أحد القدّيس يوحنّا السلّمي
كاتب سلّم الفضائل
بعد أن تَثَبَّت المؤمنون التائبون في الصوم الكبير في الإيمان الأرثوذكسي خلال الأحدين الأوّلين وكرّموا الصليب خلال الأحد الثالث، يواصلون مسيرتهم لغاية الأسبوع السادس مركّزين على أحَدَين مُكَرَّسَين لنَماذِج حَيَّة من الحياة الروحيّة، هذه النماذج هي القِدّيس يوحنا السينائي (السلّمي) والقِدّيسة مَريم المَصريّة.
تَنَسَّكَ القِدّيس يوحنّا السلّمي في طور سيناء، حيث اكتَسَبَ خِبرة كبيرة مِن حرب الشيطان، ومِن افتقادات نِعمَة الله. هو كاتب "السلّم الى الله" الذي يحتوي على ثلاثين درجة؛ يبدأ بالدرجة الأولى وهي الزِهد في الدنيا لا خوفاً مِن العِقاب ولا طَمَعاً في الثَواب بل حُباً لله إلى أن يَصِل الى الدرجة الأخيرة وهي المَحَبّة، لأن اللّه محبّة.
بَدأت الكنيسة الأرثوذكسيّة تُعيِّد للقِدّيس يوحنّا السلّمي في الأحد الرّابع من الصوم الأربعيني اعتباراً مِن القَرن الرّابع عشر، وكان هذا الأحد مُخَصَّصاً في السابق لِمَثَل السامِري الشَفوق، وقد حفظنا منه قانون أيضاً حتّى أيّامنا هذه : "أيها المسيح المخلّص إنني قد ضارعت الواقع بايدي اللصوص ...".
إعتَبَرنا أيضاً وأعلنّا في هذا العيد أنّ القدّيس يوحنّا السينائي قد أنجَزَ بذاته مَسيرَة هذا السلّم، وإنه بالنتيجة هو نفسه السُلّم والمثال الحيّ: "يا يوحنا سُلُّم الفضائل، لقد تلألأت لامِعاً بالفضائل ونصبتَ سلماً وارتقيتَ بها إلى السموات..." . لذلك فإنَّ قراءة كتاب "سلم إلى الله هو من أهم القراءات الأبائيّة خلال الصوم. فهذا الكتاب يُشير إلى صُعود القِدّيس إلى العَلاء، لذلك نمدحه أيضاً "كفِردَوس الفضائل" و"فَخر النِسك".
فالقِدّيس يوحنّا حَمَل صليبه لكي يتبع المسيح، واعتَزَل العالم لكي يتغلَّب على مَلذّات الجَسد ويرتفع به نحو الله من خلال الصلاة والصوم. "أيها الأب البار لقد انعَطَقتَ عن التَنَعّم الدُنيوي.."
وإذا تأمّلنا في الإنجيل الذي يُتلى هذا الأحد (مرقس ٩ :١٧- ٣١ )، نرى أنَّ الرّب يسوع كان مع تلاميذه بطرس، يعقوب، ويوحنّا في الجبل يُصَلّي، فظهَرَ موسى وإيليّا يتكلَّمان معه، وهُما مارَسَا أكثر من غيرهما الصَلاة والصَوم. وتأتي آية في النص لتُشَدِّدنا في الصوم: "هذا الجنس لا يُمكِن أن يخرج بشيء إلّا في الصَلاة والصَوم". هذه العِبارة قالها الرب يسوع لتلاميذه عندما أخرَجَ الرّوح النَجِس مِن الصَبيّ بعد أن فَشلوا هم في إخراجه بسبب عدم إيمان الوالد.
فالرب يسوع، بعد استدراجه الوالد إلى الإيمان وإلى الصراخ بدُموع، أثنى على أهَمِّيَة الصَوم والصَلاة. هذه الآية تُقَوِّينا حتّى نثبت على الإيمان المُستَقيم ونُتابِع الصَوم بعزم ونشاط، لأنّه بالصَّوم يُكبَح جَماح الأهواء ويُوضع حَد لثورتها، وبالصلاة تَنشَلُّ قِوى النفس، والهَوى لا يكون مُسَيطِراً بعد الآن، وعندها نبدَأ بالصُعُود على سلّم الفضائل الذي تكلّم عنه القدّيس يوحنّا السُلّمي. آمين