كتاب مفتوح الى السيد المتجسد، يسوع المسيح

د. ميشال أ. عبس

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

لقد بدأنا الالفية الثالثة لتجسدك، والعالم على حاله، كما اَلِفته وجئت من اجله أيها السيد.

البشرية في تراجع مضطرد، وكأنها في سباق مع الزمن في العودة الى الوراء، تتراجع بخطى وئيدة نحو حالات من البدائية.

هذا العالم، الذي مملكتك لم تكن يوما منه، يتنكر لنفسه عندما يتنكر لقيمك وتعاليمك.

كل ما قلته أيها السيد المتجسد، نعيشه اليوم.

كل موبقات الدنيا، اظهرها الجنس البشري الى العلن، دون خجل ولا وجل، لا بل يتفاخر بها، فيتسابق الناس الى اجتراح السيئات.

العالم يشرب الاثم حتى الثمالة وهو غارق في الخطيئة واعتاد عليها حتى لأضحى يعتبرها الحالة الطبيعية للأمور.

أصبح الشر وجهة نظر، واذية الأخر انجازاً، والفتك بالغير براعة.

لقد ضاع الجنس البشري.

تشهد الإنسانية اليوم انعداما للإنسانية، وعودة تدريجية الى الحالات البدائية حيث الغلبة للأقوى ولو كان على باطل.

اما الباطل، فنجده في كل ابعاد حياتنا، الاجتماعية منها والاقتصادية والثقافية وحتى الدينية. لقد احتل الحيز الأكبر من الوجود، مرتدياً رداء الحق.

لقد اختلطت الأمور على الناس من غزارة الرياء والنفاق، اذ كثر من اعتمدهم لتجميل الباطل وجعله القاعدة.

الفساد يستشري عند بني البشر، يبرع في اعتماده من يبرع في تبريره وتفسيره وتسويغه.

ظلام حالك أيها السيد لا يبدده الا بهاء نورك.

انت يا من تجسد وسار بين الذئاب، غير آبه بأنيابها تنهشك، تكمل مسيرتك حتى خواتيمها التي اردتها خلاصا لبني البشر.

عار من عار، فساد من فساد، نفاق من نفاق، وضياع من ضياع، وسلسلة الشر ليس لها نهاية.

حياة الغش والخديعة والغدر يعيشها الناس في يومياتهم، فتألفوا معها، وتعايشوا مع بعضهم البعض، يمارسونها على انها القاعدة الفضلى للعلاقات بين البشر.

الناطقون بالحق يرذلون ويهمشون ويضطهدون، ويرمون فريسة لوحوش الغاب.

لم يعد يصح ان نقول ان الانسان اخ للإنسان لولا نخب صغيرة تعاكس التيار، تيار الجشع والفتك.

مصاصو الدماء يتسترون وراء الألقاب والكلام المنمق والمظاهر الفارهة، منتحلين صفات لا علاقة لهم بها.

الغش فن، والتضليل شطارة، والانتصار المكلل بالدناءة عظمة.

يا ويلكِ من إنسانية مريضة، ترقصين على بقايا نفسك المضمحلة وتفرحين لإبادة حاضرك والقضاء على مستقبلك.

لم تعد الدنيا، وهي تحمل معنى اسمها، دنيا، مكان آمن للشرفاء.

الشرفاء منبوذون أيها السيد، يصارعون انواء السوء ونار الشر وخبث الخديعة.

من اهتدى بقيمك وتعاليمك وتحلى بصلابة الايمان بعقيدتك الخلاصية، لا تغريه مفاسد هذا العالم، ولكنه لا يسلم من اذية الأشرار.

من اعتنق ما تجسدت لأجله لم تعتد بصيرته على بشاعة هذا العالم، لذلك رفضها وبقي على صراعه غير آبه بالتبعات وغير مبال بالتضحيات.

من اعتنق ما نطقت به وما قمت به ما فتئ يحاول إيصال كلمة الحق الذي يحرر الى هذا العالم.

تحديات ما بعدها من تحديات، ان تقول للباطل انه باطل وللاعوجاج انه ليس استقامة.

هذه التحديات قبلها من اعتنقك سيدا ومخلصا وفادياً.

هذه التحديات هي كل الفرق بين العبودية والحرية، بين وقفة العز وركعة الذل.

بتجسدك المتواضع وتفانيك اللامحدود، رسمت للبشرية طريق الخلاص والكرامة.

عسى ان تعتمدها!

Previous
Previous

متحدون في الصلاة - خميس الصّعود

Next
Next

مجلس كنائس الشرق الأوسط يدين الإعتداءات العنيفة على كنائس السّودان