نورسات: الكلمة الطيبة مقابل العنف والبربرية

كلمة الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسور ميشال عبس في افتتاح مكتب تيلي لوميار- نورسات في الشمال وتكليف الإعلامية ليا معماري بإدارة المكتب الاعلامي.

د. ميشال عبس

الأمين العام

 

كلما ازداد مجتمع الحداثة عنفا، واضحت الحياة اليومية اشبه بغابة تتصارع فيها الضواري، كلما كانت الحاجة الى من يبذر بذار المحبة والالفة بين الناس اكبر، مذكرا إياهم ان من هو معهم في المجتمع، هو اخوهم في الإنسانية، وان الضرر الذي يمكن ان يلحق به سوف يلحق بهم.

لقد تصاعدت مؤخرا المشاعر والخطابات السلبية من كل الأنواع، التعصب والتزمت الديني والعرقي والعنصري والسياسي، وخطاب الكراهية، ووصل الى النزعات الاجتماعية والخيارات الحياتية، فرأينا بروز اشكال حياتية موتوره، اقل ما يقال فيها انها مرضية، وقد تبين للأسف انها معدية وتتفشى بسرعة في مجتمع فقد ضوابطه.

في هذا الجو المدلهم، وهذه الريبة الحياتية، تحتاج الإنسانية، خصوصا في منطقتنا المنكوبة، الى نور يخرجها من الظلمة التي تعودت عليها كونها أصبحت امرا مفعولا، والتي أصبح شعبنا يعتبرها الحالة الطبيعية للأمور.

في هذا الإطار، يعتبر انشاء نورسات علامة فارقة في تاريخ الاعلام السلمي السليم، المعني بصون الايمان المسيحي ونشر مبادئه وقيمه، هداية للناس، على مختلف مشاربهم.

لقد خطت هذه المؤسسة المباركة، بقيادة قائدها المبارك، الأخ نور الحبيب، خطوات جبارة في مجال نشر الكلمة الطيبة والقيم، وتخطت صعوبات جمة، لا بد ان تمر بها كل مؤسسة لا تتعاطى الابتذال والسطحية، فشكل مسارها تحد لكل تسطيح للعقول، وتسخيف للقيم والمثل التي كانت الإطار الضامن لتقدمنا لقرون خلت.

ان تفتتح هذه المؤسسة مكتبا لها في الشمال، فهذه خطوة حميدة ومباركة في مجالين اثنين:

-الأول هو الاهتمام بالمناطق البعيدة عن مركزية هذا المجتمع السيء الإدارة، السيء التوزيع في العمل والثروة، وهذه المناطق سميت المناطق النائية، او المهملة، او المتروكة، ونحن العاملون في مجال الأبحاث الاجتماعية والتنمية نعلم جيدا حال الحرمان والإهمال الذين تعاني منهما هذه المناطق الغنية بأهلها، بتراثها وبثقافتها.

-الثاني، هو اللامركزية في العمل، وإعطاء الاستقلالية للمناطق والفروع في خطوة متقدمة في التنمية المؤسساتية والإدارية، وهذا ما ينعكس إيجابا على غزارة ونوعية العمل، وتجربة زحلة الناجحة في نورسات كانت النموذج الذي يتكرر اليوم في شمال لبنان، ولا بد من تكراره في مناطق أخرى من الوطن وعبر الحدود. ان من شأن خطوة من هذا النوع ان تحفز الابداع والابتكار في المؤسسات، مما يؤدي الى تقدم كبير في عملها، والى إرساء ثقافة جديدة في علاقات العمل.

في هذا المجال، لا بد لي ان اتوقف عند السيدة المسؤولة عن هذا العمل، والتي سوف تشرف عليه من ضمن اوقاتها المزدحمة، السيدة الزميلة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، ليا عادل معماري.

تعاملي مع السيدة ليا هو لعقد من الزمن لتاريخه، وقد وجدت في شخصها العناصر التي تجعل منها الإعلامية المسكونية والوطنية الانجح في منطقتنا. هي تجمع الى لا-طائفيتها المسيحية، أي مسكونيتها، انفتاحا دينيا يحمله ذوي الايمان الحق، البعيد عن التعصب والضغائن، كما تتمتع بكفاءات متقدمة، اكان لجهة اجتراح المواضيع والبرامج، ام لجهة تنفيذها، في سياق تلبية سريعة عز نظيرها. لذلك هي اليوم، تؤتمن من الأخ الحبيب نور على العمل في الشمال، كما هي مسؤولة عن العلاقات الكنسية والاعلام في مجلس كنائس الشرق الأوسط. هنيئا لك ليا المسؤوليات التي تحملين، والهموم التي تكتنفها هذه المسؤوليات، وانت لها.

وبما ان الشيء بالشيء يذكر، لا بد لي ان اُعلم القيادات الدينية الحاضرة هنا، ان نورسات، وبسعي من ليا، قد جهزت مركز انتاج سمعي-بصري في مجلس كنائس الشرق الأوسط، تحت تسمية "منبر الكلمة"، سوف نفتتحه يوم الخميس القادم.

ختاما أقول لنورسات، استمروا بعملكم لعقود كثيرة ستلي، كما استمريتم حتى اليوم، تنثرون المحبة بين الناس عبر نشر الكلمة الطيبة والقيم الحضارية، وتوجهوا، كما كنتم دائما تتوجهون، الى جميع الناس، من ضمن قيمة عليا هي الاخوة الإنسانية، ذروة المشاعر التي قد تختلج بها نفس بشرية. هكذا، أبواب الجحيم لن تقوى علينا، لا ككنيسة ولا كأمة.

01.11.2024 طرابلس – مكتب نورسات

Previous
Previous

فيديو – الحلقة الخامسة والعشرون من برنامج مسكونيّات

Next
Next

فيديو – الحلقة الرابعة والعشرون من برنامج مسكونيّات