الى مصر في أسبوع صلاة الوحدة
البروفسور د. ميشال عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
نتوجه الى مصر بشوق عظيم لأهلها، ونيلها، وسمائها، وطيب المكوث فيها.
نتوجه الى مصر من اجل الاشتراك في أسبوع الصلاة من اجل وحدة المسيحيين الذي ما برح المسيحيون حول العالم يعيشونه منذ ما يزيد عن مئة عام، علما ان تاريخ الأسبوع في مصر ليس نفسه المعمول به في منطقة المشرق الانطاكي.
ما يطيب لنا مشاهدته في مصر، والاستماع اليه من قادة الكنائس، كما من أهلنا، هو كم ان الشعب المصري يعيش وحدة مجتمعية ووطنية تتخطى الفروقات بين الأديان او الطوائف.
هناك اجماع لا لبس فيه لدى الناس في مصر حول وحدة الثقافة والشعب، وحول ضرورة بذل كل غال ونفيس من اجل الحفاظ على هذه الوحدة.
اليس قداسة البابا تواضروس الثاني، المؤتمن على كرسي مرقس، هو صاحب القول الذي يتداوله الجميع انه "من الأفضل ان يكون لنا وطن من دون كنيسة من ان يكون لنا كنيسة من دون وطن؟"
حقا قلت يا صاحب القداسة، اذ انه إذا ضاع الوطن ضاع كل شيء، اما اذا بقي الوطن، فيكون هو الحاضن للكنيسة، والجامع، وسائر عباد الله.
لقد جلست مع العديد من النخب المصرية، من كافة الانتماءات، وكان واضحا عندهم هذا الخيار، خيار الوطن-الأولوية، وهم، في هذا المجال لا يساومون بتاتا.
عندما برزت بعض الاحداث الأمنية في مصر، والتي هي ذات طابع تمييزي، كانت مواقف النخب والشارع متطابقة، ان لا مجال للنزاعات من أي نوع كان، وان مصر، استقرارها وفلاحها يبقيان الأولوية.
هذا التضامن بين أبناء الشعب يذكرنا بمواقف كثيرة وقفها أبناء امتنا في مختلف كياناتها حفاظا على وحدة الوطن وسلامته.
ان التناضج الملموس بين فئات الشعب المصري متقدم جدا وهم يعون تماما ان وحدتهم تعود الى آلاف السنين، وهي ضاربة في عمق التاريخ، وتعطي للهوية المصرية ملامح ومقومات واضحة تجعل منه واحدا تجاه العالم برمته.
"المسيحية المصرية"، كما يطيب لي ان اسميها، ليست جزءا مختلفا عن الهوية المصرية، اذ ليس من الممكن تمييز المصري المنتمي الى ديانة عن أخيه المنتمي الى ديانة أخرى، وهذا ما يجعل مصر عصية على المؤامرات وعلى كل اشكال محاولة التلاعب بمصيرها.
لا يوازي دماثة طباع ولطف الشعب المصري الا صلابته بالتمسك بهويته وارضه ودولته، وهي دولة قوية، جيدة التنظيم، وقياداتها تتمتع ببعد نظر واضح. هل من الممكن إدارة شؤون أكثر من مئة مليون من الناس لو لم يكن الامر كذلك؟
يشعر الانسان بفرح واطمئنان عندما يرى ان أكبر دول بلاد العرب هي في هذه الحالة من الاستقرار والامن، رغم الازمات الاقتصادية التي قد تمر بها، والتي تعتبر امرا طبيعيا بالنسبة الى التحولات الكبرى التي يمر بها العالم، ومنطقة الشرق الأوسط هي اكثرها سخونة.
سوف نزور ونجتمع الى مرجعيات عديدة، ننقل لها مستجدات العمل في مجلس كنائس الشرق الأوسط وخططه المستقبلية القائمة على استراتيجيات دائمة التحديث، على ضوء التحولات التي تجري في محيطنا، هذه الاستراتيجيات التي يجهزها فريق عمل كفي، وتدعمها مرجعيات المجلس وشركاؤه الدوليون.
حضور أسبوع الصلاة من اجل وحدة الكنيسة في مصر لا بد ان يصبح تقليدا ثابتا في روزنامة الحياة المسكونية، ولا بد ان نبني حوله مجموعة من الأنشطة، أهمها الاستشارية مع قيادات ونخب كنسية ومصرية عامة، إضافة الى إلقاء محاضرات وكلمات في مناسبات مختلفة خلال هذا الأسبوع.
بارك الله ارض احتضان العائلة المقدسة خلال لجوئها، ارض الكرازة المرقسية، وبارك شعبها وقياداته الحكيمة.