلاثة أشهر. نصلّي لراحة نفسه وعزاء أسرته. إنّه صديق عزيز تعاونت معه عندما كنت كاهن رعيّة أدونيس-زوق مصبح. فترك هو وعائلته في قلبي ذكرًا طيّبًا. كما أوجّه عاطفة تعزية إلى عائلة المرحومة هيلانه طوبيا سلامه، أرملة المرحوم جورج شاهين الأشقر، التي ودّعناها بالأسى والصلاة مع ابنيها وابنتها وعائلاتهم، ومع أحفادها وشقيقاتها وعائلاتهم. نصلّي لراحة نفسها وعزاء أسرتها. لقد عرفناها مع عائلتها وأنسبائهم من خلال عمّها المثلّث الرحمة المطران يوسف سلامه رئيس أساقفة حلب، ونجلها عزيزنا بيار نقيب أصحاب الفنادق.

3. نحتفل بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة وفي القلب غصّة لما جرى الخميس الماضي الرابع عشر من الشهر الجاري في محلّة الطيّونة وعين الرمانة الذي أوقع ضحايا وجرحى. فإنّا نتقدّم بالتعازي الحارّة من عائلات الضحايا، وندعو بالشفاء للجرحى. وفي الوقت عينه نستنكر أشدّ الإستنكار هذه الأحداث وما رافقها من مظاهر مسلّحة استعملت بين الإخوة في الوطن الواحد.

ليس شباب لبنان للتقاتل بل للتآخي. ليسوا للقتل والموت بل للنموّ والحياة. ليسوا للتباعد، بل للحوار. ليسوا للتجاهل، بل للتعارف. الشباب المسيحيّون مدعوّون هم ايضًا ليعرفوا حقيقة الإسلام وإيمانه وقيمه، والشباب المسلمون مدعوّون ليعرفوا حقيقة المسيحيّة وإيمانها وقيمها. هذا هو جوهر العيش المشترك الذي يشكّل ميزة لبنان ورسالته، والتعدّديّة في الوحدة ثقافيًّا ودينيًّا.

فلنسهّل لشباب لبنان المسيحيّين والمسلمين عيش فرح الحياة، وتحقيق ذواتهم واحلامهم بما حباهم الله من مواهب وفكر وقيم وإمكانيّات وروح مواطنة. ما أجملهم عائلة واحدة على تنوّعهم في ذاك 17 تشرين عندما بدأوا ثورتهم الحضاريّة الخلّاقة. وما أمرّ هذه الذكرى السنويّة الثانية اليوم التي يلفّها الحزن والحداد وتفكّك أوصال وحدتهم في التنوّع.

4. عائلات لبنان، بكبارها وشبابها وأطفالها، تعذّبت وبكت بما فيه الكفاية، وما زالت تنتظر لتفرح بمستقبل أفضل وبالإستقرار. من أجل هذه الغاية كانت الثورة إذ بدا للشعب اللبنانيّ فشلُ الجماعةِ السياسيّةِ في نقلِ لبنانَ من التوتّرِ إلى الاستقرار، ومن الهيمنةِ إلى الاستقلال، ومن الفسادِ إلى النزاهة، ومن القلقِ على المصير إلى الثقةِ بالمصير، ومن الحوكمةِ الرديئةِ إلى الحوكمةِ الرشيدة. انتفض الشعبُ بكلِّ فئاتِه ومناطقِه وأجيالِه وطالَب بدولةٍ صالحة، وبشرعيّةٍ فاعلة، وبإصلاحاتٍ عميقة، وبجيشٍ واحِد، وبقرارٍ وطنيٍّ واحد. وبَدَت الثورةُ في بداياتِها شفّافةً وسلميّةً وحضاريّةً ومتَّحِدة. ونحن كنا منذ اليوم الأوّل ولا نزال إلى جانبها؛ فإنيّ أتوجّه إلى شبيبة لبنان بالقول: "عبّروا عن إرادتِكم في الانتخاباتِ النيابيّةِ المقبلة واختاروا الأفضلَ والأشْجعَ والأقدرَ على أن يوفِّر لكم التغييرَ المنشود، والثقةَ بوجود حرّ".

5. لقد وفّر لنا النظامُ الديمقراطيُّ وسائل سلميّةٍ للتعبيرِ عن الرأي قَبولًا أو رفضًا، تأييدًا أو معارضة. وبالتالي لا يَجوزُ لأيِّ طرفٍ أن يلجأَ إلى التهديدِ والعنفِ، وإقامةِ حواجزَ حزبيّةٍ أو عشائريّةٍ على الطرقِ العامّة، لينال مبتغاه بالقوّة. إنَّ المسَّ بالسلمِ الوطنيِّ وبحسنِ الجوارِ الأخويِّ مرفوض أيًّا يكن مصدره.نرفض أن نعودَ إلى الاتّهاماتِ الاعتباطيّة، والتجييشِ الطائفيّ، والإعلامِ الفتنويِّ. نرفض أن نعودَ إلى الشعاراتِ الجاهزة، ومحاولاتِ العزل، وتسوياتِ الترضية. نرفض أن نعودَ إلى اختلاقِ الملفّات ضِدَّ هذا الفريق أو ذاك، واختيارِ أناسٍ أكباشَ محرَقة، وإحلالِ الانتقامِ مكانَ العدالة.

لقد نذرنا أنفسَنا من أجلِ تعزيزِ روحِ المحبّة والشراكةِ بين جميع اللبنانيّين، وندعو جميعَ الأفرِقاءِ إلى التلاقي لقطعِ دابرِ الفِتنة. ونؤيّد ما جاء في كلمةِ فخامةِ رئيس الجمهورية حين أعلن أنه "يرفضُ التهديدَ والوعيد، وأخْذَ لبنانَ رهينة، وأكّد تمسَّكَه بالتحقيقِ العدليِّ، وحَذّرَ من إعادةِ عقاربَ الساعةِ إلى الوراء".

6. فلنحتكم في خلافاتنا إلى القانون والقضاء، ونمحضهما ثقتنا، ولنحرّر القضاء من التدخّل السياسيّ، والطائفيّ والحزبيّ ولنحترم استقلاليّته وفقًا لمبدأ الفصل بين السلطات، ولندعه يصوّب ما وجب تصويبه بطرقه القضائيّة. ما من أحد أعلى من القضاء والقانون. وحدهما كفيلان بتأمين حقوق جميع المواطنين، فالقانون شامل والقضاء شامل. إنّ الثقة في القضاء هي معيارُ ثقةِ العالم بدولةِ لبنان …


هذه العظة نُشرت على موقع البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة، لقراءة المزيد إضغط هنا.

Previous
Previous

بيان إعلاميّ صادر عن أمانة سرّ بطريركيّة السريان الكاثوليك الأنطاكيّة: غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان يرفع الصّلاة من أجل لبنان

Next
Next

المهرجان الدّوليّ التّاسع "للإيمان والكلمة" إنطلق في روسيا برعاية غبطة البطريرك كيريل