العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الحوار وتحصين الوطن
كلمة البروفسور د. ميشال عبس
امين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط
في الندوة الحوارية حول فكر الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين
في الذكرى الرابعة والعشرين لغيابه
في 5 شباط/فبراير 2025
المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية - لبنان
عندما اريد التكلم عن العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، تحضرني اول ما تحضرني ابتسامته الوديعة المحبة ومحياه اللطيف، ووراءهما نظرة ثاقبة ترنو الى البعيد، تستشرفه وتحاول فك الغازه، لعل في الاستشراف حماية لوطن وتمتين لمستقبل ابناءه. ان حدة بصيرته هي من ميزاته الأساسية وقد وظفها في خدمة الجماعة المؤمنة، أهل التشيع في لبنان – اتفادى استعمال كلمة طائفة – والوطن.
اسمح لنفسي التعريج نحو الشخصي قليلا لأقول انني توسمت نفس الروح الطيبة في الابن الصديق، معالي الوزير، وفي الحفيد الطالب النجيب في الماجيستر التي كنت اديرها في جامعة القديس يوسف.
لقد عرفت العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين من خلال عضويتي، منذ سنة 1997، في "اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار" التي ساهم في تأسيسها والتي عبرها، عبر نشاط أعضاءها، وبفضل توجيهاته ودعمه، ساهمت في تحصين السلم الأهلي ومنع الفتنة في كثير من الظروف، والله يعلم الى اين كانت سوف تجرنا الفتن التي كانت تبدأ بحادثة صغيرة ليست ذات أهمية في الظاهر.
عندما كنا نزوره ونغرف من معينه، كان من الواضح احتضانه لفكرة لبنان الوطن النهائي، ولضرورة الحفاظ على جميع مكونات الوطن وتحصين السلم الأهلي وصيانته حماية للوطن. لقد كان يعرض لنا أفكاره ورأيه بالأمور بسلاسة وبساطة الاب المحب الذي لا يقبل ان يفرّط أحد بالوطن.
اهم ما يمكنني ان أقوله عن العلامة الشيخ الجليل، هو انه كان يقرن القول بالفعل، وسيرته الغنية العطرة لعلها الدليل على ذلك، اذ خلال حياته ووجوده بيننا، لم يكن من الوارد عنده ان يكون تباين بين القول والفعل، بل تجانس فكري وسلوكي تام، وهذ، بالنسبة الي، هي قاعدة أساسية يرسيها قائد من قيادات هذه الامة، وهو في المدى الديني، لكي تكون دليل عمل للأجيال، نظرا الى ان حياتنا العامة مرصعة بالنفاق والمحاباة وازدواجية المعايير التي أوصلت جماهيرنا الى خيبات متتالية منذ الاستقلال وحتى اليوم.
ان صلابة الاخلاق في الشأن العام هي قاعدة أساسية في تحصين المجتمع والناس.
في سياق متصل، تميز فكر العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين بالانفتاح والسماحة، وهذا الانفتاح وهذه السماحة كانا أيضا قولا مقرونا بالفعل في فكر ومسرى الامام العلامة، وهو ما برز في مختلف مواقفه المتعلقة بشتى شؤون الوطن، مما جعل أي قول وفعل يصدران عنه مطبوعان بعمق بمنطق الحوار الذي يحياه العلامة كمنطق حياة، وليس كألية مؤقتة تعتمد في فترة معينة وتوضع جانبا عند بلوغ الهدف المنشود منها.
نحن في مجلس كنائس الشرق الأوسط، وانا خريج اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار، التي كان الامام المحبب الجليل من اركانها، نعتبر ان الحوار هو هدف بحد ذاته، وليس وسيلة، اذ ان الحوار عملية مستمرة تقرب الناس من بعضها البعض، وتفعّل التناضج بين الافراد او الجماعات المكونة للوطن، وهي بذلك تصبح ثقافة وليست آلية او منحى محدود في الزمن. الحوار يعني التفاعل المستمر بين الناس والقبول بالرأي الآخر، مما يعني انتفاء ابلسة او تخوين هذا الآخر ومنع خطاب الكراهية تجاهه.
هذا هو فكر الامام الحكيم، المحب للدين والوطن، واهم ما في فكره ان جذوره موجودة في أساس الدين، رغم تطعيمه بالتجارب التطبيقية من تاريخنا العربي المشترك.
في هذا الاتجاه كان الامام العلامة شمس الدين يفكر ويعظ ويتصرف، وهذا التفكير هو المنطق المثالي الذي يمكن اعتماده دون غيره في إدارة المجتمعات الحديثة، ذات التنوع الشديد، حيث تتعارف الجماعات على بعضها البعض، بعد غربة فرضتها ظروف تاريخية، فينتج عن ذلك اغناء متبادل بين الجماعات المكونة للوطن، كما هي الحال في لبنان، وكما كان ينصح بذلك الامام العلامة لسائر بلاد العرب اوطاني. اليس هو الذي كان يشدد على عدم اجهاض او عرقلة الحوار الذي اعتبره الهدف الأسمى، معتبرا ان عبره تحفظ الكرامة وتؤمن المصالح؟
لذلك يُعتبر الامام البعيد النظر من اركان المصالحة الوطنية والسلم الأهلي والوفاق، انطلاقا من موقعه الديني، وليس بتدبير براغماتي عابر، فبرز كأحد ابطال الوحدة الوطنية في لبنان، مستندا على فكر ديني سمح مستنير، يتجدد ليواكب الزمن وليحاكي قيمة عليا هي العدالة عبر الحوار الذي هو نفسه احد دعائم ثقافته الأساسيين.
انه عن حق لصاحب مدرسة جديدة في فهم الايمان الديني، وكيفية تطبيقه في الواقع الاجتماعي لكل بلد من بلدان الوطن العربي، وقد أظهرت هذه المدرسة فاعليتها وراهنيتها وافضت الى نتائج جيدة على الصعيد اللبناني كما على صعيد العديد من بلاد العُرب، واساسها العدل الذي يحفظ الكرامات ويؤمن المساواة بين أبناء الوطن الواحد.
اما بالنسبة الى التنوع فقد ارتكز الإمام شمس الدين على ان التمايز هو واقع في الاجتماع الانساني ناتج عن تركيبة الكون وعن الحرية التي وهبها الخالق للإنسان. ينتج عن ذلك ان حق الاختلاف هو حق اساسي للإنسان، الذي عليه ان يتحمل مسؤولية الاختلاف والحرية.
في هذا السياق استعاض الإمام العلامة عن مقولة «الانصهار الوطني» بمقولة «الاندماج والمشاركة» و«التنوع» ضمن الوحدة، و«التوافق ضمن التعدد»، وهذه القيم التطبيقية تشكل أساس التعاون الذي يفضي الى التناضج. كل ذلك انطلاقا من عقيدته الدينية التي ارتكز عليها لكي يؤمن الوحدة المجتمعية، باب خلاص المجتمعات الحديثة المتنوعة.
وفي توجه متصل، بلور الامام شمس الدين مفهوم المواطنة معتبرا ان التنوع لا يشكل عبئا على المجتمع ولا الوطن وانهما قادران على احتضان التنوع الديني، وهو هذا التنوع الذي يجعل من الحوار ضرورة مجتمعية، فيصبح منطق الحياة الاجتماعية قائم على الحوار على أساس قبول متبادل بين سائر مكونات المجتمع. ولكن الحوار يعني ان يكون الجميع متساوين في الحوار مع بعضهم البعض، مجتمعيا وتجاه الباري.
على هذا المستوى من المقاربة يأتي دور الموضوعية المستندة الى التفكير الراجح الضامن للعدالة والحق، مما يعني الابتعاد عن الانفعالات التي تنتج الاحكام المسبقة وتاليا ابلسة الآخر، واحترام رأيه ولو كان مخالفا لرأينا وان يكون الجدال بالتي هي أحسن، وصولا الى كلمة سواء، وهذا ما يسهل الوصول الى المصالحة والسلم الأهلي. كل ذلك لا بد ان يجري في إطار من الموضوعية الضامنة للحوار والتفاعل وحتى الانتقاد.
ولا ينسى الإمام شمس الدين البعد الحقوقي في مجتمعات التنوع الديني، فيؤكد على الثوابت الحقوقية للفرد وللجماعة، وهذا حق يشمل جميع الناس، دونما تمييز بين فرد وآخر او بين جماعة وأخرى، وهو بذلك يعطي شرعية للتنوع وهذا امر يعتبر فيه الامام العلامة مؤسسا لطريقة جديدة لم يسبقه إليها غيره من علماء الدين. في نفس السياق، شدد الامام على أهمية الحفاظ على التنوع في ابعاده الدينية والثقافية. يعني ذلك انه بشر بمجتمع يتمتع بحريات متقدمة، حيث تحتفظ كل من المكونات على خصوصياتها مع حقها بتنمية هذه الميزات وتطويرها. اوليس هذا نموذج جريء لمجتمع متقدم متصالح مع ذاته يسير في طريق الفلاح؟
هذا القائد الهادئ الصلب، هذا الامام العلامة الذي نشأ على العلم والفضيلة اللتان تتمتع بهما عائلته، والذي عانى شظف العيش، متمسكا بقناعاته وايمانه، والذي اختار البقاء أولا في العراق، رغم صعوبة الحياة، هذا الذي تتلمذ على ايدي ارفع العلماء والذي أسس المكتبات والمجلات والجامعات ونشر الكتب، هذا الذي تربى على أصول الدين، ها هو يعبد مسالك الانفتاح والحداثة ويطرح على اهل عقيدته الايمانية القيمة، طروحات لمستقبل زاهر، مبني على الاستقرار والتوازن الاجتماعيين بحكم تواجدهم في مجتمعات حديثة، تتميز بالتنوع على شتى الصعد.
ان شراكة الإمام الشيخ محمّد مهدي شمس الدين الإمام السيّد موسى الصدر في تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عام 1969، والتأكيد على دور المجلس في بناء صرح الوحدة الوطنية، الى جانب الامام الحبيب المغيب السيد موسى الصدر، تعطي الدليل القاطع على بعد نظر الامامين لجهة التكامل الوطني الذي يحتاجه لبنان في ظل التحولات الإقليمية والدولية آنذاك. لم يكن لدى هذين القائدين التاريخيين أي لبس حول تموضع المجلس والجماعة المؤمنة الشيعية في الإطار اللبناني الوطني الجامع، في توجه حواري واضح.
وبما ان الشيء بالشيء يذكر، لا بد لي ان أقول ان جيلي، جيل السبعينات في الجامعة، وقد كنا آنذاك في ذروة قلقنا ووعينا السياسيين، منذ اتفاق القاهرة الى حادثة عين الرمانة، كان يعتبر ان السيد موسى الصدر، وكان وقتها واجهة هذا المنحى الفكري، يمثل لنا لبنان الجديد، لبنان الانفتاح والحداثة والعدالة الاجتماعية الذي نريده، نحن جيل التغيير، وقد اُطلق على السيد موسى لقب تيار دو شاردان، رغم قوميتنا وعروبتنا ورفض بعضنا التكني بشخصيات غربية.
مقابل ذلك، لا بد لنا ان نسطر ان الامام العلامة محمد مهدي شمس الدين، كان خلال كل تلك الفترة ينتج فكرا نيرا، في نفس الاتجاه الذي نعرفه عنه، ردا على القلق الفكري والوجودي الذي كان سائدا في تلك الحقبة.
اما عندما استيقظت الفتنة في لبنان، وبدأ البلد يحترق بمن فيه وبما فيه، فقد كان للإمام الوطني الحكيم المواقف التي تتماشي مع رؤيته وقناعاته، بالتزامن طبعا مع الامام المغيب السيد موسى. لقد تصدى للحرب الاهلية بكل ما اوتي من وسائل وقدرات، ولم يدخر وسعا في أي امر يمكن القيام به اكان في جمع الأطراف مع بعضها البعض، او إطلاق جهود الحوار، حتى لو ذلك على حساب أبناء عقيدتهم الذين عانوا تاريخيا من حرمان واهمال فاضحين. موقف تاريخي ليس جديدا على شيعة علي.
بعد تغييب الامام السيد موسى الصدر، وتولي الامام محمد مهدي شمس الدين مهام رئاسة المجلس الشيعي الأعلى، وأصبح هو في واجهة الاحداث، كان عليه ان يتحمل مسؤولية إدارة دفة الأمور منفردا كقائد، رغم وجود معاونين اكفاء يحيطون به.
خلال كل تلك الحقبة، كان موقف الامام شمس الدين واضحا، هو موقف الوحدة والاندماج، في وطن نهائي لجميع ابناءه، وقد أصبح هذا القول من الثوابت الوطنية المعتمدة من الفئات جميعها، رغم خصامها مع بعضها البعض. لبنان الوطن النهائي لجميع ابناءه أضحت جزءا أساسيا من الوصايا التاريخية التي تركها الامام الحكيم لأجيال لبنان الآتية، التي عرفته والتي لم تعرفه. لبنان ليس وطنا محطة بالنسبة الى الامام الوطني، وهو ليس للمساومة أيضا. انه نهائي!
ولكن لبنان هذا ليس وطنا من ضمن رومانسية يستغلها الفاسدون والانتهازيون، بل ان الانتماء له ليس دونه شروط قانونية، أولها الحريات التي تسمح بالتفاعل بين مكوناته، وثانيها الحكم الرشيد العادل والمتوازن، القائم على المؤسسات.
هكذا يكون لبنان الوطن-الرسالة.
في هذا السياق، عمد الامام الحكيم الى سحب كل مقولة لها علاقة بالعددية بين اللبنانيين من التداول، وذلك تفاديا لإثارة قلق بعض الفئات اللبنانية التي تشهد هجرة اوتراجعا عدديا، وهذا ان دل على شيء، فانه يدل على تفضيل الوحدة الوطنية على اية اعتبارات أخرى.
كذلك اعتبر ان الوحدة الوطنية لا يمكن ان تتحقق اذا كانت احدى فئات الوطن مصدر خوف للآخرين، لان ذلك يجعلها عدوة للشعوب كما هو حال بعض الأنظمة اليوم. لقد اعتبر ان شيعة علي لا بد ان يشكلوا همزة وصل بين فئات المجتمع عبر الحوار والتواصل الذي يعطي الآخرين الشعور بالأمان، ويؤمن اندماج الفئات مع بعضها البعض في بوتقة وطنية جامعة ليس فقط للخلافات، بل للتناقضات.
ولفرط الهاجس الوطني وبعد النظر عند الامام الرؤيوي، نراه، عندما تراءى له وقت افول زمنه في هذه الفانية، يزوّد الأجيال التي ولدت والتي لم تولد بعد بوصايا تصلح دليل عمل لمستقبل وطن.
كتاب الوصايا هذا، والذي جرى تفريغ محتواه من تسجيل صوتي للإمام شمس الدين، هو اليوم في طبعته السابعة لشدة ما اقبل عليه القراء ينهلون من معين الفكر الرؤيوي المحب.
وكما ورد في مقدمة الكتاب على قلم ابنه الصديق إبراهيم، فان هذه الوصايا هي بمثابة "علامة فارقة وصوت صارخ منبها في فضاء التشيع السياسي بوجه عام، وفي العالم العربي بشكل خاص، وفي لبنان بشكل أخص."
في هذا الكتاب-المرجع، يسكب الامام العلامة كل رؤيته وآماله لمستقبل اهل التشيع واللبنانيين والعرب عامة، لان ما ينطبق على لبنان، الذي سماه رسالة، ينطبق على اية منطقة أخرى في العلم، لشدة تنوع المجتمع اللبناني في مساحة ضيقة.
عبر هذه الوصايا، يحث العلامة الجليل اهل الشيعة ان يندمجوا في اقوامهم ومجتمعاتهم واوطانهم، وهو يستعمل تعبير ان "ان يدمجوا انفسهم" مريدا بذلك ان يكون فعل الاندماج فعل ارادي ناتج عنهم، وليس بقدرة خارجة عن ارادتهم، كما ان استعمال الابعاد الثلاثة الاقوام والمجتمع والاوطان، يشير في فكره عن توجه اندماجي تكاملي تام لا لبس فيه.
في نفس السياق، يوصيهم الا ينجروا الى التميز، لان في ذلك شر مطلق، وتبعاته غير محمودة، لا بل يعتبر ان اندماجهم في الاجتماع الوطني العام هو السبيل الوحيد للخروج من التهميش والحرمان الذين عانوا منهما لقرون.
اود التوقف هنا امام تعبير "الاجتماع الوطني العام" الذي يرد تكرارا في وصايا الامام وفي خطبه ومؤلفاته عامة، والذي، ان دل على شيء، فانه يدل على قناعة راسخة لديه بأهمية الاجتماع الإنساني، الاطار الجامع للناس في الوطن، والوسيلة الوحيدة للتكامل والاندماج المجتمعيين. اقل ما يمكن ان نقوله هنا، ان وعي أهمية الاجتماع البشري لدى هذا العلامة ذو الفكر النير، وتفضيله على عصبية الطوائف، تجعل منه رائدا في مجال الوحدة الوطنية والتحصين المجتمعي.
اما عندما يتكلم عن أهلنا اللبنانيين الشيعة، فانه يذكر انه تكونت لديهم شخصية معنوية في الاجتماع اللبناني، أي ان المرجعية تبقى للوطن والمجتمع.
ولان الامام شمس الدين يعي تماما التهميش والحرمان الذين عانى منهما اللبنانيون الشيعة، كما مناطقهم عامة، فقد صنفهما الى حرمان تنموي وحرمان في الحضور الإداري، وما كان انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الا الايذان ببدء افول هذه الحقبة التي استمرت قرونا والتي فعلت فعلها في الوعي التاريخي الجماعي عند أهلنا من شيعة علي.
اما عندما يأتي الامر الى العرب المسيحيين، فقد شدد سماحته على حرصه التام على ضرورة الحضور المسيحي الفاعل في لبنان وعلى ضرورة تكاملهم مع مجتمعاتهم وشعورهم بالانتماء الكامل والرضى وعدم نمو أي شعور بالإحباط لديهم، او اية مشكلة قد تؤدي الى الحرمان او الخوف.
في سياق متصل، يطرح الامام شمس الدين مشكلة الحضور المسيحي في الشرق، وقد كان من السباقين الى ذلك، وقد ناقشنا هذا الامر أكثر من مرة في اطار اجتماعات اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار، والمؤتمرات الني شارك فيها أعضاء اللجنة.
لقد شدد، وهو يقارب الرحيل، على ضرورة تأمين كل ما يؤول الى جعل المسيحية المشرقية تستعيد كامل حضورها وقدراتها في الاشتراك في صنع القرار وصياغة مستقبل الامة.
إضافة الى ذلك، فقد تجلت رؤيوية هذا القائد، فيما تجلت، في تشديده على انجاز مشروع "الأمانة العامة للقمة الروحية اللبنانية"، وهي بعد رحيله بربع قرن، لا زالت مشروعا في البال، نتغنى به كلما عقدنا قمة روحية ووجدنا كم هي مفيدة لتقريب الافئدة وتزويد الناس بجرعة من المحبة والالفة الوطنية. حتى اليوم، لا زالت القمم الروحية تعقد عند الضرورة وتحت ضغط الاحداث، بدل ان تكون قد تمأسست وتعقد بشكل دوري كما طالبنا في لجنتنا مرارا وتكرارا.
لن أستفيض اكثر في موضوع فكر العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين لان لا الوقت يسمح ولا الصفحات سوف تتسع لذلك، ونبقى عطشى ان نقرأ المزيد من انتاج هذا القائد الوطني ذو الرؤية البعيدة المدى، الذي استشرف ووصى، لعل هذه الامة تخرج الى رحاب الوحدة والاستقرار، الضروريين لكل تقدم ونماء.
تبقى كتابات الشيخ العلامة شاهدة على فكر نير، من منطلق ديني، استطاع ان يصالح بين ثوابت الايمان ومتطلبات التحديث، كما يبقى دعوة مفتوحة للجميع من اجل مستقبل أفضل.