خطاب الكراهية والتنمية الاجتماعية
د. ميشال أ. عبس
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط
الكثير مما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي، وفي الاعلام عامة، يُظهر كم ان خطاب الكراهية ما زال منتشرا ومسيطرا على عقول البشر، لا بل على ازدياد.
نقرأ ونسمع ونرى في الاعلام كلاماً وصوراً ومشاهد مصورة تسيء الى مجموعة عرقية او اثنية او دينية او وطنية او سياسية او غيرها من اشكال الانتماء والهوية، تحاول التركيز على خصائص الفئة المستهدفة بخطاب الكراهية وتحاول ابلستها وتقديمها للمشاهد او القارئ بأبشع الصور.
من جهتها، تُعَرّف الأمم المتحدة خطاب الكراهية بأنه "أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية".
وتعتبر الأمم المتحدة خطاب الكراهية انه "أوسع من التحريض على التمييز أو العداء أو العنف" وهو محظور بموجب القوانين الدولية التي ترعى حقوق الإنسان".
كذلك تعتبر المنظمة الأممية أن لخطاب الكراهية ثلاث سمات أساسية، أولها انه يمكن نقله من خلال أي شكل من أشكال التعبير، بما في ذلك الصور والرسوم والإيماءات والرموز، ويساعد الانترنت على نشر هذه الاشكال بسرعة قصوى وبأوسع انتشار.
اما السمة الثانية لخطاب الكراهية"، حسب الأمم المتحدة فإنه تمييزي، أي متحيز ومتعصب وغير متسامح وازدرائي أي احتقاري ومهين ومذل للفرد أو الجماعة المستهدفين.
اما السمة الثالثة لخطاب الكراهية فهي أنه يمس العوامل المحددة للهوية" الحقيقية والمتصورة لفرد أو مجموعة، بما في ذلك الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب وكذلك خصائص مثل اللغة، أو الخلفية الاقتصادية أو الاجتماعية، أو الإعاقة، أو الحالة الصحية، أو التوجه الجنسي، من بين أشياء أخرى كثيرة.
هذا بالمختصر بعض ما أوردته الأمم المتحدة على صفحتها المخصصة لخطاب الكراهية.
ما يهمنا في هذه المقالة هو ان نتبين اشكال وانتشار خطاب الكراهية في مجتمعاتنا المشرقية والشرق أوسطية، في علاقته مع عمل الهيئات الانسانية في مجال البرامج والمشاريع التي تنفذها في مختلف بلدان المنطقة.
لا بد لنا من التذكير ان المجتمع الشرق اوسطي قد شهد منذ نهاية الحرب العالمية الاولى وحتى اليوم، ابلسة، اُسمّيها متبادلة، لمختلف المجموعات التي تتكون منها المنطقة. الحروب والاحتلالات والنزاعات الداخلية قد اوجدت مشاعر سلبية بين الفئات المكونة للمجتمع لأسباب عديدة، منها المرتبط بمكونات الهوية ومنها ما يرتبط بتوزيع الموارد الاقتصادية.
ان الهيئات الانسانية العاملة في مختلف المناطق ومع مختلف الفئات، منذ عقود وحتى اليوم، تشعر وتعاين استشراء خطاب الكراهية بين الناس، خصوصا ان مختلف الفئات هي على خصام مع بعضها البعض ولا تفهم دائما معايير عمل المؤسسات الإنسانية، التي أساسها الحالة الإنسانية الاجتماعية للمجموعة المستهدفة وحاجاتها المادية والنفسية.
كم تعرضت وتتعرض المؤسسات الانسانية للانتقادات من مختلف فئات المجتمع التي تستعمل خطاب الكراهية وتأبلس فئات أخرى تعتبرها تشاطرها موارد الرزق ومنها المساعدات الإنسانية.
هذا على الصعيد الإنساني، اما على الصعيد السياسي فالأمر يصبح أكثر سوءا اذ تتداخل متغيرات كثيرة قد تؤدي الى نزاعات اجتماعية لا تحمد عقباها، خصوصا اذا تواجدت هذه الفئات، التي تمارس الابلسة المتبادلة على بعضها البعض، في مناطق فيها تداخل في السكن وموارد الرزق. وعادة ما تكون هذه المناطق هي مناطق نزوح وفقر وحرمان وتشهد اضطرابات اجتماعية من وقت لأخر.
ان بث الوعي وتعميم ثقافة الحوار وقيم القبول بالاختلاف أمور مهمة جدا، ولكن يبقى ان تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهذه المناطق هي بند أساسي من بنود تعميم السام الأهلي والتماسك الاجتماعي.
"القلة تورث النقار" يقول المثل الشعبي في لبنان، فكيف اذا تضافرت القلة مع تدنٍ في الوعي وأوضاع سكنية وحياتية سيئتين؟
ان عملية التنمية والنهضة الاجتماعيتين هي عملية مادية وروحية في آن، وان العمل على بعد واحد دون باقي الابعاد يجعل هذا البعد، الذي شهد تقدما، مهدد بالانهيار عندما تضغط عليه الابعاد الأخرى.
ان ما تقوم به المؤسسات التنموية اليوم لا يتعدى تضميد بعض الجراح وإعطاء بعض المسكنات، بمنطق شراء الوقت بانتظار أيام أفضل.
هنا لا بد لنا ان نشدد من جديد على دور الدولة في مشروع النهوض الاجتماعي، بكافة ابعاده، من ضمن خطة وطنية شاملة متكاملة، واضحة الأهداف، تنفذ بشكل دؤوب وعلى مراحل حسنة البرمجة.
ان الشرط الأساسي لكل ذلك هو الاستقرار السياسي والأمني، وهو ما تفتقده هذه المنطقة منذ عقود، اذ كُتبت عليها الفتن والاضطرابات التي تذر قرنها كل بضعة عقود فتمحو إنجازات هذه المجتمعات وتعيدها الى نقطة الصفر.
اذا لم تكن نخب الشرفاء في هذه المجتمعات قادرة على الوصول الى موقع القرار، فإن زمن النهضة ما زال بعيدا.