إنْتَظِرِ الرَّبَّ وَأصْبِرْ لَهُ - عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في إجتماع الأربعاء 6 تشرين الأوّل/ أكتوبر
تجدون في التالي نصّ العظة الأسبوعيّة لقداسة بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة البابا تواضروس الثاني، يوم الأربعاء 6 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2021:
بإسم الآب والإبن والرّوح القدس الإله الواحد. آمين
تحلّ علينا نعمته ورحمته من الآن وإلى الأبد. آمين
دروس في الحكمة
الدرس رقم (٦) في المزمور ٣٧:
"لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ. اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ. وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ. سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ. انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ. كُفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ، وَلاَ تَغَرْ لِفِعْلِ الشَّرِّ، لأَنَّ عَامِلِي الشَّرِّ يُقْطَعُونَ، وَالَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ الرَّبَّ هُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ. بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ. تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ. أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلاَمَة". نعمة اللّه الآب تكون مع جميعنا. آمين.
وهنا الآية "انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ" أن الإنسان يُصدق مواعيد اللّه وأن اللّه سيتدخل وسيستجيب لصلواتنا... "انْتَظِرِ الرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ، وَانْتَظِرِ الرَّبَّ" (مزمور 27)، وهي وضع ثقتنا كلها في ربنا، لأن اللّه له مواعيد، وتُعتبر فضيلة الانتظار قوية لأن فيها التأني والصبر والاحتمال، حتى في الطبيعة، فالإنسان الذي ليس لديه فضيلة الانتظار يقع في مشاكل ومتاعب كثيرة وبالتالي يضيع منه نِعم كثيرة في حياته، مثل إبراهيم أبو الآباء عندما قال له اللّه (أبارك مباركيك ونسلك يكون مثل رمل البحر ونجوم السماء)، بالرغم من أنه لم يُنجب، لكن بانتظار وصبر إبراهيم أبو الآباء أنجبت له سارة زوجته (ابن الموعد)، فتتحقق المواعيد في وقتها، لأن التوقيت عند اللّه غير توقيتنا نحن لأننا نفكر بعقولنا الضيقة، كذلك راحيل عندما طلبت من زوجها أن يتزوج من الجارية حتى يأتي بنسل يُنسب له، ولكن اللّه تدخّل في الوقت المناسب بفتح رحمها وأعطاها ابنًا (يوسف)، الذي فيما بعد صنع عجائب في مصر.... فالانتظار لا يكون عند البشر فقط وإنما عند اللّه أيضًا، عندما يصبر على الخاطئ إلى أن يتوب، مثل الزوان والحنطة عندما قال "دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا"، بالرغم من أن نبات الزوان سام ونبات الحنطة جيد، كذلك مع الخُطاة اللّه ينتظر توبتهم...
"وَالآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا، احْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضًا لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟ لِمَاذَا إِذِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا، صَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا؟" (اش ٥ : ٣ ، ٤)، فاللّه أعطاه فرصة حتى يُقدم كرمًا جيدًا وإنما قدّمه رديئًا، كذلك في العهد القديم اللّه أعطى للشعب فرص كثيرة لكي يتوبوا ولكنهم كانوا متمردين وغليظي الرقبة...
"فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمُ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لأَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ" (خر ٢٩ : ٤٦)...
"وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ»" (خر ٣٢ : ١)، فاللّه أعطاهم الفرصة ليتوبوا ولكنهم لم يستغلوها وما زال يعطيها لهم...
اللّه انتظر توبة شاول الطرسوسي حتى صار القديس بولس الرسول، وانتظر توبة أغسطينوس حتى صار القديس ابن الدموع، وأيضًا انتظر توبة موسى الأسود، وكان إنسانًا مجرمًا حتى صار قديسًا وأبًا للرهبان... اللّه ينتظر توبة الخطاة في كل مكان وزمان لأن من هذه التوبة يصيروا قديسين...
حتى أريانوس وَالي أنصنا كان طاغيًا، فاللّه انتظر توبته حتى تاب ومات قديسًا... ومثل الابن الضال، عندما انطلق من بيت أبيه فرحان بالميراث الذي أخذه في حياة أبيه، وبعدما أنفق كل ميراثه وصار في فقر، وفي لحظة يقظة حاسب نفسه وأخذ قراره بأن يذهب لوالده، ونفس ذات الوقت ظل والده ينتظره يوميًّا بالبكاء والصلاة، وعندما لمح رجوع ابنه غمرته الفرحة وأخذه في أحضانه.
أهمية الانتظار في حياة الإنسان:
- بالانتظار ننال المواعيد، مثل قول إرميا النبي "جَيِّدٌ أَنْ يَنْتَظِرَ الإِنْسَانُ وَيَتَوَقَّعَ بِسُكُوتٍ خَلاَصَ الرَّبِّ" (مراثي إرميا ٣ : ٢٦)، كذلك البذور عندما تُزرع تأخذ فترة حتى تنبت، فالانتظار يُعلّم الإنسان نوال المواعيد...
مثل "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا" (خروج ٣)، عندما حرّرهم من يد فرعون وقال لهم "تَعْلَمُونَ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ وَكُلِّ أَنْفُسِكُمْ أَنَّهُ لَمْ تَسْقُطْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْكَلاَمِ الصَّالِحِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَنْكُمُ" (يش ٢٣ : ١٤)... يشوع يطلب من الشعب الانتظار والثقة في يد اللّه، لأن اللّه له مواقيت.
- الانتظار يهزم الشياطين، مثل القديس الأنبا أنطونيوس في بداية حياته، عندما حاول يوقعه عدو الخير ولكنه كان ينتصر بمعونة اللّه... وأيضًا القديس ايسيذورس عندما ظل يُشجّع ويُقوّي موسى الأسود بأن ينتصر على الشيطان والشر وعدم رجوعه للخطية مرة أخرى، وبالصبر والانتظار استطاع أن يحوّله من إنسان شرير إلى قديس....
فنهاية أمر خير من بدايته، لأن عدو الخير يحاربك ولكنك أنت بفضيلة الانتظار تنال الموعد وتهزم الشيطان، فأي شيء تؤدّيه بسرعة يؤذيك، إلا التوبة فهي الوحيدة التي تحتاج للسرعة، لذلك عدو الخير هو الذي يدفع بالإنسان للتسرّع، إن كان ارتباط أو عمل...
مثل بطرس الرسول الذي كان شخصية مندفعة ( يا رب إن تركك الجميع أنا لا أتركك ، لا أنكرك )، وما هي إلا أيام قليلة حتى قال له المسيح "قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ" (مر ١٤: ٣٠)، وبالفعل أنكره بطرس الرسول، وبدأ يمارس فضيلة الانتظار، وظهر ذلك بعد حلول الروح القدس وبعد إلقاء عظته يوم الخمسين، فبدأ بالكرازة وبالخدمة وعُرِف عنه النجاح والالتزام في خدمته...
هذه العظة نُشرت على صفحة المتحدّث الرسمي بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة على موقع فيسبوك، لقراءة المزيد إضغط هنا.