إفتتاحيّتان
1- الوزنات
2- الى الحقبة الثانية من رحلة المجلس
الوزنات
ألقى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال أ. عبس هذه الكمة قبل عرضه لتقريره المفصّل عن أعماله خلال السنوات الأربع الفائتة، وذلك في الإجتماع الاستثنائي الّذي عقدته اللّجنة التنفيذيّة لمجلس كنائس الشرق الأوسط برئاسة رؤسائه، لانتخاب أمين عام للمجلس، يوم الجمعة 30 آب/ أغسطس 2024، في دير سيّدة البلمند البطريركي للرّوم الأرثوذكس ومعهد القدّيس يوحنّا الدمشقي اللّاهوتي، في لبنان.
د. ميشال أ عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
مقدمة غير تقنية
يوم كلفني فشرفني، صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر، الكلي الطوبى والجزيل الاحترام، ورشحني لمهمة خادم مسكوني، برتبة امين عام، كنت اعي تماما المسؤولية التي عليّ ان احملها على منكبي، اذ كنت اعرف جيدا نبض هذه المؤسسة، الغالية على قلبي، كما على قلوب كل من عمل فيها او تعامل معها.
لقد عرفت المجلس عام 1980، خلال كتابتي دراستي الأولى في الدكتوراه عن الكنائس السريانية، حيث زودتني احدى دوائره ببعض الوثائق والمعلومات المتوفرة لديهم. بعدها اوكلوا الي زيارة مدينة زحلة بعد احداث 1981 الدامية، وكتابة تقرير عن حاجاتها على إثر الدمار الذي لحق بها. تلت تلك المهمة، مهمتين إضافيتين، الأولى كتابة مشاريع تنمية للسريان في البوشرية والحدث، والثانية دراسة عن القرى الاشورية ال 33 الموجودة على ضفاف نهر الخابور في شمال بلاد الشام، وكتابة مشاريع تنموية لها.
بناء على ذلك، عُرض عليّ ان أصبح مديرا لبرنامج الإغاثة والتأهيل والاعمار في لبنان، الذي ادرته واشرفت على نمائه منذ 1982 وحتى 1990، حيث بدأت مع موظفين اثنين، وتركته وفي جعبته عشرات البرامج والمشاريع وما ينوف عن 125 موظفا، إضافة الى عدة عقارات كنا قد اشتريناها خلال هذه السنوات. لقد كان هناك سباق محموم بين الدمار المنهجي الذي خضع له لبنان، والإغاثة والتنمية التي كنا نقوم بها كفريق ملتزم وكفي. كان التآزر بين لجنة الكنائس وفريق العمل، والكنائس، نموذجيا وفاعلا، فأعطى ثمارا اذهلت الهيئات المانحة التي كانت تجدد ثقتها سنة بعد سنة، فقد وصلت الميزانية السنوية للبرنامج حينها الى حوالي خمسة ملايين من الدولارات، بين مساعدات نقدية ومساعدات عينية ازدحمت بها المستودعات السبعة التي كانت الكنائس قد زودتنا بأكثرها.
بعد جلسة الانتخاب في بكركي في 18 أيلول/سبتمبر 2020، ومحضي الثقة من قبل اللجنة التنفيذية المشكورة، كانت توصيتان من صاحب الغبطة لي، الأولى ان "أحسِن الإداء"، والثانية ان "ليكن عملك مسكونيا، فأنت خادم اليوم للكنائس مجتمعة"، ومن ضمنها كنيستي الانطاكية الارثوذكسية.
لقد زودني صاحب الغبطة، واللجنة التنفيذية، بوزنات كنت اعي تماما خطورة امانتها، لأني اعي تماما خطورة المجلس، وموقعه من ضمن المنظومة المسكونية العالمية، وهو أكثر مجالس الكنائس تميزاً في العالم، لأنه مجلس منطقة نشوء المسيحية، في ارض كنعان، ومنطقة تبلور الهوية المسيحية، في انطاكية، حيث دعي المسيحيون أولا، والمنطقة التي تجري ضمنها معاناة مرة لشعبها لأكثر من ثلاثة ارباع القرن، من ضمن قضية خطيرة نتجت عن مؤامرة تاريخية، تسمى القضية الفلسطينية.
كنت على اطلاع تام بوضع المجلس، البرامجي والإداري والمالي، حيث ان صاحب الغبطة كان قد سماني على اللجنة التنفيذية منذ العام 2016، التي انتخبتني بدورها امينا للمال سنة 2017، ومنذ العام 2018 أصبحت عضوا في فريق الدعم الاستراتيجي الذي كونته اللجنة التنفيذية لمؤازرة سلفي، الدكتورة ثريا بشعلاني في عملها.
لقد استلمت مهامي في مرحلة دقيقة وطنيا وعالميا. على الصعيد الوطني كان لبنان قد اهتز قبل شهر ونيف على وقع انفجار مرفأه، وكانت ازمة المصارف فيه في اوجها، متلازمة مع فوضى سياسية عارمة، وكانت الحرب تضرب الكثير من مناطق الشام والعراق، وكان الإرهاب يعيث في الأرض خراباً، مجتاحاً مناطق، ومدمرا دساكر وقرى ومدن المشرق الانطاكي، عدا عن حصار الشام والخراب المستمر في فلسطين. اما باقي بلدان الشرق الأوسط، مصر والأردن وقبرص، فكانت، حمدا لله، على استقرارها.
على الصعيد العالمي، كانت الجائحة تجتاح العالم، وتشل الحياة، وهذا ما حال دون انعقاد الجمعية العامة الثانية عشرة آنذاك، فاضطرت اللجنة التنفيذية اتخاذ التدابير اللازمة، عملا بأحكام النظامين الأساسي والداخلي للمجلس، وجرى انتخابي امينا عاما للمجلس للفترة الممتدة من اول تشرين الأول/أكتوبر 2020 الى آخر أيلول سبتمبر 2024.
بعد هذه المقدمة، سوف اعرض امامكم عملي وانجازاتي، وانجازات المجلس للسنوات الأربعة الماضية، وسف يشتمل العرض على الأقسام التالية:
- المنهجية المعتمدة في مقاربة عمل المجلس
- التحليل السياقي لفترة السنوات الأربعة (contextual analysis)
- الاعمال والإنجازات على صعيد الأمانة العامة من ضمن التطلعات والتوجهات الاستراتيجية للمجلس
- مختصر عن إنجازات دوائر واقسام المجلس ووضعها الحالي
- التطلعات المستقبلية على ضوء التحديات الراهنة
سوف يكون العرض مستندا على نص باللغة الإنكليزية موضوع على برنامج الباور بوينت، اما الشرح فسوف يكون باللغة العربية. منطلقي في هذا الامر هو اننا نريد إيصال الرسالة الى أصحاب الغبطة والسيادة والاحترام غير الناطقين بالعربية، وهذا ما يسهل عمل المترجمين. إضافة الى ذلك، فان التقرير لا بد من مشاركته مع الهيئات الدولية الشريكة في عملنا ومساعينا، إضافة الى اننا جميعا نتكلم الإنكليزية، والعرض باللغة العربية يجعل المعلومات سهلة المنال.
في هذا المكان الروحي التربوي المبارك، على هذه التلة البلمندية – كما يسميها صاحب الغبطة - التي شهدت منذ أيام وصول ذخائر القديس يوحنا الذهبي الفم والقديس بندلايمون، والتي شهدت منذ فترة غير قصيرة اعلان قداسة القديسين نقولا وحبيب خشة الدمشقيين، والتي تكتنز بركات كثيرة، وعلى قاب قوسين او أدنى من منشأ الطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي، نجتمع من اجل ان نرى حصاد أربع سنوات من الكفاح المسكوني، الكفاح في المسكونية، والكفاح من اجل المسكونية، مع الامل بغد افضل للكنيسة في مهدها.
—————————————————————————————
الى الحقبة الثانية من رحلة المجلس
ألقى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط الدكتور ميشال أ. عبس هذه الكمة بعد إعادة انتخابه أمينًا عامًا للمجلس بالإجماع، لولاية ثانية مدّتها أربع سنوات، وذلك خلال الإجتماع الاستثنائي الّذي عقدته اللّجنة التنفيذيّة لمجلس كنائس الشرق الأوسط برئاسة رؤسائه، لانتخاب أمين عام للمجلس، يوم الجمعة 30 آب/ أغسطس 2024، في دير سيّدة البلمند البطريركي للرّوم الأرثوذكس ومعهد القدّيس يوحنّا الدمشقي اللّاهوتي، في لبنان.
د. ميشال أ عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
مرة أخرى يمنحني صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر ثقته، فيرشحني لولاية ثانية للخدمة المسكونية، امينا عاما لمجلس كنائس الشرق الأوسط.
ومرة أخرى تستجيب الكنائس، المتمثلة باللجنة التنفيذية، الى ترشيح صاحب الغبطة، وتمنحني الثقة للسنوات الأربع القادمة، وقد عملتُ مع أعضاءها المحترمين لمدة سنتين، وخبروا طرائق عملي ومنهجيتي، وبدوري خبرت رؤيتهم، في مسار تفاعل إيجابي تعلمي، عبر تجربة الصراع المشترك، ضد قوى الشر المتمثلة بمروجي الفرقة والتمييز والتنابذ والنفاق، وسائر آفات الزمن المخيف.
هي بداية النصف الثاني من المئة سنة الأولى من عمر المجلس، المرصود له ان يستمر دهرا، يشهد على الكنائس في جماعيتها، وفي تجدد بناها، ومؤسساتها، خدمة للإنسان وبرا بتعاليم السيد.
كل مرحلة لها خصوصيتها، ومكوناتها، وتحدياتها، والعبرة في ان تكون المؤسسة قادرة على التصدي لها، والاستمرار رغما عن قوى الاذية والشر.
مجلس كنائس الشرق الأوسط، وقد خبرته منذ عقود، تأسس على المرونة والانفتاح والتفاعل مع مكونات المحيط، اكانت دينية، ام ثقافية، ام سياسية، ام اقتصادية، ام غيرها من المكونات التي تطرح، حكما، تحديات.
لست ادري اذا كانت صدفة، او اذا كان في الامر تدبير الهي، ان يكون دور العائلة الارثوذكسية في هذه المرحلة بالذات، وان توافق العائلة على ترشيحي لخدمة الأمانة العامة، ولكني ممتن لهذا التدبير الإلهي الذي حصل على يد صاحب الغبطة، والعائلة الحبيبة، ان يسمح لي الزمن، ان اضع درايتي بتصرف المؤسسة التي فيها نضجت، والتي شعرت انني انتمي اليها منذ حتى ما قبل تعاقدي العملي معها، اذ هي تجسد مسيحيتي كما تربيت عليها، على يد أساتذة اضحوا نادري الوجود، في مدرسة البشارة الارثوذكسية، درة مدارس بيروت آنذاك.
هنا اود ان اتوقف ولو هنيهة، لأعيد وأكرر ان الوسيلة الفضلى لتجسيد ايماننا وتصليبه واستمراره، يبقى المدرسة، والجامعة طبعا.
لا بد لي أيضا ان اذكر الجامعة التي كونت معرفتي ودرايتي فيها، جامعة القديس يوسف، التي أعيش قيمها ومنهجياتها منذ كنت طالبا على مقاعدها منذ العام 1973. الجامعة هي، دون منازع، المكان الأمثل لتحضير الناشئة الى الولوج الى الحياة الاجتماعية والعملية، وهي التي تسير بهم الى حياة أمثل. هنا لا بد لي ان اشيد أيضا، ونحن في هذه التلة البلمندية، بالخطوات الجبارة التي خطتها جامعة البلمند، وكنت قد رافقت بدايات البدايات في نهاية الثمانينات حين كانت ما تزال فكرة. ليست صدفة ان تكون افضل جامعات المنطقة هي جامعات كنسية.
المدرسة والجامعة والمؤسسات الطبية، يضاف إليهم الاعلام، مع سائر المؤسسات الأخرى التي ابدعها الايمان المسيحي، والتي مأسستها الكنيسة، هي هبة الرب الى المجتمع من اجل ان تكون لهم حياة افضل.
اما بالنسبة الى المجلس، وهو المكان الجامع لكنيسة السيد المتجسد، فهو مدعو ان يكون وسيلة تفاعل، ليس فقط بين الكنائس على مستوى قياداتها ورعاياها، بل على مستوى مؤسساتها أيضا، ما استطاع الى ذلك سبيلا.
ان رؤية مسار الزمن القادم واضحة امامنا، وسوف نبلورها عبر أنشطة متعددة وبشكل متصاعد، منها ما هو قيد التنفيذ، منها ما هو قيد الاعداد ومنها ما هو قيد البلورة. انه في هذا السياق يمكننا اعتبار المجلس حالة معرفية وحالة استشرافية في آن.
قفير النحل هذا، المدعو مجلس كنائس الشرق الأوسط، حيث لا يهدأ العاملون، وحيث الإنجازات تتخطى عددهم بكثير، سوف يبر بمن اسسه منذ نصف قرن، وسوف يبر بقياداته التي تشرف على مساره من ضمن ايمان راسخ باننا ملح الأرض الذي لا يفسد والذي هو خميرة الصلاح في هذا العالم الذي ضل طريقه.
شكرا للقيادات الكنسية التي ترفدنا دوما بما نحتاجه من دعم وتوجيه، شكرا لرؤساء المجلس ولجنته التنفيذية لمواكبتنا عملنا رغم انشغال أعضائها، وشكرا للزملاء الذين يبلون البلاء الحسن في كل ما يقومون به.
والى اللقاء في ساحات العمل نفتح نوافذ امل للإنسانية.