الطفولة المأزومة في زمن المجيء
البروفسور د. ميشال عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
في الزمن الذي تتحضر فيه البشرية لاستقبال طفل التجسد، الذي سوف يغير وجه العالم، لا بد لنا من التوقف عند حال الأطفال في العالم، حيث يستشري الشر وتنتشر الموبقات على أنواعها، وأكثر ما تطال، فإنها تطال الأطفال، الحلقة الأضعف في المجتمع.
حال الأطفال في العالم اليوم لا يليق بزمن الحضارة حيث اصبحت ثقافة حقوق الانسان معممة، وحيث تزداد أنظمة الحماية لجميع الفئات الاجتماعية، وحيث الاعلام يسطر أصغر الاحداث، بالتكافل والتضامن مع شبكات التواصل الاجتماعي.
حال الطفولة، رغم قبول أكثرية دول العالم باتفاقية حقوق الطفل، ليس على ما يرام، لا بل في وضع مزرٍ يستدعي رفع مستوى التحسيس والتوعية على الصعيد العالمي، إضافة الى ضرورة سن تشريعات جديدة تفي بالغرض. من الضروري أيضا انشاء هيئات جديدة، إضافة الى المتواجدة حاليا، تكون متخصصة في مختلف الازمات التي تعاني منها الطفولة.
وإذا أردنا ان نستعرض مختلف المصائب التي تطال الطفولة، فان اللائحة تطول وما خفي كان اعظم.
الأطفال أضحوا "السلعة البشرية" الأقل حماية والأكثر عرضة للأذية حتى من اقرب الناس لهم، فهم يتعرضون للعنف الاسري، والاعتداء الجنسي، والاستغلال الاقتصادي، والاقحام في الحروب، وترويج الخدرات، والنشل والسرقة، والدعارة، والايداع عند مستخدمين بعقود عبودية، والزواج القسري، وغيرها مما قد يمارسه مجتمع اغرق في المادية فانتفت فيه قيم الرحمة والرأفة بالضعيف.
اما البعد الأكثر قباحة مما يتعرض له الأطفال، فهو القتل والتنكيل الذين يتعرضون له خلال النزاعات المسلحة، حيث أصبح الأطفال الضحية الأكثر عددا من بين الضحايا في توجه واضح للقضاء على مستقبل الشعب الذي يتعرض للهجوم والابادة أحيانا، كما يجري في فلسطين ولبنان، والكثير من انحاء العالم.
يتبين للمراقب ان قتل الأطفال عمدا، لا بل ابادتهم، حتى في الحاضنات الطبية حيث يقبع الأطفال ذوي الوضع الصحي الدقيق، يأتي ضمن مخطط واضح للقضاء على القسم الأكبر من الجيل القادم للشعب الذي يتعرض للاعتداء.
وابادة الأطفال كتدبير "احترازي" ليست جديدة في التاريخ، فقد قام بها الكثير من الملوك والاباطرة في التاريخ، وكانت ذروتها ما قام به هيرودوس في زمن المجيء من اجل الحفاظ على ملكه.
ما اشبه الليلة بالبارحة حيث يفتك المجتمع بالفئات الأكثر ضعفا ويحولهم الى ضحايا في مشروع نزاع على مصالح او سلطة، وكأن البشرية لم تتطور قيد انملة منذ زمن المجيء وحتى اليوم.
في ذروة تقدم العلوم والثقافة، الإنسانية مدعوة الى ان تأخذ على عاتقها ضعفاءها وان تؤَمن لهم الحماية الضرورية، اذ ان أوضاعهم الحالية ما زالت تشكل تحدٍ لإنسانيتنا ونقطة سوداء في حضارتنا.