الكنيسة في وجه الاعتداءات على اوقافها

استعادة الأرض في القدس نموذجاً

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

ورد على الموقع الالكتروني لبطريركية الروم الارثوذكس المقدسية انها نجحت في استعادة أراض وصفتها بأنها "استراتيجية" في القدس، وذلك بعد جهود دؤوبة استمرت لأكثر من عقد ونيف لما لهذه الأرض من قيمة دينية وتراثية واثرية، اذ تحتوي على آثار من العصور البيزنطية كما تقع بجوار الكنيسة الأرثوذكسية في منطقة ابو طور.

ويفيد النبأ ان البطريركية قد افلحت في استعادة حقوقها "كاملة" في قطعة أرض تملكها في حي أبو طور بالقدس، مقابل مبلغ لا يستهان به. ويعتبر النبأ ان البطريركية قد ازالت جميع القيود التي كانت تعيق ملكيتها التامة على العقار، والتي تنجت عن اتفاقيات تأجير قديمة وحجوزات مترتبة من احكام قضائية صدرت وتراكمت على مر الزمن. وكانت البطريركية قد دخلت سابقا في شراكات من اجل تنمية هذا العقار لأسباب مالية، وها هي تفلح اليوم في استعادة ملكيتها له.

كل ذلك حصل بقيادة وتوجيه غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والاردن، ومتابعته الحثيثة، وهو الذي ما انفك يعمل، منذ توليه السدة البطريركية، على استعادة الأراضي والعقارات المنهوبة او المصادرة التابعة للبطريركية.

نحن في المجلس نؤكد وندعم، كما ورد على صفحة البطريركية، "أن استعادة الارض يُعتبر تقدماً ايجابياً ونتيجة ملموسة لسياسة استعادة وحماية العقارات الأرثوذكسية التي تبناها المجمع المقدس منذ انتخاب غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريركاً للقدس وسائر أعمال فلسطين والأردن، والذي يتابع بنفسه، وبشكل يومي، ملف استعادة الأملاك الأرثوذكسية وحمايتها."

كمسيحي مشرقي، ابن انطاكية، اشعر بفرح وفخر لهذا الإنجاز الذي اعتبره يصب في صلب حماية الوجود المسيحي في منطقتنا التي تعاني من الحروب والاحتلالات ما لم تعانيه اية منطقة أخرى في العالم. ان حماية هذا الوجود وتامين استمراريته هم من المبادئ الأساسية التي قام عليها مجلس كنائس الشرق الأوسط. اننا في المجلس نشد على يد صاحب الغبطة ان يستمر بهذا العمل المصيري وقد عبرنا، أكثر من مرة، لأخوة لنا من الكنيسة المقدسية، عن استعدادنا لفتح صفحاتنا الإعلامية لأية حملة مناصرة تهدف الى حماية ممتلكات هذه البطريركية الموجودة في مناطق محتلة.

كلنا يشهد عبر وسائل الاعلام، وبشكل مستمر، كيف تعتدي منظمات المستوطنين الصهاينة على أملاك أهلنا في القدس وسائر فلسطين، وكيف يطردون الناس من بيوتهم، وكيف يحاول أعضاء هذه الجمعيات تدنيس مقدسات شعبنا على مختلف انتماءاته، لذلك نؤيد ما ورد على صفحة البطريركية المقدسية لجهة اعتبار "استعادتها الكاملة لحقوقها في أرض أبو طور ردًا عمليًا وواقعياً على محاولات الجمعيات الصهيونية المتطرفة الاستيلاء على عقاراتها والتضييق على الوجود المسيحي الاصيل في القدس".

لا يموت حق ووراءه مطالب، يذهب القول الشعبي في بلادي.

ان أملاك الكنائس، المسماة اوقاف، قد وقفها الأجداد من اجل ان يستفيد منها الاحفاد، لا ان يسلبها غازٍ او مستوطن او طارئ، وهذه الامر ينطبق على الأوقاف المسيحية والإسلامية على حد سواء.

انها هبات قدمها مؤمنون، يعبرون بها عن شكرهم للرب وامتنانهم لعطاياه، ويريدون عبرها تقديم بعض الدعم الممزوج بالمحبة الى من لم تبتسم لهم الحياة. هذه العقارات هي اما لبناء دور العبادة، ام المدارس، ام المياتم، ام دور العجزة، ام دور ذوي الحاجات الخاصة، ام لإقامة مشاريع سكنية تأوي الاسر الأكثر عوزا، ام لإقامة استثمارات تؤمن وظائف للناس ودخلا للكنيسة تساعد في تغطية اعباءها الإدارية والاجتماعية. هذه الهبات لم يتركها الأجداد المؤمنون لكي يعبث بها كل من وجد الى ذلك سبيلا.

ان الكنائس التي تسترد اوقافها وتحافظ عليها وتحسن ادارتها، انما تقوم بعمل ايماني اصيل، اذ ان أقرب الخلق لله هم "انفعهم لعياله" وهذا هو دور الكنيسة.

هل يفهم هؤلاء المستوطنون ماذا يعني تعبير "مال الوقف"؟

لا اظن ذلك، اذ انهم يتعاملون بمنطق "مال السبي" مع اوقافنا، ولا بد من وضعهم عند حدهم كما فعلت البطريركية المقدسية.

لا بد لجميع الكنائس ان تأخذ موقفا حازما إزاء الاعتداءات التي قد تحصل على اوقافها اذ ان الحفاظ على الحجر يساعد على حماية وصيانة حياة البشر. 

Previous
Previous

الكرامة الإنسانيّة واللّاجئون الفلسطينيّون

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط يعرب عن تضامنه