في مؤتمر بيت المستقبل تحت عنوان: ”هل للمسيحيين مستقبل في الشرق الأوسط؟”
بشعلاني ترد السؤال “لا مستقبل للشرق الأوسط من دون المسيحيين!”
شارك مجلس كنائس الشرق الأوسط بالتعاون مع “مركز ولفريد مارتن للدراسات الأوروبية” و”مركز القدس” في المؤتمر الذي نظمّه “بيت المستقبل”، تحت عنوان:” هل للمسيحيين مستقبل في الشرق الأوسط” وعقد في بيت المستقبل سراي بكفيا، تمت خلاله مناقشة مستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط وضمّ نخبة من الناشطين السياسيين والمثقفين ورجال الدين من الأردن ومصر والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان.
د. ثريا بشعلاني الأمينة العامة للمجلس وفي كلمة لها في الجلسة الإفتتاحية لفتت الى الجرح الكبير الذي يحمله عنوان المؤتمر معتبرة أن السؤال تدحضه حقيقة كيانية أن “لا مستقبل لهذا الشرق من دون المسيحيّين!”. وشدّدت بشعلاني في كلمتها أن “المسيحيّين يرفضون العنف وينبذون التطرّف وهذه الأمور لا تمتّ إليهم ولا إلى الإسلام بصلة. وبقدر ما يحاول المسلمون التخلّص من هذه المفاهيم يسعى المسيحيّون أيضًا إلى مناهضة هاتين الآفتين. ولقد اختار المسيحيّون العيش مع أقرانهم في الوطن الواحد ضمن دولة ديمقراطيّة تسود فيها سيادة القانون.
وأضافت “تبقى فلسطين المحتلة وإحقاق العدالة لشعبها وتأمين عودة اللاجئين وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس من أهم الاهداف التي نعمل عليها. كما نسعى الى بناء نموذج للعيش معا في سوريا والعراق ومصر وأي دولة أخرى”.
وختمت “يؤمن مجلس الكنائس أن للكنائس في هذه المنطقة دور أساسي لا بد من أن يظهر جليّا لتأمين كرامة الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله”.
الجميّل
بدوره كان الرئيس السابق أمين الجميّل افتتح المؤتمر بكلمة اعتبر فيها أنَّ ما حصل خلال السنوات التسعِ الماضية يحتّم طرح مستقبل المسيحيين، وما أصاب المسيحيين جراء أحداث السنوات الأخيرة، أصاب المسلمين أيضاً! بل ما تعرَّض له المسلمون قد يكون أشدَّ قسوةً. إنما الأثر الذي يصيب المواطن المسيحيّ أكبر لأنَّ النتائج أدّت في أماكن كثيرة إلى إقتلاعِهم حتى بات وجودهم على المحك، ما يحتّم ضرورة طرحِ موضوعِ الوجود المسيحيّ في المنطقة: هل هو عنصر وجوديّ وضروريّ أم أنّه عابر وعرضيّ؟ وكما أن العنوان العريض هو أهمية هذا الوجود أو عدمه، يتوجه المؤتمر أولاً إلى المسيحيين لإجراء مراجعة عميقة لدورهم في الجوهر والممارسة في آنٍ واحد”.
أضاف “إلى المسيحيِّ والمسلمِ نقول “متى تترسَّخ القناعة بالمواطنية وتصبح الشعارات حقيقةٌ ولا يعود الانتماء الدينيّ والهوية الدينية فوق الهوية الوطنية أو إضافةً لها أم إنتقاصاً منها؟ عندها تسقط مقولة الأقليّة والأكثريّة المبنيّة على الهوية الطائفية”.
وختم “حبذا لو نستطيع من خلال هذا المؤتمر فهم أسباب تقهقر الوجود المسيحيّ وسبل الحدّ منه. قد تقولون إنني طرحت أسئلة دون محاولة الإجابة عليها.. أساساً، لا تملك جهة واحدة أجوبة مطلقة، إنما يمكن لمثل هذه اللقاءات التي تجمع خبراتٍ وتجارب وشهاداتٍ متنوعةً أن تفتح نافذة جديّة لنقاشٍ معمّقٍ وصادقٍ.
نوفوتني
وألقى فيت نوفوتني ممثل مركز ولفريد مارتن للدراسات الأوروبية كلمة أكد فيها ان المركز لطالما حاول رفع الصوت في الإاتحاد الاوروبي لتسليط الضوء على الوضع الصعب للمسيحيين في منطقة الشرق الأوسط. وقال “نواجه حاليًا في اوروبا عددا من التحديات ابرزها ازدياد الشعبوية لاسباب عدة اولها الازمة الاقتصادية وموجات الهجرة غير المسيطر عليها والتي فاجأت العديد من الدول الأوروبية، كما نواجه صعوبة في دمج الأعداد الكبيرة للاجئين مما يضعنا أمام تحديات كبيرة أهمّها خوف مستجد بالنسبة الى اوروبا.”
الرنتاوي
أما مدير مركز القدس للدراسات السياسية عُريب الرنتاوي فقال “لا شك أننا جميعاً نتشاطر القناعة ذاتها بأن مسيحيّي بلداننا قد تعرضوا، وإن بتفاوت بين بلد وآخر، ومن زمن إلى زمن، لصنوف شتى من التمييز والاستهداف، أدناها التمييز في الدساتير والتشريعات والممارسات، وأشدها هولاً حروب الإبادة والتهجير المنهجي المنظم من قبل جماعات دينية متطرفة عنيفة … ولا شك أننا جميعاً، نتشاطر القناعة ذاتها، بأن من المحال استمرار الحال على هذا المنوال، فهذه المنطقة، لن تكون ذاتها من دون مسيحييها، ولا يمكن لكل ذي عقل وبصيرة وضمير، أن يتصور هذا المشرق من دون مسيحييه”. وتحدث عن مجموعة من الخلاصات توصل إليها المركز نتيجة لدراسة ظاهرة التمييز ضد شرائح ومكونات دينية وعرقية واثنية في العالم العربي لا سيما المسيحيين منهم، أهمها، فشل الدولة الوطنية العربية في بناء “دولة المواطنة المتساوية” المدنية الديمقراطية التعددية، وتباين درجة اعتراف الدساتير والتشريعات السارية في عدد من الدول العربية بحقوق المسيحيين وحرياتهم أفراداً وكنائس وجماعات، ومحاولات البعض توصيف مسيحيي المنطقة كقوة سلبية وأحياناً كظهير خلفي لأنظمة الفساد والاستبداد، ومحاولات بائسة للجهات المتطرفة والإقصائية تنظر إلى مسيحيي المنطقة بوصفهم “أقليات” ثانوية، أو “جاليات وافدة” أو جيوباً وبقايا للاستعمار والحملات الصليبية، أو “أهل ذمة”، وهي “محاولات تسير جنباً إلى جنب مع محاولة أخرى للترويج لنظرية “حلف الأقليات”، المنبثقة من رحم الاستبداد وثقافته وفزّاعاته”.
وحذّر من الميل السائد لدى بعض الدول الغربية لتهجير المسيحيين داعيا إلى تثبيتهم في أوطانهم الأصلية.
الجلسة الأولى
بدأت الجسلة الأولى تحت عنوان “الدين والقبلية تحديات الهوية العربية” بكلمة لمنسقها الناشط الساسي المصري سامح مكرم عبيد اعتبر فيها ان للمسيحيين دور في الشرق الاوسط كما كان لهم دور في الماضي أيضا. وأكد على المواطنة وعلى قيام الدولة الوطنية الحديثة وتحديث الدساتير ورأى أن مقولة ان الاستبداد تحمي الاقليات مقولة خاطئة.
اما الباحثة الدكتورة لميا شحادة فرأت انه عندما نتحدث عن الوطن والدولة الوطنية نتحدث عن مبادئ اساسية أهمها المواطنة ودمج المكنونات على اختلافها، ولكن في الواقع نرى إعادة احياء الهوية الدينية على حساب الهوية الوطنية.
واعتبر الباحث الأب باسم الراعي ان العالم يدخل مرحلة جديدة تحمل معها تحولات بمعنى الدولة ودورها والشرق ليس بغريب عنها. (فيدراليات، تعديل دستور مع الابقاء على حدود الدول: الدول تدخل صيرورة تجعلها تدخل من مرحلة الى اخرى ومن نموذج الى آخر). ورأى ان الشرق بحاجة الى الاعتراف بالتعدد وقدرة الهويات على استخراج دساتير تمثلها حقا.
اما رئيس كلية اللاهوت في الشرق الأدنى جورج صبرا فعبّر عن اقتناعه بان لا مستقبل للمسيحيين في الشرق الاوسط ولا مستقبل للشرق الاوسط برمته دون مشاركة الدين في عملية التحوّل الى مجتمعات يكون فيها الجميع متساويين والمسؤولية الاكبر في عملية التحوّل تقع على عاتق الاكثرية الدينية.
الجلسة الثانية
عقدت الجلسة الثانية تحت عنوان: “المسيحيون العرب والنزاعات الإقليمية،” وادارها مدير المركز الكاثوليكي للإعلام في الأردن الأب رفعت بدر الذي اعتبر ان المجتمعات العربية في المرحلة الاخيرة حاولت أن ترسم مستقبلاً أكثر عدالة وخرجت الجماهير إلى الشوارع وقالت كلمتها، ونجحت بعض الشعوب ومشى بعض الحكّام الى سبيلهم، قالت وشعوب أخرى كلمتها ولكنّها مشت الى السجون، ونشأت داعش وأخواتها، وكان المتضرّرون المسلمون والمسيحيّون معا والإنسانيّة جمعاء.
أما مدير مركز عصام فارس للدراسات السياسية في الجامعة الأميركية الوزير السابق طارق متري فقال: “يبدو لي أنّنا لا نستطيع البحث في أوضاع المسيحية السائدة دون ترداد الخطابات الوطنية. لكن مآسي اليوم تضع المصائر تحت المجهر. بطبيعة الحال، لا يمكن ردّ الخيبات الى سبب واحد، فتناقص أعداد المسيحيّين وتدهور أوضاعهم الاجتماعية وعدم مشاركتهم السياسية والخوف من الجماعات المتطرفة يزيد من تأثير هذه العوامل. هواجس الأقلّيّة وهموم الغالبيّة تقتضي الصدقية وهي شرط من شروط الوجود المسيحي. وختم: أثناء زيارته لمصر في العام الماضي، تحدث البابا فرانسيس أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي عن دولة القانون والعدالة، وشدد أمام الازهر على الديمقراطية، وفي عظة القداس دعا المسيحيين أن يدافعوا عن حقوق الآخرين بنفس القوة التي يدافعون بها عن حقوقهم.
فيما تطرّق الخبير في شؤون التنوع الديني في العراق سعد سلوم للانقسام الداخلي المسيحي في الشان العراقي وكيفية استثمار هذا الانقسام من قبل العمالقة الداخليين (أكراد، سنّة وشيعة من خلال تقاسم ثلاثي للسلطة يحددون فيه مستقبل العراق). وطالب بمرجعيّة موحدة للمسيحيّين في العراق ليكون هناك حضورًا فعالًا لهم مع الدعوة لجمع الطوائف المسيحية في كنيسة موحّدة، والنظر للتراث المسيحي الديني بوصفه تراثًا عراقيًّا مشتركًا.
من جهته تطرق منسّق الحوار الديني العالمي في مؤسسة كونراد ادياور اوتمار أوهرينغ لوضع المسيحيين في العراق واعتبرهم ضحايا الأزمات التي ضربت المنطقة ولا يكفي التحدث عن التمييز في القوانين والدساتير ولكن من المهم وصف الواقع على الارض والذي يجعل بقاء المسيحيين في المنطقة مستحيلا.
الجلسة الثالثة
والتأمت الجلسة الثالثة تحت عنوان “الأقلوية والحماية: مقاربة نقدية” تحدث فيها الوزير المصري السابق سمير مرقص، والأستاذ الجامعي في فلسطين حنا عيسى والخبير في السياسات العامة وشؤون اللاجئين زياد الصائغ.
النائب افرام
المتحدث الرئيسي في المؤتمر النائب نعمت افرام قدم بدوره دراسة تاريخية مسهبة عن دور المسيحيين في المنطقة على مر العصور وسأل: هل المنطقة ذاهبة الى مزيد من التفكيك والتفكك؟ هل سنكون إما مؤتمر فرساي جديد أو معاهدة سيفر جديدة؟ وهل سيكون لنا كلمة مرة اخرى نحن المسيحيين في مسار تشكيل المنطقة مما يحمي وجودنا الفاعل والحرّ والسلامي؟ أم أننا سنتحول تحفًا وأقليات في وقت تهاجر فيه الأغلبية الى الغرب؟ وهل سيوازي ذلك توجهًا غربيًّا لتقليص المسلمين من على أراضيه؟ فنمسي أمام فرز حضاري مخيف؟
واعتبر افرام أن “الفرق بين هذه المسارات هو في وعينا لما يجري من حولنا وفي أن نكون مستعدين لهذه اللحظة المفصلية التي فيها سننظر الى الكيانات الفاعلة المنتجة القادرة على تحمل مسؤولياتها وربما مسؤوليات غيرها. هذا غير ممكن إذا كنا على هذه الحالة من التردي على الصعيد الوطني والدستوري والسيادي والإقتصادي والاجتماعي والصحي والبيئي والأخلاقي…إذا أردنا ان يبقى لنا لبنان ودور فاعل للمسيحيين في الشرق، علينا ان ننجح في هذا الامتحان، وأن نتحول من دولة شبه فاشلة الى دولة منتجة وقادرة على تنظيم حياة مواطنيها. نحن ابناء هذه الأرض وأصيلون فيها ولا نكهة لهذا المشرق من دوننا، يجب أن يستعيد المسيحيون في هذا الوطن وهذا الشرق دورهم ورسالتهم، يجب أن يكونوا قدوة للعلم والإحترام ومثالا لإدارة خلاقة للتعددية ولشؤون المواطنين والوطن وإلاّ على حضورنا ودورنا السلام”.