لبنان، قصة ذل وملحمة صمود

البروفسور د. ميشال عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

لم يكن ينقص لبنان، الغارق في ازماته منذ عقود، الا حربا ضروسا، تدمر المدن والقرى، وتقتلع أهلها من جذورهم، وترميهم في المجهول.

دوامة العنف التي اُدخل لبنان بها، أتت تكمل ما بدأته ايادي الاثم التي امتدت الى هذا الوطن واثخنته جراحا، فيُكمل مرتكبي الخارج ما بدأه مرتكبي الداخل.

اللبنانيون اليوم في حال يرثى لها، لان الوطن والمجتمع في حال مزرية، وكانت الاحداث التي جرت في الأسابيع الأخيرة رصاصة الرحمة على ما بقي من امل لديهم بمستقبل أفضل لهم ولأولادهم.

هذا الشعب الطموح والمقدام، تحول تدريجيا الى باحث عن مأوى ومأكل ومشرب ودواء، بأقل حد ممكن من الحياة الكريمة. تجده أحيانا يبحث عما يسد رمقه في تلال القمامة التي تملأ شوارع العاصمة.

أكثر من مليون من أبناء لبنان اقتُلعوا من جذورهم وطفقوا يجوبون ارجاء الوطن بحثا عن سقف يبيتون تحته، والا، فانهم يبيتون في العراء، بانتظار معجزة تؤمن له المأوى.

منذ احتدام المعارك دخل لبنان واللبنانيون في فوضى اجتماعية عارمة، تضاف الى حالة الرعب التي يعيشونها على وقع قذائف الطائرات والاغتيالات واعداد الضحايا التي لا يقبل بها ضمير.

في لبنان نعيش اليوم حالا من الانكار، وبسبب اخفاقهم في التغيير قد اكتسب اللبنانيون احباطا مزمنا يحول دون تمردهم على وقائع تفرض عليهم.

مدخراتهم في المصارف نهبت، مشاعات الدولة سلبت، الدين العام في حالة تصاعد مضطرد، الفساد التهم جسم الدولة، والفاسدون يتبجحون بشطارتهم، الضرائب تثقل كاهلهم، البطالة تجتاح مختلف الفئات المهنية، الهجرة تطال جميع شرائح الشعب، والفقر يتمدد الى شطور جديدة من العائلات.

إضافة الى كل ذلك أتت تلك الحرب التي لم يشهد نظيرها اللبنانيون في تاريخهم الحديث، لا من حيث تنوع أدوات الفتك، ولا من حيث قدراتها على الفتك. بورصة القتل تسجل يوميا اعدادا هائلة من اللبنانيين وقد لقوا مصرعهم، اما باستهداف مباشر، ام بسبب وجودهم في المكان الخطأ في الوقت الخطأ.   

الذي يسير اليوم في مدن وقرى لبنان، يوقن كم ان الكرامة، قبل السلامة، قد انتهكت عند اللبنانيين، وكم يعاني هذا الشعب الصابر الجلود من نائبات الزمان.

في لبنان اليوم يسطر الشعب ملحمة صمود وقدرة على الاستمرار وإخضاع للتحديات في مواجهة الذل اليومي، اذ لم يعاني شعب في العالم ما عاناه اللبنانيون عبر ألاف السنين، رغم ذلك كانوا يخرجون من كل المحن اقوى من ذي قبل.

هم ابعد من اسطورة طائر الفينيق، العنقاء، الذي يبعث من رماده من جديد، هم أبناء الرجاء، أبناء القيامة.

Previous
Previous

فيديو – ترنيمة ما احلى ان نجتمع معا، أداء جوقة مار مرقس بمصر الجديدة في احتفال السنة الخمسين لتأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط في مصر

Next
Next

فيديو - كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني في احتفال مصر لمناسبة السنة الخمسين لتأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط