سراج لبني الانسان

ألقى الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط د. ميشال أ. عبس هذه الكلمة في توقيع مذكّرة تعاون إعلاميّ بين مجلس كنائس الشرق الأوسط، تيلي لوميار- نورسات، وكليّة اللّاهوت للشرق الادنى، يوم الأربعاء 19 حزيران/ يونيو 2024، في مكاتب الأمانة العامة للمجلس في بيروت - لبنان.

"وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ." (مت 5: 15).

الأخ نور العزيز، مدير نورسات، الحاضر دوما بيننا بمحبته،

الدكتور جورج صبرا العزيز، رئيس كلية اللاهوت للشرق الأدنى، الأستاذ والباحث والمؤلف،

أيها الأحبة، حضرات الزميلات والزملاء المحترمين،

الخطوة التي نقوم بها اليوم هي خطوة مسكونية وانسانية بامتياز وتأتي من ضمن أنشطة السنة الخمسين لتأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط الذي يضمنا جميعا،

هذه الخطوة تجمع ثلاث مؤسسات مسيحية تعمل منذ ردح طويل من الزمن في الشهادة لرسالة السيد الخلاصية من اجل خدمة بني البشر،

 كلية اللاهوت للشرق الأدنى، كانت وما تزال، إضافة الى تخريجها لأجيال من خدام الرعايا في شتى انحاء الشرق الأوسط منذ اقل من قرن بقليل، تعمل للخدمة العامة للمجتمع اللبناني والمشرقي. هي، اذا، صرح علمي ومنارة فكرية، و في نفس الوقت، منطلق خدمات لمحيطها.

خلال الحرب الضروس التي دمرت لبنان، كانت الكلية الملجأ للناس، تقيهم شر القصف المتنقل من منطقة الى أخرى، كما زودت الناس بالمياه عندما انقطعت نهائيا عن المنازل، كما احتضنت المستشفى الميداني للهلال الأحمر الفلسطيني عند الاجتياح الصهيوني للبنان. هذه الكلية احتضنت أيضا مستودعات مجلس كنائس الشرق الأوسط خلال حرب لبنان، وقد كنا آنذاك نرسل المعونات الطبية والغذائية وغيرها من المقدمات العينية بعد تحضيرها في الطوابق السفلية الرحبة التي وهبتنا استعمالها إدارة الكلية. هي أيضا، احتضنت دائرة الإنتاج السمعي البصري التابع للمجلس خلال نفس الفترة المذكورة، وما نحييه اليوم هو استمرار لهذا الاستديو الذي انتج وسوف يعود الى انتاج مواد إعلامية تساعد في بث الوعي وبلسمة جراح الناس النفسية والمعنوية.

مباركة هذه الكلية ومبارك القيمون على شؤونها، وهم من ابناء البيعة، والشكر موصول أيضا الى رئيسها الدكتور جورج صبرا، الذي كان واسطة الخير في وصول ملف التعاون هذا الى خواتيمه المرجوة.

تلي لوميار-نورسات، هذا الإنجاز العملاق بموارد متواضعة، أطلقها ويديرها، الأخ نور، وهو اسم على مسمى، الذي افتتح عهدا جديدا في الاعلام المسيحي في المشرق والعالم العربي والعالم. هذه المؤسسة العملاقة بما تكتنزه من قيم ودراية، تشكل المنارة التي وضع عليها المكيال، اذ لا نفع لمعتقد لا يستطيع الوصول الى الناس، او لا يستطيع اهله تجسيده وشرحه للناس. هذه المؤسسة تعمل، بالسليقة، وبتوجيه من الزاهد الأخ نور، بموجب المنطق المسكوني، وتفسح مجالا على شاشاتها لجميع العاملين التائقين الى نشر عقيدة الخلاص. هذه المؤسسة التي أصبح عمرها من عمر السيد عند صعوده، تغطي كل انحاء المعمورة، وكل الفئات الاجتماعية، وترافق الناس في همومها الايمانية والحياتية، بموارد لا يصدق المطلع عليها مدى محدوديتها. انها جزء من مفاعيل الروح القدس الذي يقوي الايمان. انها تجسيد للقول ان من يمتلك ذرة ايمان بمقدار حبة خردل، يقول لهذا الجبل انتقل فينتقل.

مبارك هذا الصرح الإعلامي، ومبارك القيمون على شؤونه، وهم من ابناء البيعة، والشكر لرئيسها الأخ نور المبارك، والشكر موصول أيضا الى الزميلة الاعلامية ليا عادل معماري التي كانت واسطة الخير في بلورة ملف التعاون هذا بالتوازي مع الحوار مع كلية اللاهوت.

اما مجلس كنائس الشرق الأوسط، الذي بلغ عمر الخمسين في السنة الحالية، فدوره ان يكون مكان الشراكة المسيحية بامتياز.

المجلس الذي يجمع الى عضويته كافة كنائس المنطقة، له باع طويل في شتى المجالات، التنموي منها والإعلامي والنشر، ونشاطات الشبيبة والمرأة، وحقوق الانسان والكرامة الإنسانية، ورعاية اللاجئين، الفلسطينيين وغيرهم من اللاجئين، كما هو من رواد الحوار بين الأديان، الحوار المسيحي-الإسلامي في لبنان والعالم العربي خصوصا.

يرى المجلس، من ضمن رؤيته المسكونية للأمور، ومراقبته للمسارات التي تأخذها الظواهر الاجتماعية في بلداننا، من تفتت وفرقة وتعصب وخطاب كراهية وتباعد بين الناس وانهيار للبنى المجتمعية، تضاف اليها ظاهرات الفقر لدرجة البؤس والجريمة الناتجة عن الحروب والتهجير، يرى ان الاعلام يشكل أداة اساسية لبث الوعي ومحاربة هذه الظواهر، بالتوازي طبعا مع العمل التنموي والتربوي. ان الاعلام هو الأداة المعرفية بامتياز التي تحارب الجهل، والتعصب، وخطاب التفرقة ،والكراهية. عبر تعميمه للعقيدة الخلاصية وشرح مكنوناتها وتطبيقاتها للجميع، يقوم الاعلام بدور أساس في تقريب فئات المجتمع من بعضها البعض، ونشر القيمة المسيحية الأساسية، المحبة، وإذا كانت المسكونية في الأساس مسار تقارب بين المسيحيين، فهي من باب أولى، مسار تقارب بين كل مكونات المجتمع، وهي بذلك، تشكل مفتاحا للسلم الأهلي.

ان عمل المجلس في مجال التواصل والاعلام هو في تصاعد مضطرد بفضل الفريق المبدع العامل، وقد جاءت خطوة اليوم لتعطي هذا العمل دفعا شديدا الى الامام.

أيها الحضور الكريم،

في زمن المعرفة الذي نحن في خضمه، لا بد لمن لا يحول وسائل التواصل الى أدوات ابتذال، ان يجهد وان يرفع الصوت عاليا، محاولا الوصول الى اكبر عدد ممكن من الناس، والى جميع فئات المجتمع، لان الصراع بين من يريد تسخيف الحياة وجعلها فارغة من المضمون، وبين من يريد تقديسها، محتدمة، وأدوات التقهقر والسطحية والفرقة ناشطة في ضرب منظومة القيم لا تدخر وسعا من اجل الوصول الى أهدافها. التحدي الإعلامي-المعرفي كبير، وما نقوم به اليوم هو خطوة في التعامل مع التحدي. الا وفقنا الرب في مسعانا.

هكذا، نرفع السراج عاليا، حتى ليضيء المعمورة باسرها!

Previous
Previous

مومنتوم، أسبوعيّة إلكترونيّة من مجلس كنائس الشرق الأوسط

Next
Next

المجتمع الأرمني في فلسطين، التحدّيات التاريخيّة والمعاصرة