مجلس كنائس الشرق الأوسط يشارك في مؤتمر الإمام الحسين ع السنويّ الثامن

"نهضة الإصلاح لأجل الإنسان، من الأنبياء ص إلى الإمام الحسين ع"

بدعوة من رئيس المجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الإسلاميّة وحوار الأديان العلامة الشيخ محمد حسين الحاج، عقد مؤتمر الإمام الحسين ع السنويّ الثامن تحت عنوان "نهضة الإصلاح لأجل الإنسان، من الأنبياء ص إلى الإمام الحسين ع - القيم الإنسانيّة تجمعنا"، يوم الثلاثاء 19 أيلول/ سبتمبر 2023. يشدّد المؤتمر بحسب البيان الصّادر عنه على أنّه "لا خيار سوى التعاون والحوار من أجل بناء دولة المواطنة، والدفاع عن كرامة الإنسان...، وأنّ القيم الدينيّة والإنسانيّة تجمعنا مهما اختلفنا في الآراء والمواقف السياسيّة أو الحزبيّة".

شارك في المؤتمر ممثّل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الدكتور سامي أبي المنى، ممثّل سيادة المطران عصام درويش الأرشمندريت نقولا الصغبيني، منسّق شبكة الأمان للسلم الأهلي المحامي عمر زين، ممثّلة مجلس كنائس الشرق الأوسط البروفسورة لور أبي خليل منسّقة مشروع تأهيل الرأسمال الإجتماعي في المجلس، إلى جانب شخصيّات فكريّة وعلميّة وسياسيّة.

تضمّن المؤتمر محورين بمشاركة متحدّثين من مختلف المجالات. المحور الأوّل بعنوان "نهضة الإمام الحسين ع في تأثيرها على الواقع". أمّا المحور الثاني فتمحور حول "الهدف الإنساني عند المجتمعات في نهضة الإمام الحسين ع، حيث تخلّل مداخلات عدّة من بينها مداخلة للبروفسورة لور أبي خليل.

في كلمتها، تحدّثت البروفسورة أبي خليل عن "الإصلاح والإمام الحسين" حيث تطرّقت إلى أبرز المحطّات التاريخيّة من حياة الإمام الحسين إضافةً إلى أهم مواقفه لا سيّما الإصلاحيّة منها. كما أضاءت على واقع اليوم حيث خلصت إلى الإشارة إلى أنّ الإصلاح يمكن أن يوفّر مناخ الإنتقال نحو التغيير الذي يتطلب وقتًا.  

تجدون في التالي نصّ كلمة د. لور أبي خليل كاملةً.

 

"أبدأ كلمتي بكلمة شكر الى المجمع الثقافي الجعفري لدعوة مجلس كنائس الشرق الاوسط للمشاركة في مؤتمر الامام الحسين السنوي الثامن تحت عنوان نهضة الاصلاح لاجل الانسان وأنقل لكم تحية تقدير من أمين عام المجلس البروفسور ميشال عبس.

عاش الامام الحسين في أرض تاريخها عظيم حيث توجد آشور أرض الحضارة وأرض بابل وأرض سومر حيث تربع نبوخذ نصر على عرشه في حضارة بلاد ما بين النهرين أقدم حضارة في البشرية. وأعظم مآسي في التاريخ حدثت في ذلك المكان وأقصد هنا بمأساة كربلاء. فارض بلاد ما بين النهرين ذات الماضي الذي يمتد الى 7 الاف سنة حيث ظهر مفهوم الوحدة والعدالة والسلام والمساواة والمحبة والايمان. الا ان التاريخ شهد اختلاط الحق بالباطل، والظلم والخدمة والخيانة والجهاد والجناية والدين والكفر والخير والشر اختلطا اختلاطا معقدا متشابكا فجاء الامام يطالب بالحق والعدل والمساواة والحرية لتعود حياة الانسان مبنية على حفظ الكرامة الانسانية.

ان موقف الحسين تجاه الحكم القائم يومها يعلل روحيته واخلاقه. وهنا ظهرت فلسفة التاريخ عند الشيعة "أننا منتظرون" والمنتظر يعني المعترض الرافض لما يحدث الذي يعترض على الوضع الفاسد ويرفض ان يكون هو الحقيقة. اذ لا بد ان ينتصر الحق وان تتحقق المثل الانسانية والآمال والطموحات.

نحن لانرى في الحسين إبن علي فحسب، فالحسين رمز للعدالة ورمزا للتضحية ورمزا للرسالة ورمزا لمكافحة الفساد ورمزا للحرية ورمزا للشهادة.

لان الامام أقدم على الشهادة دفاعا عن الحقيقة ومن اجل حماية القيم السامية التي تناولتها ايادي التحريف. وهذا ما يحصل في يومنا هذا اذ ان البطل والمقاوم يشتم والعميل يبرأ. شهداؤنا احياء حاضرون ينظرون ويراقبون بين أيدي الله لان الشهيد انسان ينتصر على العدو في زمن الهزيمة يفضح العدو ومؤآمراته وهو قلب التاريخ يضخ دمه في جسد المجتمع المحتضر لينهض من جديد لذا لا يمكن لمجتمعنا ان يزول لان دماء شهداءنا اعطتنا الحياة.

اعتبر الامام الحسين ان الذين يتهافتون على الدنيا ويستسلمون للذل فانهم موتى التاريخ.

ان ثورة الإمام الحسين تحمل الكثير من المعاني والأبعاد والدلالات والعبر والدروس. خرجت لطلب الإصلاح. وهي ثورة إنسانية كبرى بكل أبعادها حدثت في عصر معين لكن إشعاعاتها وقيمها ومثلها ومحتواها الإنساني الكبير يشع على كل أمم الأرض مادام الظلم والاضطهاد قائمَين في هذا العالم. ولابد لنا أن نستحضر قيم تلك الثورة  في كل لحظة من لحظات هذا الزمن الذي تمادى فيه الحكام في غطرستهم وعنجهيتهم وظلمهم للبشر.

والثورة مصطلح سياسي يعني: «الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب». والثورة تدرس على أنها «ظاهرة اجتماعية تقوم بها فئة أو جماعة ما هدفها التغيير.

اما الاصلاح فهو نقيض الفساد فالإصلاح: هو« الحركة العامة الموجهة لإحداث تغيير تدريجي بطيء في المجتمع، تستند الحركة في التزامها بالتغيير إلى الإرادة الواعية لأفراد المجتمع، وتهدف إلى إزالة الخلل والفساد المنتشر في قطاعات المجتمع المختلفة، وتحقيق تكافؤ الفرص والعدالة أمام القانون بين جميع أفراد المجتمع وفئاته المختلفة، والعمل على تنمية أساليب المشاركة المجتمعية في بناء المجتمع وتطويره إلى الأفضل، والتمتع بجميع الحريات المدنية والسياسية وحقوق الإنسان في المجتمع». وتمثل ثورة الامام محطة تحول ليس في حياة الاسلام فحسب بل في حياة البشرية جمعاء، فالبعد الانساني واضح لانه استهدف رفع الظلم عن الانسان وتحريره من الخوف . واهداف الثورة الحسينية ومبادئها ستبقى منارا للثائرين ضد الظلم والقهر والفساد طالما ان انموذج الحاكم القائم على الجور والظلم والقهر والفساد يتكرر كل يوم. بهذا المعنى تحدث بعض من المفكرين عن ثورة الحسين على النحو الاتي: قال المؤرخ فيليب حتي إن الإمام الحسين عزم على الكفاح حتى الموت، وقاتل ببطولة وبسالة.  وقال المستشرق الألماني ماربين ان الحسين قدم للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد أثبت أن الظلم والجور لا دوام له، وان صرح الظلم مهما بدا ً راسخا ً وهائلا في الظاهر، إلا أنه لا يعدو أن يكون أمام الحق والحقيقة إلا كريشة في مهب الريح. اما المفكر انطوان بارا فقال لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين. بينما قال الزعيم الهندي (غاندي) لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين . وقال ايضا: على الهند إذا أرادت أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالإمام الحسين. وهكذا تأثر محرر ً الهند بشخصية الإمام الحسين ثائرا ً حقيقيا وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة  وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق.. وقد ّركز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين بقوله: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فانتصر.

اما  اذا نظرنا الى الوضع الراهن في لبنان فهناك تشابه في متلازمات الفساد في فترة الامام الحسين وفي الواقع اللبناني وتحديدا في حكم قيادات نهبت المال العام واستغلت الدولة لتكون مطية الاثراء الفاحش.

يبدأ الاصلاح في لبنان عبر إرساء اسس الحوكمة وابرزها المساءلة.

والمساءلة ستة أنواع: دستورية بواسطة المجلس الدستوري والتي تعنى بمراقبة انتهاك القوانين من قبل السلطة التشريعية. برلمانية وتتعلق بالاستجواب ولجان التحقيق التي تراقب اعمال السلطة التنفيذية من قبل البرلمان. القضائية المرتبطة بالمحاكم. الرقابية كديوان المحاسبة والتفتيش القضائي والمالي والإداري. الداخلية وهي الرقابة الإدارية اي رقابة الرئيس الإداري على المرؤوس. الشعبية وهي الرقابة التي تظهر نتائجها في الانتخابات. وفي لبنان مع ظهور طبقة الفاسدين الذين يملكون الحصانة تعطلت المساءلة في العديد من الأحيان. ولا يحصل التغيير الا عندما يقتنع المواطن بالتغيير. وهذه إحدى الوسائل المفترضة لإصلاح الفساد السياسي وفي توفير شروط النزاهة عبر تهيئة الظروف الكريمة للموظف قبل مطالبته بأداء واجباته. ويتم هذا الامر عبر ضمان راتب يكفي الموظف للعيش بكرامته، توفير ضمان صحي واجتماعي اي ما يعرف بالمعايير الاساسية للحياة لكي لا يصبح الموظف تحت سقف الفقر ويكون راتبه لا يكفيه للعيش الكريم.

ان الاصلاح يمكن ان يوفر مناخ الانتقال نحو التغيير الذي يتطلب وقتاً. لذلك يمكننا اعتبار بناء التأييد نحو الإصلاح مرحلة انتقالية تقتضي ثقافة تدبير الزمن الانتقالي من مفاوضات وتحالفات لتوسيع دائرة شركاء الإصلاح. فالعلاقة بين التسلط السياسي والفساد المالي عملية صعبة تبدأ بفكرة المصالحة الوطنية القادرة على إطلاق التغيير الديمقراطي السلمي بما يساعد على تنقية مفاصل الدولة والسلطة من الفساد، ويفتح إمكانية بناء الثقة بين الدولة والمجتمع. هذه الخطوات التي يفترض بنا البدء بها لمكافحة الفساد ولبناء اسس اصلاح لمجتمع رشيد".

Previous
Previous

فيديو - في مقابلة على تيلي لوميار ونورسات الأب د. ميخائيل قنبر يضيء على مؤتمر

Next
Next

أَسماكَ البِـحارِ تُحَدِّثَكَ