الخطف، او الغابة في قلب المدنية

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

في الذكرى الأولى لإطلاق

اليوم المسكوني للمخطوفين والمغيبين قسرا

في مجلس كنائس الشرق الأوسط

وذكرى مرور 11 عاما على خطف مطراني حلب

ان يختطف انسان من قبل انسان آخر، او من قبل مجموعة، وان يجري سحبه من حياته اليومية، من اهله، من احبائه، وان يُستودع في مكان مسكون بالرعب والريبة، فنكون قد عدنا بالمجتمع الى حياة البدائية!

بأي حق، سماوي او ارضي، يقوم مخلوق بالاستيلاء على مخلوق آخر، مساو له بالكرامة والحق بالحياة والحرية، واخراجه من المجتمع ورميه في الغابة التي تسمى الاختطاف؟

بأي حق يقوم أي كان، بتغييب انسان يتمتع بكامل حقوقه المجتمعية والسياسية، وحذفه من المعادلة المجتمعية؟

لا يمكن ان نفسر هذا "الحق" الذي يعطيه الخاطف لنفسه الا انه ناتج عن شعوره بالانتماء الى الغابة وليس الى المجتمع. انه منطق الادغال الذي ما زال يحتل حيزا كبيرا في حياتنا المجتمعية الحديثة التي ما زالت تخفي في طياتها الكثير من البدائية.

اكان الاختطاف لأسباب مالية او سياسية، او خلافات عائلية او نزاعات عسكرية، فليس ما بيرر رمي هذا العداء على الأبرياء العزل... الأبرياء، نعم، لانهم هم فقط الذين يخطفون، اما العنيفون والمرتكبون فليس من يتجرأ على الاقتراب منهم، الا نادرا، لانهم محميون بالأزلام والحرس والعسس وسائر أنواع المسترزقين.

هل يعلم الخاطفون، مغيبو الناس عن حياتهم ومجتمعهم، مدى الأذى الذي هم بصدد الحاقه بالمختطف وبعائلته؟

الأرجح انهم يعرفون، ويقومون بذلك عن قصد من اجل تعذيب كل هؤلاء واخذ مأربهم منهم.

 معاناة المُغَيّب، كما معاناة من يترقب خبرا عنه او ينتظر عودته، لا احد يحسدهم عليها.

انه الألم الذي يرافقهم كل يوم، يعيشون معه ليل نهار، يتناولونه مع المأكل والمشرب، ويفترشونه كل ليلة متى آن وقت المنام. هذا إذا وجدوا للمأكل والمشرب والمنام سبيلا.

انه الألم الذي يعادل الم الفراق النهائي، مع الفارق انه مستمر ومشوب بالريبة والغموض.

انه الجرح النازف الذي يتأكل الانسان ويقضي على يومياته وتطلعاته، لذلك نصنف الخطف جريمة ضد الإنسانية والمجتمع.

أيها الخاطفون الذين تستسهلون الم الناس ومعاناتهم،

هل فكرتم يوما بالضرر الذي تسببتم به للمختطف ومحيطه؟

هل سألتم نفسكم ما يكون موقفكم في حال حصل هذا الامر لكم؟

اين ضميركم، اين موقفكم من معطي الحياة الذي خلقنا أحرارا، عندما تقومون بهكذا عمل؟ هل عندكم ذرة ايمان وعرفان تجاه باري الخليقة؟

هل تتجرؤون ان تنظروا الى أنفسكم، الى اهلكم، الى اولادكم؟

لا اظن ان لأسئلتي تلك أي فعل في نفوس وضمائر من يرتكب هكذا أفعال، لأنه، لو كان عنده ذرة من ذلك، لما قام بالارتكاب.

تعيش بلادنا منذ عقود، عمليات خطف واخفاء وتغييب بأحجام كبيرة.

منذ خطف الأرمن والسريان، وغيرهم من مكونات هذه الامة وذبحهم، الى خطف الفلسطينيين والاعتقالات التعسفية الطويلة الأمد – وهذا يعادل الخطف - التي يعيشونها، منذ النكبة الى حرب غزة، الى الخطف الذي حصل حلال حروب لبنان والعراق والشام، ومنها خطف مطراني حلب الذين استذكرنا هذا الأسبوع اختطافهم للسنة الحادية عشرة، مرورا بتغييب الامام العزيز على قلوب اللبنانيين، الى كل ما يجري في بلادنا، كل ذلك يجعلنا نعيش في غابة، والجميع يعرف من وراء كل ذلك، زارعي الفتن ومشتتي الشعوب.

لقد تطورت القوانين، التي تتعاطى مع الاختطاف ومشتقاته، تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، وارتفعت اعداد واصوات الناشطين في هذا المجال، ولكن الخطف ما زال مستشريا في أماكن عديدة من العالم وليس من يردع مرتكبيه، لان أعمالهم ليست سوى جزء من الجريمة التي لم تفلح البشرية، وقد لا تفلح، بلجمها.

لا بد من متابعة التحسيس والتوعية على تبعات الخطف، عبر برامج إعلامية وتربوية، عسى ان يحمل لنا قادم الأيام، بفضل هذه التوعية، نورا يضيء ضمائر المرتكبين ويثنيهم عما تقترفه يداهم من اثم واذية، لأناس لم يتسببوا لهم لا بسوء ولا بمضرة.

Previous
Previous

مومنتوم، أسبوعيّة إلكترونيّة من مجلس كنائس الشرق الأوسط

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط يهنّئ غبطة البطريرك يوحنّا العاشر