شهادة وقيامة.. عامٌ على استشهاد الأب هوفسيب بيدويان
استشهد راعي كنيسة الأرمن الكاثوليك في القامشلي، الأب هوفسيب بيدويان، ووالده، أثناء سفرهما من الحسكة إلى دير الزور، للإشراف على ترميم كنيسة اﻷرمن الكاثوليك فيها.
رافي سايغ :
أبتي العزيز هوفسيب، أو أبونا آبو كما نحب أن نسميك.
إنها الذكرى الأولى على غيابك، قبل عام وفي هذا التاريخ تحديدًا، سبقتنا إلى السماء مع والدك. بدون موعد أو وداع، رحلت وكل من أحبك من بعيد يراقب شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي لنتابع تفاصيل هذا اليوم الأليم.
قبل عام يا عزيزي كنت معنا، نضحك ونعمل بصمت ونضرب المواعيد والحياة تسير ونحن لا نعلم ماذا ستواجه، وما سنعانيه بغيابك عنا!
هل من العدل يا صديقي أن ترحل وأنت في عز العطاء والحصاد كثير! كلا يا أبتي، لم يكن هذا ما ننتظره، تغيب عنا لتصبح شهيد الواجب والشهادة أيضًا، تظهر في الصبر والعمل اليومي رغم آلام الكنيسة الكثيرة.
أن الحزن ليس من سمات الإنسان المسيحي المؤمن، ولكن هذا هو حال الكثير من أحبائك لأن ألم وفراق الأحبة مرٌ وثقيل. ترحل وتترك رعيتنا الحبيبة حزينة ومكسورة والرب وحده معزينا، هذه الرعية المباركة التي تحتضنك منذ سنوات شبابك وأنت تخدم فيها وتكبر لتصبح اليوم كاهنها الشهيد.
ترحل، والشبيبة التواقة للعمل والحياة تستفقد اليوم مرشدها الروحي البسيط. ذاك الكاهن الذي كان يعمل بيديه معنا تارةً بغضب، وتارة بابتسامة تمحي كل اللحظات الصعبة ونكمل المسير لأن رسالتنا هي أن نستمر.
أبتي العزيز، إن كنيستنا الأرمنية الكاثوليكية في مدينة القاملشي ونحن الشعب أساسها وعزها اشتقنا لك كثيرًا. تتوالى الأعياد وترفع الصلوات وأنت الغائب الحاضر معنا، نتذكرك ونتألم لخسارة ذاك الكاهن الشاب.
هي الشهادة التي زينت تاريخ كنيستنا الأرمنية العريقة منذ عام 301م، ولغاية اليوم نحمل رسالة الشهادة والمحبة ونفتخر بذلك. فكنيستنا ليست حجارة مدمرة ننوح ونبكي عليها، بل كنيستنا هي عروس المسيح الطاهرة من كل مادة وفساد.
إنّ تاريخنا الأرمني يدعونا كل يوم إلى العمل والتضحية في سبيل نمو الكنيسة وخير المجتمع، نعم هذه التضحية التي تعلمناها من معلمنا ومخلصنا يسوع الناصري. فآلامنا اليوم ما هي إلا بداية قيامة مجيدة قريبة نعيش من أجلها ونناضل في سبيلها مهما كان الدرب شاق، ومن له رجاء القيامة لا يتعب.
أبتي العزيز، أنت الآن في السماء بجوار واهب الحياة وسيد والقيامة، وهذا هو أكليل المجد الذي تستحقه بدمائك الطاهرة التي غمرت حبات تراب صحراء دير الزور السورية وهي بالكاد لم تجف بعدما سقاها أجدادنا في الماضي بدمائهم أيضًا.
ستمر السنوات، وسيبقى جرحنا مفتوح برحيلك. رجاؤنا الكبير هو أن تلك الدماء ستزهر محبة وسلامًا فينا ومن خلالنا.
11/11/2019 تاريخ يبقى محفورًا في ذاكرة مدينة القامشلي، وكذلك في تاريخ كنيستنا الأرمنية الكاثوليكية وهي بدورها وريثة أمجاد كنيسة ماردين، المدينة البطلة مدينة الطوباوي الشهيد إغناطيوس مالويان ورعيته الحبيبة ونحن اليوم نمثلها ونشهد كيف أن بهذا الإيمان الكبير افتتحت الكنائس والمدارس وتأسست الأخويات لتبقى الرسالة كما هي، عمل وازدهار واليوم بشهادة الأب هوفسيب نبقى ونحيا ونستمر.
أبونا هوفسيب الحبيب ارقد بسلام، وهنيئًا لك ملكوت السماء بجوار الرب حيث لا أحزان بل فقط محبة الرب المعزية. اليوم وفي ذكرى غيابك بالجسد عنا، صلي من أجل مديتنا الحبيبة القامشلي ليكون فجر سلامها قريب. ومن أجل كنيستنا الغالية حيث خدمت على مذبح كاتدرائية القديس يوسف، ومن أجل شبيبة مؤمنة تعمل وستبقى على الوعد لتعطي وتعطي.. لتكن صلاتك.
اليوم وغدًا وفي كل الأيام، نتذكرك ونتذكر تلك الابتسامة ونعلن برجاء عظيم المسيح قام.. حقًا قام..
المصدر: موقع أبونا