مجلس كنائس الشرق الأوسط

مسيرته ومساره في عامه الخمسين (2)

 الجزء الثاني من الكلمة الّتي ألقاها الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال أ. عبس في الإحتفال الّذي أُقيم لمناسبة السنة الخمسين لتأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط، يوم السبت 14 أيلول/ سبتمبر 2024، في المقرّ البابوي الجديد بالأنبا رويس - مصر، برعاية وبركة وحضور قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة، وبحضور غبطة البطريرك الأنبا ابراهيم اسحاق، بطريرك الأقباط الكاثوليك، حضرة القس د. أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيليّة في مصر، وأصحاب النيابة والسيادة من مختلف الكنائس، حضرة القسّ يشوع أيوب، أمين عام مجلس كنائس مصر، الأمناء العامين الفخريّين والمشاركين، الآباء الكهنة والقساوسة، الأخوات الراهبات، وفاعليّات ومدعوين.

د. ميشال أ عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

الرؤية والتطلعات للمرحلة القادمة

 

اما بالنسبة الى أسس المنهج المتبع اليوم في التخطيط وإدارة شؤون المجلس، فمحورها أن مجلس كنائس الشرق الأوسط يستحق ويحتاج إلى بنيان طويل الأجل لهياكله التنظيمية وثقافته المؤسسية. لذلك وجب التعامل معه من منظور طويل الأجل، وليس بمنطق المؤقت، بهدف استمرارية الفريق العامل وتأصيل ثقافته المؤسسية.

البنية التنظيمية، بما في ذلك النصوص الإجرائية والثقافة، هي حجر الزاوية لمنظمة طويلة الأمد يمكنها تولي المهمة على النحو المحدد في الدستور، والعمل على النحو المنصوص عليه في الأنظمة الداخلية.

هذا الامر لم يكن مؤمنا في السابق، وقد مر مجلس كنائس الشرق الأوسط بفراغ ثقافي، اذ ان العدد الأكبر من فريقه العامل قد ترك المؤسسة في مرحلة عصيبة من تاريخها، وعندما يغادر الناس يأخذون جزءا من الثقافة معهم لأنها مركب تفاعلي.

 

 في نفس السياق المنهجي-الاستراتيجي، يطبق مجلس كنائس الشرق الأوسط الأساليب العلمية في تطوره التنظيمي لتحقيق الأداء الأمثل المطلوب منه. لذلك، فان ما يجري تطبيقه هو المبادئ والقواعد الأساسية لتنمية المنظمات ومهارات القيادة التي ترد في علم التنظيم والادارة.

هنا لا بد من التوضيح اننا نطبق في المجلس النموذج الأكاديمي للتوافق والتماسك الداخليين على مستوى فريق العمل، إضافة الى متطلبات منظمة متصالحة مع بيئتها وفي تفاعل دائم معها.

 

اما الوسيلة الفضلى لجعل المجلس متصالح مع بيئته في منظور التغيير، بناء على رؤيته وقيمه ومبادئه، فتكمن في التكيف النشط والفاعل للمجلس مع محيطه، والقيام بالتغييرات الاجتماعية والثقافية. لقد كان المجلس أداة للتغيير الثقافي-الاجتماعي وسوف يظل كذلك، ولكن عليه ان يعي أكثر فأكثر خصائص مجتمعات الشرق الأوسط لكي يكون قادرا على التغيير.

 

هنا لا بد من طرح أسئلة رئيسية من اجل تجويد الأداء، متعلقة بتجديد الأهداف الاستراتيجية، وطرائق العمل، وهذه الأسئلة هي إشكاليات نعمل على أساسها في يومياتنا.

 

اما بالنسبة الى صورة المجلس، فقد أثبت المجلس تاريخيا انه منظمة ناجحة وفعالة للغاية في مجال التنمية الاجتماعية وبرامج العمل في مجال المرأة والعائلة والشبيبة واللاجئين وسائر فئات المجتمع المستضعفة. وعلى الرغم من تعامله مع العديد من قضايا الخدمات الاجتماعية الإضافية، إلا أنه يحمل هوية مؤسسة تنموية، إضافة الى كونه وسيلة تمويل في هذا المجال.

وهنا لا بد لنا من التوضيح ان المجلس ليس مجرد "مضخة" تمويل. إنه منظمة تفكر وتحلل القضايا المطروحة على الصعيد المجتمعي ولها رأي حول ما يجري في المجتمع وهذا ما ندأب على التركيز عليه منذ بداية خدمتي في الأمانة العامة عام 2020.

 

الإطار الاستراتيجي للسنوات الأربعة 2021-2025

في مارس - أبريل 2021، تم تطوير إطار استراتيجي لأربع سنوات، وذلك لتأطير أنشطة المجلس للفترة الممتدة من 2021 الى 2025 وقد اقر من قبل اللجنة التنفيذية ورحب به الشركاء في اجتماع لاحق. لقد اخترنا ان نعمل ضمن "إطار استراتيجي" وليس ضمن "خطة استراتيجية" حرصا على مرونة التنفيذ في منطقة تفتقر الى الاستقرار.

تضمن الإطار أربعة أهداف استراتيجية وجهت عمل مجلس الشرق الأوسط وتفكيره:

1- حجر الزاوية: تعزيز البنية التنظيمية للمجلس وثقافته المؤسسية

2- إعادة تأهيل رأس المال الاجتماعي ومنظومة القيم والكرامة الإنسانية

3- تعزيز وتنمية الوجود المسيحي في الشرق الأوسط

4- دعم الفئات المستضعفة والمعرضة، مع التركيز على الشباب والنساء وسكان الريف والمهاجرين واللاجئين

 

خلال العمل ضمن هذا الإطار، حرصنا على الحفاظ على الابعاد التالية من اجل حسن سير العمل وتماسكه وانسجامه مع إطار السنوات الأربعة ومع مجتمع المجلس:  

1- العلاقات المسكونية والصلوات

2- التآزر والتشبيك المسكوني والاجتماعي

3- الانفتاح والتنمية على الصعيد الفكري

4- التطوير التنظيمي والاداري

وقد شكلت هذه العناصر الأسس التي على أساسها نهج المجلس في عمله طيلة هذه الفترة السابقة.

 

 اما التوجهات الاستراتيجية للمجلس، والتي سوف تكون المنطلق لبلورة اطار استراتيجي مستقبلي فهي تتلخص بالبابين الرئيسيين التاليين:

 

1- استمرار العمل كالمعتاد مع التجديد

متابعة ما ثبت لعقود أنه مفيد للمجتمع والكنيسة، أذ انه، نظرا للوضع السائد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن نمط الاحتياجات متكرر وعلى نطاق أوسع، ويشمل ذلك الخدمة الاجتماعية، العمل مع اللاجئين، اللاهوت والعلاقات المسكونية، تنمية القيادة الشبابية، حماية الأسرة والمرأة، الندوات الفكرية، وغيرها من الأنشطة الجاري تنفيذها، على ان يضاف الى ذلك خدمة مجموعات مستهدفة جديدة، ومجالات خدمة جديدة، مع رؤية تجديدية وتحديثية، أي بوسائل جديدة.

ان الدراية الفنية مرتفعة لدى فريق العمل، وهو يتمتع بكفاءة عالية تجعله قادر على القيام بكل ذلك بنفس مستوى الأداء الذي نشهده حاليا وهو يعتبر من قبل الشركاء الدوليين، المسكونيين وغير الدينيين، الارفع في المنطقة.

في نفس السياق، على المستوى الداخلي، سوف يستمر بناء القدرات التنظيمية، وتطبيق الإجراءات الجديدة المقرة من قبل سلطات المجلس، ويترافق ذلك مع التدريب واستهداف تنمية المهارات القيادية لدى فريق العمل.

 

2- الرؤية في المدى المتوسط والبعيد تشمل ابعادا أساسية في تطوير العمل المسكوني:

• متابعة وتنمية أنشطة التشبيك الكنسية على ضوء تجربة ال ATIME الناجحة، وذلك تدريجيا، كما شرعنا على صعيد الاعلام الكنسي وهيئات التنمية التابعة للكنائس. يجب أن يطال هذا Networking جميع أنشطة الكنائس.

• تعزيز مكانة المجلس كمجتمع معرفي، حيث يتم تطوير الإنتاج الفكري والبحثي في مجال المسكونية، وسائر القضايا الاجتماعية الساخنة.

• تعزيز دور المجلس كمنصة للحوار، بين الكنائس، بين الأديان، بين الأعراق، إلخ. 

• تأمين قيام المجلس بدور محطة إنذار مبكر للظواهر الاجتماعية، يلفت انتباه الكنائس والشركاء الاجتماعيين الآخرين إلى الظواهر التي يجب التعامل معها، مما يعني تنمية البعد البحثي في المجلس، وهذا ما يقوم به الأمين العام منذ تسلمه خدمته لأربعة سنوات خلت.

يمكننا تلخيص هذه الابعاد الجديدة كالتالي:

networking – knowledge – dialogue - monitoring

ان التحديات كبيرة، وتزداد يوما بعد يوم على ضوء التقهقر الحياتي والقيمي الذي نشهده على صعيد العالم، والأزمات التي تعصف بمنطقتنا، والتهديدات الضامرة والتي لن تتأخر ان تذر قرنها في حياتنا مهددة مصيرنا، ولكن ذوي الايمان القوي يقولون لهذا الجبل انتقل فينتقل.

 

ختاما لكلمتي، اقتبس من صلاة راس السنة القبطية، واخاطب الرب قائلا "انت قادر ان تقويني وتساعدني وتقيني من كل ضرر عساه يلحق بي نفسا وجسدا، وها انا أسلم كل شيء لتدبير عنايتك، واؤمن أنك تدبر كل شيء بحسب حكمتك وصلاحك"، وفي نفس السياق أقول يا رب بارك هذه المؤسسة وأسبغ عليها نعمك لكي تستمر بالاضطلاع بالدور الذي انيط بها خدمة لملكوتك.

 

اننا اذ نثمن عاليا إقامة هذه الندوة الاحتفالية في يوم عزيز عليكم، وهو دليل احتضانكم ومحبتكم، نترككم في عناية القادر القدير.

Previous
Previous

مداخلة للأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس على شاشة مي سات المصريّة

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط يهنّئ غبطة البطريرك يوحنّا العاشر